معركة القصر... الجيش على مشارف استعادة "رمز" السلطة في الخرطوم

منذ ١ أسبوع ٢٩

حرّكت المعركة الضارية التي يخوضها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في محيط القصر الرئاسي وسط الخرطوم، المعروف باسم القصر الجمهوري، والذي سيطرت عليه "الدعم السريع" منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب بين الطرفين في 15 إبريل/نيسان 2023، حالة المراوحة في وتيرة العملية العسكرية للجيش التي يشنّها في الخرطوم، حيث كانت قد تباطأت أخيراً، منذ استعادة الجيش والقوات المتحالفة معه، زمام المبادرة في العاصمة، حين أعلن في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، شنّ عملية واسعة لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم في الخرطوم. وأكدت مصادر الجيش، لعدد من وكالات الأنباء أمس، أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من استعادة القصر، في وقت يشي فيه حجم التفجيرات التي سمع دويها في العاصمة، بمدى ضراوة المعارك، والتي لم تقرّ فيها "الدعم" بعد بأي هزيمة، بل قالت على "تليغرام" إن قواتها تحقق تقدماً باتجاه مقر القيادة العامة الذي كان الجيش فكّ الحصار عنه في العاصمة، فيما قال شهود عيان لوكالة رويترز، إنها تهاجم من جهة الجنوب.

وكان الجيش السوداني قد تمكن الثلاثاء الماضي، من إحكام الحصار على القصر الجمهوري، بعد ربط قواته القادمة من جنوب مدينة الخرطوم بقواته المتحركة من مقر القيادة العامة للجيش شرق المدينة، ما أدّى إلى قطع خطوط الإمداد عن "الدعم السريع" وفصل مقاتليها في القصر عن بقية قواتها الموجودة في الأحياء الجنوبية للخرطوم. وبحسب متابعات "العربي الجديد"، فإن وحدات من الجيش تحركت مساء أول من أمس الأربعاء، من أكثر من محور قتالي نحو القصر، واستخدمت الأسلحة الخفيفة والثقيلة مدعومة بسلاح الطيران، ما مكّنها من تدمير عدد من الخطوط الدفاعية للدعم، مقتربة بشكل أكبر من ذي قبل من إعلان سيطرتها على القصر الرئاسي. وصباح أمس الخميس، خاض الجيش معركة ضارية مع مقاتلي "الدعم السريع" المتمركزين في القصر الجمهوري، وسُمعت أصوات قصف مدفعي مكثف قادم من منطقة وادي سيدنا العسكرية في مدينة أم درمان غرباً، مستهدفاً تجمعات ومواقع "الدعم" في وسط الخرطوم ومحيط القصر الجمهوري. وحتى عصر أمس، ظلّت مجموعات من "الدعم" تتمركز في شمال غرب القصر بمسافة ليست بعيدة، وذلك في جزيرة توتي التي تتوسط مدن العاصمة الثلاث.

حسام الدين ذو النون: نهاية معركة الخرطوم بداية النهاية

معركة كبرى في الخرطوم

وقال مصدر عسكري سوداني لوكالة فرانس برس، إن الجيش شارف على استعادة السيطرة على القصر الجمهوري، وأصبح على مسافة نصف كيلومتر منه. وأضاف المصدر أن "الجيش دمر رتلاً من 30 عربة لمليشيا الدعم السريع كانت تحاول الانسحاب جنوباً". وكانت أبرز المواقع التي سيطرت عليها "الدعم السريع" عند اندلاع الحرب هي مقر القصر الجمهوري وسط الخرطوم، ومقر هيئة الإذاعة والتلفزيون في مدينة أم درمان، الجزء الغربي من العاصمة الخرطوم، قبل أن يتمكن الجيش في 12 مارس/آذار 2024 من السيطرة على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون، شرق أم درمان.

ويقع القصر في أقصى الجزء الشمالي لمدينة الخرطوم، ويكاد يتوسط المسافة الرابطة بين شرقها وغربها، محصوراً بين عدد كبير من المباني الحكومية، وفي ركنه الشرقي توجد وحدة عسكرية معروفة هي الحرس الجمهوري، وقد خاضت هذه الوحدة أعنف المعارك مع "الدعم السريع" عند اندلاع الحرب وتسبب ذلك في تدمير واسع لموقع القصر والمباني المجاورة. وتمّ وضع حجر الأساس للقصر الجمهوري في وسط الخرطوم، في عام 1830، وبدأت عمليات البناء والتشييد في عام 1832، والتي تم تنفيذها على مراحل شهدت تغييرات في مواد البناء. وشهد الموقع في عام 2015 آخر تحديث بارز، بإضافة مبنى جديد للقصر، انتقل إليه مكتب رئيس الجمهورية وكبار القيادات، وصُمّم بشكل شبيه بالقصر القديم، الذي تحوّل إلى متحف.

وأطلق الجيش السوداني عملية عسكرية متعددة الاتجاهات في 26 سبتمبر الماضي في مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وبحري وأم درمان، لاقتحام مناطق سيطرة قوات الدعم، وسيطر بالفعل على عدد من المواقع. وتركزت المعارك الضارية أخيراً وسط مدينة الخرطوم حيث يقع القصر الجمهوري، وتشارك في هذه المعركة قوات سلاح المدرعات التي تعتبر أقوى وحدات الجيش السوداني، والتي فشلت "الدعم السريع" منذ بداية الحرب في اقتحام مقرها الواقع في منطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم. وتمكنت هذه الوحدة من شقّ طريقها في أحياء وسط الخرطوم حتى التقت مع قوات القيادة العامة أول من أمس الثلاثاء.

رمز وطني

وبحسب مصدر عسكري تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن سبب سيطرة "الدعم السريع" على مقر القصر الجهوري ومقر الإذاعة والتلفزيون مع بداية الحرب، أنها كانت أصلاً ضمن القوات المكلفة بحماية هذه المواقع، وعند اندلاع الحرب هاجمت بسرعة القوات الأخرى التي كانت معها، وسيطرت على هذه المؤسسات المهمة. وأضاف المصدر أن هذه المواقع تمثل على مرّ تاريخ الحكم الوطني في السودان، أبرز المقار التي تخضع لحراسة عسكرية مشددة بسبب لجوء أي قادة انقلاب عسكري منذ البداية للسيطرة على القصر مقر الحكم، ومقر الإذاعة لتلاوة البيان الأول، ومن ثم سلاح المدرعات لأهميته في حسم أي معركة برية، معتبراً أن القصر هو "رمز السلطة" وفقدان "الدعم" السيطرة عليه يعني فقدانها آخر أهم موقع في عموم البلاد.

قطع الجيش خطوط إمداد "الدعم" وحاصر مقاتليها في القصر

وعلى الرغم من اقتراب الجيش من السيطرة على القصر واستعادته، إلا أن "الدعم السريع" ظلّت تؤكد أمس، أن قواتها صامدة وسوف تجلب تعزيزات جديدة. وكتب مستشار قائد قوات الدعم، الباشا طبيق، على منصة إكس، أمس، أن الخرطوم "مقبرة" من وصفهم بالإرهابيين ومليشيات البرهان (قائد الجيش عبد الفتاح البرهان)، مضيفاً أن مقاتلي الدعم السريع "ثابتون ومسيطرون على القصر الجمهوري وكل مواقعهم وسط الخرطوم".

ورأى المحلل العسكري حسام الدين ذو النون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن معركة وسط الخرطوم والسيطرة على القصر الجمهوري ليست عسكرية فحسب، بل سياسية بامتياز، لأن القصر يمثل رمزية سياسية ومعنوية كبيرة للغاية في وجدان الشعب السوداني، والسيطرة عليه واستعادته من تغول مليشيا الدعم السريع تعتبران إعلاناً بهزيمة "المخطط الاستعماري الإقليمي وانتقاله إلى مرحلة السكتة الدماغية"، وفق توصيفه. وأضاف ذو النون أن السيطرة على القصر تضفي مزيداً من الشرعية على السلطة القائمة، ما يدفع كثيراً من القوى الإقليمية والدولية إلى إعادة حساباتها وبناء مواقف سياسية جديدة، بسبب بروز دور الطرف الحكومي وقواته المسلحة بأنه عنصر لا يمكن تجاوزه لقدرته على فرض نفوذه وسيطرته على مجريات الحرب في السودان.

وبحسب ذو النون، فإن السيطرة على القصر تفقد "الدعم" أي دور للبقاء في الخرطوم بعد فقدانها كل مقومات ودوافع استمرارها بالقتال، ما يدفع المجموعات التي لم تسقط بعد في شراك القوات المسلحة إلى الهرب والانسحاب نحو حواضنها الجهوية والقبلية، معتبراً أن هذا الأمر مع الحشود العسكرية الكبيرة والتقدم المطرد في مختلف جبهات القتال، تجعل هزيمة "الدعم" في الخرطوم وإعلان انتهاء التمرد بالوسط والشمال، على بعد ثلاثة أسابيع على الأكثر. وأشار إلى أن نهاية معركة الخرطوم تعتبر بداية النهاية لمعركة القضاء على "الدعم" في إقليم دارفور، وبدء عمليات استعادة جميع الولايات التي دخلتها "الدعم السريع" وعاثت فيها فساداً وإفساداً، معتبراً أنه يمكن القول إن معركة القصر قد انتهت فعلياً، وما تبقّى هي عمليات التفتيش بواسطة فرق المهندسين لإزالة المتفجرات والألغام والأجسام غير المتفجرة، ومن ثم إعلان استعادة رمز السيادة السودانية.

قراءة المقال بالكامل