اجتذب مقطع فيديو نشر في الصين، أخيراً، وأظهر تغليف أم لابنتها بإحكام من الرأس إلى أخمص القدمين بكيس بلاستيكي كبير لحمايتها من الرياح بعد الخروج من المستشفى إثر قيام الابنة بعملية ولادة، اهتماماً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وأثار المشهد نقاشاً جدياً في الصين حول الممارسات الصحية التقليدية للنساء بعد الولادة، وانقسمت الآراء فمنها ما أشاد بحب الأمومة، في حين تساءل البعض إذا كان هذا النهج علمياً ومعقولاً، وعن مدى تأثيره بصحة الأمهات حديثات الولادة.
وأظهر المشهد الذي صوره أحد المارة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تغطية امرأة ارتدت سترة طويلة وسميكة جسمها من الرأس إلى الساقين بكيس بلاستيكي كبير أثناء سيرها في الخارج لحماية نفسها من الرياح، ثم تبين أنها كانت خرجت لتوها من المستشفى بعد الولادة. وبررت ذلك لاحقاً بأن أمها أرادت حمايتها من الهواء الملوّث.
ويعد حظر تعرّض الأمهات الجدد للرياح إحدى ممارسات الرعاية التقليدية في الصين خلال فترة نقاهة الولادة التي تستمر لمدة 40 يوماً. وحسب التقاليد الصينية لا يُسمح بأن تفارق المرأة السرير لمدة شهر كامل بعد الولادة، ولا تخرج من بيتها قبل أربعين يوماً. وخلال هذه الفترة تكون حماتها مسؤولة عن تأمين احتياجاتها بالكامل، ورعاية المولود الجديد، وطهي الطعام، وغسل الملابس، وتنظيف المنزل. وهذا العُرف لا يزال سائداً حتى اليوم، إذ يعتقد الصينيون بأن جهاز مناعة المرأة بعد الولادة يكون في أضعف حالاته، ما يعرّضها للإصابة بفيروسات، من هنا يجب حمايتها عبر منحها مدة زمنية كافية للتعافي واسترداد القوة.
تتحدث شياو آي، من مقاطعة قوانغدونغ الجنوبية، وهي متزوجة ولديها طفل وحيد، لـ"العربي الجديد"، عن تجربتها بعد عملية الولادة والنقاهة التي حصلت عليها في بيت عائلة زوجها، وتقول: "عدت في الأشهر الأخيرة من الحمل إلى بيت عائلة زوجي، كي أحظى بالرعاية اللازمة، وفي اليوم الأول بعد عملية الوضع وخروجي من المستشفى نقلتني حماتي إلى غرفتها كي تشرف على رعايتي خلال 40 يوماً، وتخلل ذلك طهيها الطعام الصحي يومياً، ومساعدتي في تغيير ملابسي، إذ لم يكن مسموحاً لي بمغادرة السرير إلا لقضاء الحاجة، حتى إنني لم أكن أرى طفلي سوى حين يحتاج لرضاعة، وعدا ذلك كان كل شيء في عهدة حماتي التي اعتنت بطفلي وتابعت صحته حتى انتهت فترة النقاهة".
وتوضح شياو آي أنّ علاقتها بأم زوجها لم تكن في أحسن حالاتها، خصوصاً أنها عارضت في بداية الأمر ارتباطها بابنها، وفضلت فتاة أخرى، لكنها التزمت رغم ذلك بالكامل بتقديم الخدمة لها بعد الولادة، وتقول: "لمست عطفاً كبيراً خلال رعايتها لي ولطفلي، وتعززت علاقتنا خلال هذه الفترة، وأشعر الآن بامتنان كبير لها، ولا يمكن أن أنسى الأيام التي قضتها إلى جانبي. هذا التقليد هو السائد في جنوب الصين، حيث من واجب كل حماة أن تقدم الرعاية لزوجة ابنها بعد الولادة، بغض النظر عن طبيعة العلاقة الشخصية التي تكون غالباً مشحونة لأسباب معروفة".
وتعلّق الباحثة الاجتماعية، يو تشون، على واقعة تغليف المرأة بكيس بلاستيكي بعد الولادة، وتقول لـ"العربي الجديد": لا تعكس الحادثة الاختلافات الثقافية والمفاهيم التقليدية للرعاية بعد الولادة فقط، بل تثير أيضاً تفكير الناس حول الصراع بين طرق الرعاية الحديثة وتلك التقليدية. لا شك في أن تغليف الأم ابنتها بكيس بلاستيكي قد يبدو غريباً لكنه مليء بالمشاعر النبيلة. وفي بعض الأحيان تصبح السلوكيات البسيطة في الحياة ثمينة خصوصاً في تلك اللحظات. وهذا النوع من الرعاية لا يجعلنا نشعر بالدفء فقط، بل يدفعنا إلى إعادة النظر بالعلاقات الأسرية في المجتمع الحديث".
تضيف: "أيضاً يجب ألا ننفصل عن الجذور الاجتماعية والتراثية لهذا السلوك حتى في ظل التصادم بين العصر الجديد والمفاهيم التقليدية. وعندما يتعلق الأمر بالأمهات الجدد اللواتي يخرجن من المستشفى تلمع في أذهان معظم الناس المخاوف والمخاطر المحتملة المختلفة، مثل البرد وانخفاض المناعة. ما حدث لتلك المرأة يشير إلى أن مفهوم الجيل القديم للتدفئة لا يزال متأصلاً بعمق، والطريقة الأكثر بديهية للحفاظ على دفء الجسم بالنسبة إلى المرأة حديثة الولادة هي حمل كيس بلاستيكي كبير الحجم".
تتابع: "لا بدّ أن نشير إلى أن الأجداد يتخوفون من تأثير الرياح وتقلبات الطقس على النساء حديثات الولادة بسبب علمهم بحساسية التعافي الجسدي للأمهات الجدد، فبعد الخروج من حالة الوضع يحتاج الجسد إلى فترة محددة للتكيف مع الطقس الخارجي، وبالتالي خلال الأيام الأولى للولادة تعد الرعاية الدقيقة أمراً في غاية الأهمية".
من جهته، يقول أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة صن يات سن، وي لي فنغ، لـ"العربي الجديد": "ما يُعرف بمخاوف ما بعد الولادة مفهوم في الطب الصيني التقليدي يشير إلى سلسلة أعراض ناجمة عن برد الأم أو العدوى بعد الولادة، مثل آلام المفاصل والصداع وغيرها، والطب الحديث لا يدعم هذا السلوك في شكل واضح، رغم أن العديد من الناس لا يزالون يؤمنون به".
يضيف تعليقاً على واقعة تغليف الأم بكيس بلاستيكي: "رغم أن تصرف الأم قد يبدو متطرفاً، لكنه يعكس حبها العميق واهتمامها بابنتها. ورغم ذلك يطرح السؤال هل هذا النهج فعّال حقاً؟ ما يدفعنا إلى الخوض في العوامل النفسية والاجتماعية التي تقف وراءه".
