في سابقة هي الأولى منذ مطلع العام الجاري، منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، من دون سابق إنذار، عشرات المصلّين من الدخول إلى الحرم الإبراهيمي في الخليل، جنوبي الضفة الغربية، في موعد صلاة الفجر، تزامنًا مع اقتحام آلاف المستوطنين الشقّ الشرقي من الحرم، وإحراقهم الأعلام الفلسطينية، وسط مشاركة من وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش.
وقبل موعد صلاة الفجر، دخل موظفو الأوقاف إلى مواقع عملهم كالمعتاد، وبدأ توافد المصلين إلى الحرم الإبراهيمي، حيث يقول مدير مديرية الأوقاف والشؤون الإسلامية في الخليل جمال أبو عرام في حديث مع "العربي الجديد": "ما إن دخل المصلّون وقبل أن يتجاوز عددهم العشرة، وبشكل مفاجئ ومن دون أن يلاحظ الموظفون أي أمر مريب، قامت قوات الاحتلال بإغلاق جميع البوابات المؤدية إلى الحرم، وأطلقت قنابل صوتية باتجاه القادمين للصلاة، وكان من بينهم مدير المسجد الإبراهيمي معتز أبو سنينة".
ويبيّن أبو عرام أن هذا التصعيد المفاجئ أجبر المصلّين على أداء صلاة الفجر خارج الحرم وخلف البوابات الإلكترونية المؤدية إليه، في سابقة ترافق انتهاكات إسرائيلية عديدة بحقّ الحرم وبشكل متسارع منذ بداية العام الجاري. ويقول ابو عرام: "صلاة الفجر لم تُقم داخل المسجد اليوم بالشكل المعتاد، رغم أنه يوم طبيعي يفترض أن تقام فيه الصلاة كما باقي الأيام، إذ لا توجد أي مناسبة دينية يهودية، ولا مبررات واضحة لهذا الإجراء حتى اللحظة". ويتابع أبو عرام: "قمنا بالتواصل مع الارتباط المدني الفلسطيني للاستفسار عمّا إذا كان هناك حدث أمني تستخدمه سلطات الاحتلال ذريعةً، إلا أنهم أبلغونا بأن الأوضاع كانت طبيعية تمامًا، ولم يُسجّل أي شيء خارج عن المألوف".
ويشير أبو عرام إلى أن "دائرة الأوقاف لا تتواصل مباشرة مع سلطات الاحتلال، بل يجرى التواصل حاليًا من خلال الارتباط المدني الفلسطيني لفهم ما جرى اليوم". ولفت إلى أن آلاف المستوطنين كانوا طوال الليل في محيط الحرم الإبراهيمي، مشيرًا إلى ارتفاع كبير في أعداد المستوطنين في المنطقة خلال هذه الفترة ويتعاملون فيها وكأنها منطقة إسرائيلية بشكل بحت.
من جانبه، يقول منسق تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان من تل الرميدة المحاذية للحرم الإبراهيمي عماد أبو شمسية، في حديث مع "العربي الجديد": "إن المؤشرات كانت توحي بوجود نيات إسرائيلية مبيّتة لاتخاذ إجراءات بحقّ الحرم الإبراهيمي والأحياء المجاورة له، إذ بدأت مركبات المستوطنين تتوافد من خارج البؤر الاستيطانية الواقعة داخل المدينة، وانطلقت مسيرة للمستوطنين من مستوطنة كريات أربع، شرق الحرم الإبراهيمي (وهي المستوطنة التي يعيش فيها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير) وكانت تضم مئات المحتفلين ومعهم الفرق الغنائية والموسيقية والكشفية".
ومرّت مسيرة المستوطنين، وفق أبو شمسية، من الأحياء المغلقة المحاصرة في البلدة القديمة بالخليل (تل الرميدة، شارع الشهداء، واد الحصين، واد الغروس، حارة جابر، حارة السلايمة) وسط منع لحركة السكّان. وأوضح أن الوزير المتطرف سموتريتش كان على رأس مقتحمي ساحات وباحات الحرم الإبراهيمي، وألقى خطابًا أمام آلاف المستوطنين المقتحمين وكان يرافقه عدد من الحاخامات والشخصيات اليهودية الاستيطانية البارزة في مستوطنات الخليل.
ويلفت أبو شمسية إلى أن المستوطنين صنعوا مجسّمات عليها علم فلسطين ورايتي حركتي فتح وحماس وأشعلوا فيها النيران على وقع أصوات الموسيقى الصاخبة والرقص، ورفع العلم الإسرائيلي بين المستوطنين وعلى أسطح الحرم الإبراهيمي. ويؤكد مدير مديرية الأوقاف والشؤون الدينية بالخليل أن ذلك كلّه يعتبر فرضًا لأمر واقع جديد على الحرم الإبراهيمي، لا سيّما أن هذه الفعاليات اليهودية تأتي في ما يسمى إحياء ذكرى "لاغ بعومر"، وهي مناسبة دينية شعبية، وليست عيدًا رسميًا يهوديًا، مرتبطة بذكرى وفاة حاخام يهودي يدعى شمعون بار يوحاي في القرن الثاني الميلادي.
وذلك يعني، وفق أبو عرام، أنها ليست مناسبة دينية رسمية مثل عيد الفصح اليهودي، أو سبت سارة، أو رأس السنة العبرية، ولذا لا توجد ذريعة لإغلاق الحرم ومنع الوجود الإسلامي فيه، كون الواقع المعمول به منذ عام 1994 أباح لليهود اقتحام الحرم الإبراهيمي بالكامل ومنع الوجود الإسلامي فيه خلال عشرة أيام مرتبطة بالمناسبات الدينية الرسمية.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قسّم الحرم الإبراهيمي منذ عام 1994 إلى 63% من مساحته البالغة 2040 متراً مربعاً لصالح اليهود الذين عملوا على تحويله إلى كنيس يهودي، وما تبقى من المسجد على مساحة 37% لصالح المسلمين، وذلك في أعقاب المجزرة التي ارتكبها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين فجر 25 فبراير/ شباط عام 1994 أثناء صلاة الفجر التي راح ضحيّتها نحو 29 مصلياً، ثمّ تبعها استشهاد 20 فلسطينياً خلال الهبّة الشعبية الرافضة المجزرةَ.
