مهرجان مسلم تك: احتفاء بالمواهب وتنوعها

منذ ٤ ساعات ٢٠

مهرجان مسلم تك الذي يُقام في فندق نوفوتيل، غربي لندن، في 21 يونيو/ حزيران المقبل، الحدث الأبرز في مجال التكنولوجيا للمواهب القادمة من خلفيات مسلمة في بريطانيا. ويشهد المهرجان هذا العام توسعاً غير مسبوق، إذ من المتوقع أن يُشارك فيه أكثر من 30 متحدثاً رئيسياً من كبار المبدعين في مجال التكنولوجيا، إلى جانب حضور كبار رواد الأعمال الذين سيسلطون الضوء على ابتكارات تساهم في تشكيل مستقبل الصناعة عالمياً. ومنذ دورته الأولى في عام 2023، تحول مهرجان مسلم تك إلى وجهة للمبدعين المسلمين، تسلط الضوء على ابتكاراتهم، وتساعدهم على تحقيق حضورٍ متزايدٍ في قطاع التكنولوجيا.
ويضم المهرجان أكبر معرض للتكنولوجيا في أوروبا، بمشاركة أكثر من 50 شركة ناشئة. كما سيشهد تنظيم مسابقة لعرض المشاريع الريادية، يتنافس خلالها المشاركون على جائزة استثمارية بقيمة 30 ألف جنيه إسترليني في فرصة ذهبية لتمويل مشاريع تكنولوجية، تهدف إلى تحقيق تأثير مجتمعي إيجابي. في ظل تنامي الحضور الإسلامي في ميادين التكنولوجيا وريادة الأعمال، تسعى "العربي الجديد" إلى استكشاف الأسباب التي مكّنت مهرجان مسلم تك من تحقيق هذا الزخم المرتقب، والوقوف على الدوافع التي حفزت القائمين عليه لتنظيم فعالية تسعى إلى إعادة رسم علاقة المسلمين بعالم التكنولوجيا والابتكار.

من فكرة صغيرة إلى مهرجان عالمي

تروي الرئيسة التنفيذية ومؤسسة المهرجان، عرفة فاروق، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ فكرة "مسلم تك" تعود إلى تسع سنوات، عند تأسيسها منصّة "الصنّاع المسلمون (Muslamic Makers) عام 2016، بهدف تعزيز التنوع والشمولية في قطاع التكنولوجيا. وتقول: "كنتُ أبحث عن بيئة مهنية تجمعني بمبدعين من خلفيات مسلمة مثلي، ولم أكن أعرف أين أجدهم، فبدأنا بتنظيم فعاليات صغيرة بعد ساعات العمل لبناء شبكة تواصل. كانت هذه البذرة التي نبت منها المهرجان". وتلفت، إلى أنّه قبل ثلاث سنوات، انضم إليها زاهد محمود، الذي اقترح تطوير هذه المنصة إلى مهرجان تجريبي. ومن هنا بدأ التفكير بتحويل الفكرة إلى واقع أكبر.

الإبداع والتنوع في صناعة التكنولوجيا

توضح عرفة أن الدافع الحقيقي لإطلاق المهرجان كان يتمثل في إدراكها وجود مواهب كبيرة داخل المجتمع المسلم، لا تحظى بالتقدير أو الظهور الكافي. تقول: "كنا نؤمن بقدراتنا ونتساءل: ماذا لو أنشأنا مهرجاناً على مستوى يليق بهذه الطاقات؟".
يرتكز "مسلم تك" على دعم التنوع والشمولية في مجال التكنولوجيا، انطلاقاً من التحديات التي تواجه المواهب المسلمة. وتؤكد عرفة أنّ "التمثيل المسلم في قطاع التكنولوجيا لا يزال دون المستوى المطلوب، رغم بعض التحسن في السنوات الأخيرة. لكن أحياناً هناك تمييز مزدوج لا يمكن إنكاره، ونحن بحاجة إلى دعم حقيقي لا شكلي فقط".
وتشير عرفة إلى دور التقدم في الذكاء الاصطناعي، الذي غيّر المشهد بالكامل، وسهّل دخول العديد من الأشخاص إلى هذا المجال، لكن الدعم الحقيقي يكمن في توفير منصة يرون فيها أشخاصاً يشبهونهم. توضح: "عندما ترى شخصاً على خشبة المسرح يشبهك، ربما يسبقك بخمس أو عشر سنوات، بيد أنّه يحمل ملامحك وخلفيتك نفسها. سواءً كانت امرأة محجبة أو رجلاً مسلماً أسود أو عربياً أو آسيوياً، فإن لذلك أثراً بالغاً". تضيف: "بالنسبة لي، اللحظة التي بدأتُ أرى فيها أشخاصاً يشبهونني، كانت هي اللحظة التي شعرتُ فيها بأنني قادرة على النجاح".

تحديات ثقافية في صناعة التكنولوجيا

تسرد عرفة واحدة من المواقف التي عكست التحديات الثقافية التي واجهتها كونها امرأة مسلمة في مجال التكنولوجيا، قائلة: "كنت كثيراً ما أجد نفسي المسلمة الوحيدة في المكان. أتذكر في بداية مسيرتي المهنية، حضرت فعالية تقنية وحصلت على قسيمة لمشروب مجاني، لكن قيل لي إن القسيمة لا تُستخدم إلا للمشروبات الكحولية، وليس للمشروبات الغازية، رغم أنها أرخص. كان الأمر محيّراً بالنسبة لي، بيد أنّه كشف لي طبيعة الثقافة السائدة في معظم الأوساط التقنية في هذه البلاد".
وتتابع: "كانت العديد من الفعاليات لا تراعي احتياجاتنا الثقافية، فكنا نواجه عقبات مثل عدم وجود أماكن مخصصة للصلاة. كان هذا أحد الأسباب التي جعلتني أسعى لإنشاء مهرجان يمكنه استيعابنا بكل احتياجاتنا، ويتيح لنا الاحتفال بهويتنا". 

"مسلم تك": منصة للتمثيل والمساواة

تشير عرفة إلى أن مهرجان مسلم تك منصة مفتوحة، تُتيح للمبدعين المسلمين في مجال التكنولوجيا فرصة عرض أفكارهم ومشاريعهم، وتُعزّز وجودهم في القطاع. تقول: "نحن نبحث عن الأشخاص الذين لديهم قصص ملهمة، وتقدموا في مشاريع أو ابتكارات تستحق الدعم والاهتمام. نحرص على دعم المتحدثين الجدد، ونقدم لهم تدريباً لتمكينهم من تقديم أفكارهم بفعالية".
ويفتح المهرجان الباب أمام المشاركين لعرض مشروعاتهم في مختلف المجالات، ومنها مسارات متخصصة، مثل الذكاء الاصطناعي، وصناعة المحتوى، وقضايا الهوية الرقمية، والتفاعل مع الخوارزميات. كما سيكون هناك تركيز خاص على التنوع الثقافي، وكيفية تضمين القيم الإسلامية في الابتكارات التكنولوجية.

تحفيز المبدعين وتقديم الدعم المالي

تُعدّ المبادرة التي أطلقها مهرجان مسلم تك لدعم الشركات الناشئة جزءاً أساسياً من رؤيته. تؤكد عرفة: "التمويل هو أحد أكبر التحديات التي يواجهها المبدعون المسلمون. ليس من نقص في الأفكار أو الكفاءة، بل في الوصول إلى رأس المال". وتتابع: "نسعى من خلال هذا المهرجان لتوفير التمويل الأولي لبعض الشركات الناشئة. إن تقديم مبلغ مثل 30 ألف جنيه إسترليني يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في مستقبل هذه الشركات". ترى عرفة أن جوهر الفكرة لا يكمن فقط في الزاوية التي يُنظر منها إلى مهرجان التكنولوجيا الإسلامية، بل في الهدف الأوسع منه. وتوضح قائلة: "بالنسبة لنا، يتعلق الأمر برؤية أفضل الأفكار، سواء كانت تجارية أو اجتماعية أو حتى فكرة لحدث مؤثر، وليس مجرد تصنيف تقني ضيق".

مهرجان مسلم تك: من لندن إلى العالم

ينمو مهرجان مسلم تك بشكل متسارع ويحقق نجاحاً كبيراً، فقد أصبح اليوم محط أنظار المبدعين في مجال التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم. تقول عرفة: "لقد بدأنا في لندن وسان فرانسيسكو، والآن نتلقى طلبات من العديد من الدول والجهات حول العالم، يرغبون في استضافة مهرجان مشابه في مناطقهم. نحن ندرس المواقع الجديدة المحتملة، والمرحلة المقبلة قد تكون في جزء آخر من الكوكب". رغم أن مهرجان مسلم تك بدأ في لندن، فإن طموحاته تتجاوز حدود بريطانيا. تقول عرفة: "الهدف هو بناء جسر عالمي يربط المجتمعات المسلمة. عندما ترى شخصاً من لندن يعمل مع آخر من سان فرانسيسكو على مشروع مشترك، بسبب تواصلهما في هذا المهرجان، يمكنك حينها أن تشعر بقيمة هذا الحدث".
النجاح بالنسبة لعرفة لا يُقاس بحجم الحدث فقط، بل بالأثر الذي يتركه على المشاركين. وتضيف: "رأينا فتيات حضروا في البداية زائرات، ثم بدأوا في إطلاق مشاريعهم الخاصة، حتى وصلوا إلى مرحلة المشاركة في مسابقة عرض المشاريع الريادية هذا العام. هذا هو النجاح الحقيقي بالنسبة لنا".
 

قراءة المقال بالكامل