دُعيت رئيسة الوزراء الإيطالية القومية المتشددة، جورجيا ميلوني، إلى مراسم تنصيب دونالد ترامب لفترته الرئاسية الثانية، الاثنين القادم. وتحولت ميلوني، التي تتولى منصب رئاسة الحكومة منذ 2022، خلال الأسابيع الماضية إلى ما يشبه النجمة الأوروبية عند ترامب ودائرته، لاسيما عند الملياردير إيلون ماسك، مالك شركتي سبيس إكس وتسلا والمعيّن في إدارة ترامب الجديدة. وتظهر ميلوني كأنها تغرد خارج السرب الأوروبي بسبب علاقتها بترامب، فهي حذت حذو رئيس حكومة المجر القومي المتشدد فيكتور أوربان ولم تبد أي تضامن مع الدنمارك، خلال السجال المندلع حول رغبة ترامب بالسيطرة على غرينلاند على عكس فرنسا وألمانيا وإسبانيا.
أهداف ميلوني وترامب
ويبدو أن الطرفين، ترامب وميلوني، يلعبان لعبة مكشوفة الأهداف، فترامب يرى أن العلاقة مع إيطاليا، الدولة الصناعية، من خلال ميلوني تضيف بعداً آخر إلى لعبته المفضلة بشق صفوف الاتحاد الأوروبي، بينما تسعى ميلوني لأجل ترسيخ وضعها في بلدها وعلى مستوى القارة كجسر نحو الحليف الأميركي. لعبة الجانبين تراها وسائل إعلام وصحف إيطالية بمثابة تأسيس "محور حديدي" يعزز علاقة أطرافه (ترامب وميلوني وماسك) ببعضهم بصورة متمايزة عن العلاقة ببقية أوروبا.
وبالنسبة لميلوني، فإن تصريحات ترامب حول غرينلاند لا تنبغي قراءتها على أنها معادية لكوبنهاغن، بل اعتبرتها الخميس الماضي "طريقة نشطة" للدفاع عن المصالح الاستراتيجية الأميركية والغربية، ورأت أنها بمثابة تحذير للصين والقوى العالمية الأخرى. وترفض بالطبع الانتقادات الموجهة إليها بسبب تحالفها مع الثنائي ترامب وماسك اللذين اعتبرتهما "عاقلين ومنطقيين، وليسا ممثلين لقوى فوضوية ومدمرة".
وتثير علاقة ميلوني مع ماسك انتقادات داخلية وأوروبية، وخصوصاً بالنظر إلى أن الرجل متهم باستغلال قوته المالية ونفوذه السياسي للتدخل في الشؤون الأوروبية. فقد عبر على سبيل المثال عن دعمه لحزب أقصى اليمين المتشدد الألماني، البديل لأجل ألمانيا، وانتقد المستشار أولاف شولتز. وتقرأ ميلوني تفضيل ماسك لليمين المتطرف من زاوية أن له الحق في التعبير: "فهو لا يشكل تهديداً للديمقراطية. هل المشكلة أنه ثري ومؤثر، أم لأنه ليس يسارياً؟". ويعد موقفها هذا بمثابة تغريد خارج سرب أوروبي ندد بتدخلاته، كالألمان والفرنسيين والإسبان وغيرهم ممن يخشون تدعيمه الأجنحة القومية المتشددة في دولهم خلال السنوات الأربع القادمة.
والعلاقة بماسك لا تبدو بعيدة عن استثمار ترامب في ميلوني، إلى حد وصفه لها في زيارتها بداية الشهر الحالي إلى مقره في مارالاغو بأنها "امرأة رائعة اجتاحت أوروبا حقاً". وعلى مستوى آخر، تراهن ميلوني على تحويل العلاقة مع ترامب إلى الشراكة المفضلة له في القارة، دون أن يعني ذلك فوائد كبيرة لمجموع كتلة الاتحاد الأوروبي. فإيطاليا تدرس شراء نظام الأقمار الاصطناعية ستارلينك لاستخدامه في نظام الهاتف والاتصالات الآمن الجديد للحكومة الإيطالية، بكلفة تصل لنحو 1.6 مليار دولار. وإلى جانب الانتقادات الداخلية في إيطاليا، باعتبار التعاقد مع ستارلينك فيه تهديد للأمن القومي وتفوح منه رائحة العلاقات الشخصية، فإن أوروبا منزعجة من تصرف ميلوني، باعتبار أن الاتفاق قد يقوض مشروع القمر الصناعي الأوروبي الجاري تنفيذه.
المحور... أرباح وخسائر محتملة
ورأت رئيسة المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، ناتالي توتشي، في صحيفة ذا غارديان البريطانية، أمس الاثنين، أن "أولئك الذين يستمع إليهم ترامب هم أكثر ميلاً إلى تعزيز مصالح ترامب في أوروبا مقارنة بالمصالح الأوروبية في الولايات المتحدة". بالطبع، يشمل ذلك إلى جانب ميلوني القوى اليمينية المتشددة في عدد من دول أوروبا.
ظهرت أولى بوادر المحور في ديسمبر/كانون الأول الماضي على موقع إكس من خلال صورة لميلوني مع ترامب وهما يرفعان إبهاميهما مع نص يقول: "المحور بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمر عبر إيطاليا". وعملياً، فإن تعزيز روابط ترامب ومجموعته مع الأطراف الأكثر يمينية في أوروبا يشير إلى ما ينتظر الأوروبيين في علاقاتهم بالحليف الأميركي الساعي لتعزيز التطرف القومي، ويشمل ذلك على وجه الخصوص قاطرتي الاتحاد الأوروبي ألمانيا وفرنسا اللتين تعانيان بالفعل اضطرابات سياسية واقتصادية تقوي أجنحة اليمين المتشدد.
وشهدت ساحة التشدد القومي الأوروبي، خلال العامين الماضيين، منافسة ميلوني للمجري فيكتور أوربان حيث استطاعت بنهج انتهازي أن تنأى بنفسها عن أوربان وقربه من روسيا وتوتير علاقاته مع الاتحاد الأوروبي. واستفادت من صداماته مع بروكسل لتقديم نفسها ممثلة للمعسكر الأوروبي وذلك بتبنيها خطاً يمينياً متشدداً لحماية ما تراها "قيماً عائلية مسيحية"، كما سوق أوربان دوماً، إلى جانب استهداف حرية الصحافة والمحاكم الإيطالية والتشكيك بوطنيتهما. وتحاول ميلوني منذ 2022 تقديم نفسها كوريث لدور صناعة السياسة في روما كما لعبه رئيس الحكومات الأسبق، الراحل سلفيو بيرلسكوني.
وعلى المستوى الأوروبي، تصرفت ميلوني بدهاء لتسويق نفسها بين سياسيي بروكسل باعتبارها سياسية محافظة وغير فاشية. فرغم نبش ماضيها شبه الفاشي استطاعت ببراغماتية نسج علاقة وثيقة مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لتعزيز موقفها واكتساب الشعبية والنفوذ. ومع ذلك، يمكن القول إن سياسات ترامب، المجربة سابقاً، وأغلبها حمائية في مصلحة "أميركا أولاً" قد تُظهر ميلوني مبتعدة عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما أشارت إليه صحيفة لا ستامبا الإيطالية بالقول: "إن الخطر هو أنه كلما اقتربت من أميركا ترامب، القومية والحمائية والمعادية بشدة لأوروبا، ابتعدت عن بروكسل".
أضف إلى ذلك مسائل الصرف الدفاعي التي يطلب ترامب زيادتها إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لدول حلف شمال الأطلسي، ناتو. فروما لا تخصص سوى 1.5%، وإذا أصر ترامب على نسبته، وباشر معاركه التجارية مع أوروبا فذلك سيضع ميلوني في موقف حرج للغاية مع اقتصاد إيطالي يعاني أصلاً.
