لم يكن رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، أوّل مسؤول أمني رفيع يقيله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فالأخير خلال سنوات ولاياته الست في السلطة، أقال جميع وزراء الأمن، وآخرهم يوآف غالانت نهاية العام الماضي. ولئن كانت الإقالات والاستقالات منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، تحمل طابعاً مختلفاً وخلفيات مغايرة عن سابقاتها؛ حيث قرر عدد من المسؤولين عن الإخفاق تحمّل مسؤوليتهم واستقالوا من تلقاء أنفسهم، أو من خلال الضغوط التي مارسها المستوى السياسي وعلى رأسه نتنياهو، جاء القرار بإقالة بار أمس، في إطار سياق واسع من المحاولات التي تمارسها الحكومة عموماً، ونتنياهو خصوصاً، للتهرّب من تحمل المسؤولية عن الإخفاق.
إقالة بار وغالانت، سبقتها سلسلة من الاستقالات في رأس الهيكلية العسكرية- الأمنية، في مقدّمة هؤلاء كان رئيس الأركان، هرتسي هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، أهارون حاليفا، وقائد المنطقة الجنوبية، يارون فينكلمان، ورئيس شعبة العمليات، عوديد بسيوك، وقائد فرقة غزة، آفي روزنفيلد، بالإضافة إلى ستة مسؤولين في المستوى المهني-القيادي بسدّة جهاز "الشاباك".
إقالة بار وغالانت، سبقتها سلسلة من الاستقالات في رأس الهيكلية العسكرية- الأمنية
أمّا من لم يتحمّل المسؤولية فعلياً، فهو نتنياهو نفسه، الذي تبرر أوساطه عدم استقالته بأنه "منتخب من الجمهور، وبالإمكان التعبير عن عدم الثقة فيه في صناديق الاقتراع"، كما تنقل عنهم صحيفة "يديعوت أحرونوت". في إشارة إلى تبرير نتنياهو وتوضيحه سبب قراره بإقالة بار، العائد كما سماه إلى "انعدام الثقة".
على مدى عام ونصف العام، لم يجد نتنياهو سبباً وجيهاً لإقالة بار، حتّى بدأ "الشاباك" تحت قيادة الأخير بفتح سلسلة تحقيقات في قضايا تسريبات أمنية تورط فيها موظفون في مكتب نتنياهو ومقربون منه، بهدف تضليل الرأي العام الإسرائيلي، وإقناعهم بضرورة استمرار الحرب وعدم التوصل لصفقة تبادل.
غير أن القشة التي قسمت ظهر البعير، هي قضية أمنية حساسة تتعلق أيضاً بمكتب نتنياهو، بحسب موقع "واينت"، والتي كانت "سبباً رئيسياً وراء القرار بالإقالة". وهذه القضية تضاف عموماً إلى تحقيقات "الشاباك" بخصوص السابع من أكتوبر، والتي نُشرت نتائجها مطلع الشهر الحالي، وفيها وجّه الجهاز انتقادات للمستوى السياسي الإسرائيلي؛ حيث اعتبر أن "حكومة نتنياهو تبنّت سياسة احتواء تجاه حماس".
وفي المحصلة، فإن هذه القضية التي يحقق فيها الشاباك، والشرطة حالياً، تثير قلق نتنياهو وموظفيه، ولذلك فهو يعتبر أنه "فقد ثقته ببار"، كما قال في شريط مصوّر أمس.
وعلى هذه الخلفية، يُنتظر الآن إذا مرت الإقالة فعلياً دون معوقات، أن يُعين خلف لبار، تكون مهمته الأساسية تحقيق مصلحة نتنياهو وحماية مستقبله السياسي المهدد من اتجاهات عدّة. وعلى الرغم من أنه ليس واضحاً وليس معروفاً بالضبط من سيرث بار، فإن أحد المُرشحين الرئيسيين للخلافة هو المسؤول الأمني الرفيع الذي يُخفى اسمه ويُشار إليه في الإعلام بالحرف "ميم".
وتصدر "ميم" العناوين، بصفته نائب بار، والشخصية التي استبدلها نتنياهو بالأخير بعد إقصائه من طاقم المفاوضات بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وبحسب تقرير أوردته صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الاثنين، فإن "ميم معروف بالولاء لنتنياهو، والأخير يثق فيه، على الرغم من أنه لعب دوراً في إخفاق السابع من أكتوبر بصفته نائب بار".
ينحدر "ميم" وفق الصحيفة من إحدى المستوطنات الحريدية، وهو ابن لعائلة ثاكلة. تجند لـ"الشاباك" في عام 1994، كحارس أمن، ثم أصبح مُرَكِزاً (منسقاً أمنياً) في منطقة الخليل خلال الانتفاضة الثانية. وعلى مدى السنوات "عُين في سلسلة من المناصب القيادية في الجهاز في منطقة الضفة الغربية والقدس، حتّى عيُن مسؤولاً للجهاز على المنطقتين". وبين المناصب التي تولاها أيضاً كانت "قيادة لواء في شعبة العمليات في الشاباك".
وطلب نتنياهو من "ميم" وفقاً للصحيفة تمديد ولايته مع بدء الحرب، حتّى بداية العام الحالي، وبعد انتهاء ولايته، بدأ مسار استقالته، ولكن نتنياهو قرر تعينه على رأس وفد المفاوضات.
