نفايات متراكمة في شوارع غزة... "قنبلة موقوتة" تهدد السكان

منذ ٦ أيام ١٥

تغزو أكوام القمامة والروائح الكريهة معظم شوارع قطاع غزة في الوقت الذي لا تتمكن البلديات العاملة من إزالة النفايات، جراء النقص الحاد في الإمكانيات والوقود والمعدات التي يرفض الاحتلال الإسرائيلي إدخالها.

ويعاني المواطنون يومياً جراء تراكم أكوام القمامة في الشوارع، في ظل النقص الحاد في الإمكانيات والمعدات الخاصة بجمع القمامة، وتزيد حدة الأزمة في التجمعات العشوائية لمخيمات النزوح في مختلف محافظات القطاع.

وتواجه البلديات المحلية التي تتولى مهمة إزالة النفايات تحديات كبيرة، ليس فقط بسبب الكميات الكبيرة للقمامة المتراكمة، بل أيضاً بسبب قلة الموارد الأساسية مثل الوقود والمعدات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة، والتي يمنع دخولها منذ بداية الحرب وخلال سريان وقف إطلاق النار.

ويتسبب تراكم النفايات في الشوارع والأزقة في معظم مناطق القطاع في انتشار الروائح الكريهة التي تؤثر سلباً بالصحة العامة للسكان، وقد بات الوضع أكثر صعوبة خصوصاً في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مثل المدارس والمراكز ومخيمات النزوح، حيث تتضاعف كمية النفايات التي لا يمكن التعامل معها بشكل فعال.

ويعتبر الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ سبعة عشر عاماً، وما تبعه من عدوان مدمّر من الأسباب الرئيسية لهذا التراكم، حيث يمنع الاحتلال إدخال الوقود والآليات والمعدات الأساسية اللازمة لعمل البلديات في جمع القمامة.

وفي وقت تتزايد شكاوى المواطنين من تفاقم أزمة تكدس أكوام النفايات بين البيوت وفي الشوارع والمفترقات، توضع البلديات أمام أزمة مستمرة في تأدية مهامها، رغم المحاولات المتواصلة للعمل وفق الإمكانيات المتاحة، إلا أن التحديات اللوجستية والمادية جعلت الأمور تزداد سوءاً.

ويزيد تجميع البلديات عشرات الآلاف من الأطنان من القمامة وتركها في مناطق عشوائية من التدهور البيئي، ويعزز من خطر انتشار الأمراض المعدية والحشرات والقوارض، بينما يواجه المواطنون تحديات أخرى تتعلق بتدهور البنية التحتية، وندرة المواد الأساسية في مختلف القطاعات الحيوية.

يعيش الفلسطيني أسامة يوسف وأسرته المكونة من خمسة أفراد واقعاً صعباً نتيجة وجود خيمتهم بالقرب من مفترق شارع يجري فيه تجميع النفايات، الأمر الذي بات ينغص عليهم حياتهم ويشعرهم بالخطر. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن أكوام القمامة أصبحت جزءاً من المشهد اليومي، حيث تمتلئ الشوارع بالنفايات، ما يتسبب بانتشار الرائحة الكريهة، مضيفاً: "نعيش في حالة من القلق المستمر من الإصابة بالأمراض والفيروسات".

ويوضح يوسف أنه يضطر وأسرته للسير بين الشوارع المزدحمة بالنفايات، وأحياناً تغيير الطريق في محاولة لتجنب الاقتراب من القمامة.

من جهته، يقول عبد الله النونو (45 عاماً)، وهو صاحب بسطة بالقرب من نقطة كبيرة لتجميع النفايات وسط مدينة غزة، إن الواقع المعيشي والبيئي في مدينة غزة مرير، لافتاً إلى أنه يواجه مشاكل كبيرة بسبب تراكم النفايات. ويلفت إلى أن تحويل سوق فراس الشعبي إلى مجمع للنفايات تسبب في إعاقة مرور الناس، وبات يؤثر على صحة الناس. ويضيف أن "الأطفال في الحي يعانون من أمراض جلدية بسبب النفايات التي تحيط بهم".

بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والصحية والمعيشية اليومية، يعاني النونو أزمة إضافية تتمثل في عدم قدرة الزبائن على الوصول إلى بسطته بسبب النفايات، بخلاف الرائحة الكريهة التي تجبر الزبائن على مغادرة المكان بسرعة".

ويشعر علي أبو سيدو بالغضب والإحباط، ويقول: "مدينة غزة كانت دائماً جميلة، لكنها أصبحت الآن مليئة بالنفايات في كل زاوية، ما يؤثر بحياتنا اليومية ويخلق بيئة غير صحية". ويلفت في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن قطاع غزة يعتبر من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، فيما ضاعفت الحرب من صعوبة هذه المعادلة جراء تكدس المواطنين في جزء بسيط من مدينتهم المدمرة والمزدحمة، في الوقت الذي تزيد أكوام القمامة من صعوبة حركتهم".

ويقول أبو سيدو إنه بات يعاني من مشاكل تنفسية بسبب التعرض المستمر للروائح الكريهة المنبعثة من القمامة، إلى جانب قيام العديد من المواطنين بحرق أكوام القمامة لتقليص أحجامها، وهو ما يتسبب بتضاعف الدخان السام والخطر الصادر من "أكوام الموت"، على حد وصفه. 

ويشدد أبو سيدو على ضرورة سماح الاحتلال بشكل فوري بإدخال الوقود والمعدات للبلديات لتنظيف المدينة، إلى جانب قيام المواطنين أنفسهم بالتكاتف وتنظيم حملات تنظيف جماعية لمناطقهم السكنية قدر المستطاع للتخفيف من حدة الأزمة والخطر.

إلى ذلك، يقول الناطق باسم بلدية غزة، حسني مهنا، إن المدينة تعاني أزمة حقيقية جراء تكدس وتراكم النفايات الصلبة في مختلف المناطق بفعل العدوان الإسرائيلي المدمر أولاً، وتدمير الاحتلال لآليات البلدية، إلى جانب منع الطواقم من الوصول إلى مكب النفايات الرئيسي في منطقة جحر الديك جنوب شرق المدينة.

ويشدد مهنا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن عدم القدرة على ترحيل النفايات من أحياء وأزقة المدينة تسبب في تكدس أكثر من 170 ألف طن منها، يتركز معظمها في نقطة الترحيل المؤقتة بمنطقة اليرموك، بالإضافة إلى منطقة سوق فراس التاريخي الذي قامت البلدية بإزالته قبل الحرب، في إطار مشروع تطويري توقف جراء العدوان.

ويبين مهنا أن النفايات تتركز في منطقة سوق فراس المؤقتة وتضم قرابة 100 ألف طن، وتقدر مساحتها بحوالي 33 دونماً، بينما تضم منطقة اليرموك نحو 30 ألف طن، إلى جانب كميات أخرى موزعة على مكبات عشوائية في أنحاء مختلفة من المدينة تشكل بمجموعها "قنبلة موقوتة" تهدد صحة السكان جراء انتشار الأوبئة.

ويتسبب التكدس الكبير للسكان مع عودة النازحين إلى مدينة غزة في تفاقم حدة المشكلة وفق توضيح مهنا، الذي يصف الأزمة بأنها "معقدة جداً وليس للبلدية أي قدرة على التعامل معها حالياً، في ظل الدمار الكبير الذي لحق بها وبآلياتها ومعداتها، إلا أنها تعمل مع مختلف الأطراف للتخفيف من حدتها".

ويؤكد مهنا ضرورة توفير الآليات والمعدات التي تتناسب مع حجم الدمار والركام، في ظل زيادة تعقيد الأزمة، جراء اختلاط الركام بالنفايات وجثامين الشهداء. ويقول: "نتحدث عن أكثر من 15 مليون طن من الركام في مدينة غزة وحدها وهي نسبة تقدر بثلث كمية الركام في القطاع بأكمله". ويلفت إلى أن بلدية غزة التي دمر الاحتلال 133 آلية تابعة لها، لم تتسلم أية آلية دخلت إلى القطاع، مضيفاً: "نعمل بنصف آلية الآن بسبب أعطالها التي تفوق عملها، وحتى لو تسلمنا كل الآليات التي دخلت، فإن تلك الكمية المحدودة لا يمكن أن تلبي احتياج أصغر بلدية في القطاع".

وتحاول البلدية عبر طواقمها ومختلف الشركاء من المؤسسات الدولية والمانحة استئجار عدد من الجرافات والآليات لإزالة النفايات من النقاط العشوائية ونقلها إلى المكبات المؤقتة في سوق فراس ومنطقة اليرموك، بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها عدة جهات على الاحتلال للسماح لطواقم البلدية بالوصول إلى المكب الرئيسي في منطقة جحر الديك، لكن دون استجابة، ما يبقي الأزمة قائمة.

قراءة المقال بالكامل