قبيل مغادرة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن البيت الأبيض، ليتسلم مكانه الرئيس المنتخب دونالد ترامب، تترك الإدارة الحالية للمقبلة ملف سورية مع تطورات جديدة، أحدثها سقوط نظام بشار الأسد الذي فر إلى موسكو. ويتضمن الملف السوري، الذي سيكون بين يدي إدارة ترامب، مرفقات عدة، لا سيما كيفية التعاطي والتعامل مع الإدارة الجديدة، علماً أن معظمها ينتمي إلى "هيئة تحرير الشام" التي لا تزال واشنطن تصنفها منظمة "إرهابية"، بالإضافة إلى العقوبات، ووجود القوات الأميركية في البلاد، ومسألة الأسرى والمفقودين الأميركيين وغيرها من المسائل العالقة. وقبل مغادرة بايدن البيت الأبيض، استطلعت "العربي الجديد"، انطباعات التطورات الجديدة لدى إدارة بايدن، وتعاطيها بعد سقوط النظام مع بعض المتعلقات الهامة في الملف السوري، في أسئلة وأجوبة عبر البريد الإلكتروني مع مدير منصة سورية الإقليمية في وزارة الخارجية الأميركية نيكولاس غرانجر.
حول انطباع الإدارة الأميركية عن الوضع في سورية في ظل الإدارة السورية الحالية، بعد حوالي شهر من سقوط النظام، قال نيكولاس غرانجر إنه "بعد أكثر من 50 عاماً في ظل نظام الأسد الوحشي، وأكثر من عقد من الصراع، يتمتع الشعب السوري بفرصة فريدة لرسم مستقبل جديد لبلاده، ورسالتنا للشعب السوري هي: نريدك أن تنجح، ونحن مستعدون لمساعدتك في القيام بذلك".
يجب تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بأمان
تصوّر نيكولاس غرانجر لسورية
وأضاف نيكولاس غرانجر: "نعتقد أن جميع السوريين لديهم دور يقدمونه في الحياة السياسية والاجتماعية في سورية، والولايات المتحدة تدعم جهود الشعب السوري لبناء دولة موحدة حرة ومستقرة ومزدهرة ومستقلة وذات سيادة، تعكس إرادة جميع السوريين، وتحترم حقوق جميع السوريين"، متابعاً: "نحن نعمل مع السلطات المؤقتة ومع مجموعة واسعة من السوريين من مختلف أنحاء البلاد لتوضيح دعمنا للانتقال السياسي بقيادة سورية، والذي يشمل الجميع ولا يعتمد على الطائفية ويمثل جميع السوريين، نساء ورجالاً، من جميع أجزاء النسيج الاجتماعي المتنوع في سورية". وقال نيكولاس غرانجر "إننا نتوقع أن تساهم السلطات المؤقتة بشكل بنّاء في هذا الانتقال السياسي وتدعم إعادة إنشاء حكومة وطنية في دمشق، تكون حكومة مسؤولة أمام مواطنيها، ومسؤولة أمام جيرانها والمجتمع الدولي، وسنواصل مراقبة الوضع وتقييم تصرفات السلطات المؤقتة، وليس مجرد أقوال، لإعلام موقفنا في المستقبل".
وعن الأولويات الأميركية في سورية، ما بعد سقوط نظام الأسد، قال المسؤول الأميركي، إنه "يجب أن تكون عملية الانتقال السياسي بقيادة سورية ومملوكة لها، ويجب أن تؤدي إلى حكم موثوق وشامل وتمثيلي وغير طائفي، مع وجوب احترام حقوق وحريات جميع السوريين، بمن في ذلك النساء وأعضاء جميع المجموعات والمجتمعات داخل سورية. كما يجب أن تكون المساعدات الإنسانية قادرة على الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها، بغض النظر عن مكان وجودهم، وأن تقدم مؤسسات الدولة الخدمات الأساسية للشعب السوري". وعبّر المسؤول الأميركي كذلك عن تطلع بلاده "إلى ألا يتم استخدام سورية قاعدةً للجماعات الإرهابية أو غيرها من الجماعات التي تهدد شعب سورية أو جيرانها أو العالم". قائلاً: "يجب أن تتمتع سورية بعلاقات سلمية مع جيرانها". كما أشار إلى أنه "يجب تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بأمان".
وحول مسألة مصير الأميركيين المفقودين في سورية، لا سيما الصحافي أوستن تايس، قال نيكولاس غرانجر "يجب أن تتمتع المنظمات ذات الصلة بالقدرة على الوصول إلى المرافق التي يمكن أن تساعد في تحديد مصير السوريين المفقودين والمواطنين الأجانب، والمواطنين الأميركيين مثل أوستن تايس وماجد كم آلماز، وفي نهاية المطاف محاسبة المعتدين". وتابع: "المسؤولية الأولى للحكومة الأميركية هي الحفاظ على سلامة وأمن المواطنين الأميركيين في أي مكان في العالم". وكشف أنه "حتى أثناء وجود نظام الأسد في السلطة، لم توقف الحكومة الأميركية جهودها المكثفة لمعرفة مصير المواطنين الأميركيين الذين اعتقلوا أو اختفوا في سورية، مثل تايس وكم ألماز، ومنذ سقوط نظام الأسد، عملنا مع السلطات المؤقتة في دمشق لتأمين دعمها وتعاونها للمساعدة في الكشف عن معلومات حول مصير المواطنين الأميركيين الذين اختفوا في ظل نظام الأسد والمساعدة في إعادة أوستن تايس وآخرين إلى الوطن".
نظل ملتزمين بهزيمة داعش والعمل مع الشركاء المحليين ومن خلالهم، بمن في ذلك قسد
وأضاف: "أن محاسبة مرتكبي الفظائع على جرائمهم، ومعالجة المظالم المشروعة، والاعتراف بالظلم الماضي، وبناء مجتمع قائم على القواعد من شأنه أن يخلق أساساً قوياً لسلام واسع النطاق ودائم في سورية. إن العدالة والمساءلة بقيادة سورية تشكل أولوية بالنسبة للحكومة الأميركية والمجتمع الدولي، والأهم من ذلك الشعب السوري". وحول مستقبل القوات الأميركية في سورية، أشار الدبلوماسي الأميركي إلى أن بلاده "تواصل متابعة هدفها المتمثل في هزيمة داعش من خلال جهودنا العسكرية والدبلوماسية المشتركة، لضمان عدم تمكنه من تشكيل تهديد لسورية أو المنطقة أو العالم الأوسع". وأضاف: "نظل ملتزمين بهزيمة داعش، والعمل مع الشركاء المحليين ومن خلالهم، بمن في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)". ونوه نيكولاس غرانجر بأن "الولايات المتحدة والعراق وضعا خطة انتقالية في العراق للمهمة العسكرية للتحالف العالمي لهزيمة داعش في إطار عملية العزم الصلب لقوة المهام المشتركة، وهذا تطور مخطط بعناية لهذه المهمة العسكرية، استناداً إلى أكثر من عام من التعاون الوثيق بين المسؤولين العراقيين والأميركيين". وتابع: "ستشهد المرحلة الثانية من الانتقال استمرار الدعم العسكري للتحالف من العراق للعمليات في سورية حتى سبتمبر/أيلول 2026، والذي يمكن تمديده كما يتم تحديده بشكل متبادل على أساس الظروف على الأرض".
وبالنسبة للعقوبات الأميركية المفروضة على سورية، أشار الدبلوماسي الأميركي إلى أن "الاقتصاد هو ركيزة أساسية للاستقرار، ولكن بعد أكثر من عقد من الصراع وعقود عديدة من الفساد وسوء الإدارة من قبل نظام الأسد، نرى أن الاقتصاد في حالة يرثى لها، واحتياجات الشعب السوري هائلة، وخلال هذا الوقت الحرج، من المهم أن تعمل مؤسسات الدولة وتقدم الخدمات الأساسية، كما من المهم أيضاً أن تصل المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها أينما كانوا، وفجزء من التزامنا بدعم الشعب السوري، تتخذ الولايات المتحدة خطوات لضمان عدم إعاقة العقوبات الأميركية للخدمات الأساسية ووظائف الحكم في جميع أنحاء سورية، بما في ذلك توفير الخدمات العامة والأنشطة الإنسانية في سورية". وأوضح نيكولاس غرانجر أنه "في السادس من يناير/كانون الثاني الحالي، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية الترخيص العام (GL) 24 لسورية، والذي يجيز معاملات معينة تتعلق بتوفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، كما يجيز الترخيص العام GL24 التحويلات الشخصية غير التجارية من خلال البنك المركزي السوري. وإضافة إلى الترخيص العام GL24، هناك العديد من التراخيص القائمة التي تسهّل المساعدات الإنسانية للشعب السوري، بما في ذلك التراخيص للأنشطة التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية، فضلاً عن الاتصالات والتحويلات الشخصية غير التجارية".
جميع العقوبات الأميركية والقيود الأخرى المتعلقة بسورية تظل سارية
دعم الشعب السوري
ونوّه المسؤول الأميركي، إلى أن الترخيص 24 "يوسع نطاق هذه التراخيص المسبقة لتشمل المعاملات الإضافية مع المؤسسات الحاكمة في سورية، والتي تعتبر ضرورية لدعم الشعب السوري خلال هذه الفترة الانتقالية، ويظل سارياً لمدة ستة أشهر، بينما نواصل مراقبة الوضع المتطور في سورية لتحديد الخطوات الإضافية التي يجب اتخاذها، إن وجدت". وأكد نيكولاس غرانجر أن "جميع العقوبات الأميركية والقيود الأخرى المتعلقة بسورية تظل سارية، بما في ذلك تلك المفروضة على حكومة سورية والعقوبات المستهدفة بموجب مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار وغيرها من السلطات الأميركية، وتشمل هذه القيود تلك المتعلقة بتصنيف سورية دولةً راعية للإرهاب، كما يظل تصنيف هيئة تحرير الشام منظمةً إرهابية أجنبية، والمسؤولية الجنائية عن تقديم الدعم المادي للمنظمات الإرهابية الأجنبية سارية أيضاً".
وفي ما يتعلق بتمويل ودعم الحكومة الأميركية للمشاريع الإنسانية والتنموية في داخل سورية، أشار المسؤول الأميركي إلى أن "الولايات المتحدة تظل أكبر جهة مانحة لتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري، ونحن نواصل حث جميع الجهات الفاعلة في سورية على تمكين وصول المساعدات الإنسانية غير المشروطة وغير المقيدة إلى جميع أنحاء سورية خلال هذه الفترة الانتقالية". وأضاف أنه "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لمساعدة السوريين المتضررين من سنوات الصراع. لقد كان الوضع الإنساني في سورية مزريا قبل الأحداث الحالية، حيث نزح أكثر من 7.2 ملايين شخص داخليا في جميع أنحاء سورية، وهناك أكثر من 16.7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. بالإضافة إلى ما يقرب من 5 ملايين لاجئ سوري مسجل في جميع أنحاء المنطقة، وكثير منهم يحتاجون إلى الحماية والمساعدة".
