هدايا ترامب للمنطقة

منذ ٢ أيام ٢٦

يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب (غداً الثلاثاء) جولةً خليجية تشمل السعودية وقطر والإمارات. وهي الجولة الخارجية الأولى له في ولايته الثانية التي بدأها قبل مائة يوم، قضاها في إعادة دوزنة علاقات واشنطن الخارجية وفق معايير جديدة، عنوانها الرئيس مزيد من الرسوم التجارية. ورغم أن المُعلَن من البيت الأبيض، وبعض المسؤولين الأميركيين، بشأن أهداف الجولة ترامب وقضاياها، يتمحور حول ملفّات سياسية، لكن واقع السياسة الأميركية، وسلوك دونالد ترامب المعتاد بعقله التجاري ومنطق "البزنس"، يرجّحان وجود أهداف أخرى، ومكاسب مالية مباشرة، واقتصادية في العموم، فالقضايا السياسية التي تظهر في سطح أجندة ترامب في جولته الخليجية تراوح فرص التوصّل إلى حلول لها أو تحقيق تقدّم حقيقي فيها، بين صعبة للغاية ومستحيلة، خصوصاً في ظلّ البون الشاسع بين منهجه التجاري في حلّ المشكلات وإدارة الملفّات، حتى إن كانت سياسيةً كاملةً، والرؤى العربية المستندة إلى حقوق تاريخية وواقع في الأرض يستحيل تجاهله.
وليس أدلّ على المضمون التجاري لجولة ترامب من اصطحابه وزير الخزانة وعدداً من كبار "وول ستريت" ووادي السيليكون، ورؤساء تنفيذيين لشركات أميركية كبرى. وفضلاً عن مرافقة بعضهم ترامب ضمن الوفد الرسمي، سينخرطون جميعاً في مفاوضات حول شراكات واستثمارات متبادلة مع الدول الخليجية الثلاث التي سيزورها ترامب، خاصّة في مجال تكنولوجيا الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
من ثم، ليس خطاب ترامب ومسؤولي إدارته حول طروحات جديدة وحلول للأزمات الناشبة واتفاق في غزّة، وغير ذلك من هدايا سياسية، واقعياً بالمرّة، بل غير قابل للتصديق. بدليل أن ترامب الذي لا يفتأ يهاجم إيران ويهدّدها بعمل عسكري، يباشر التفاوض معها علناً، ويؤكّد رغبته في إقامة علاقات جيّدة معها. وفيما تسعى الدول العربية (ومنها الخليجية)، على اختلاف توجّهاتها وحساباتها، إلى مراعاة قدر من التوازن والموضوعية في التعاطي مع مشكلات المنطقة لتحقيق حدّ أدنى من الاستدامة في أيّ من الحلول المقترحة أو الممكنة، لا يعترف رجل البزنس والصفقات دونالد ترامب بأيّ اعتبارات أو عوامل غير مادّية، لا تاريخ ولا ثقافة ولا عقيدة ولا قيم أو مبادئ، فلا مشكلة لديه في التلاعب بأيّ أوراق أو العبث بأوضاع مستقرّة منذ زمن طويل، بغضّ النظر عن مدى صحّتها. والشاهد هنا هو ما ذكره ترامب من نيّته إصدار إعلان بتغيير اسم الخليج أميركياً ليصير "الخليج العربي"، وليس "الخليج الفارسي"، كما هو الحال.
الواقع أن فيما طرحه ترامب إهانة لشعوب الخليج العربية ودولها، إذ يفترض السذاجة في العرب والخليجيين على وجه الخصوص، وإلا لما طرح فكرة تغيير اسم الخليج، كما لو كان ذلك هديةً عظيمةً ونقلةً نوعيةً ستغيّر وجه المنطقة. وهو نموذج مشابه لما قام به ترامب عندما برّر فكرة تهجير سكّان قطاع غزّة بتحويله منتجعاً، في تجاهل للحقائق وتسطيح للحلول.
ليست مشكلة الخليج في اسمه، وإنما في افتقاده الأمن والتعاون والتنمية الإقليمية الشاملة، ولا يحتلّ أمن شعوب الخليج واستقرار الشرق الأوسط أيَّ أولوية لدى ترامب، إلا في حدود عدم المساس بأمن إسرائيل أو استدراج واشنطن إلى المنطقة مجدّداً. وبغضّ النظر عن التعقيدات المحيطة بمسمّى الخليج، عربياً كان أم فارسياً، فهذه الهدية الرمزية، هي أقصى ما سيقدّمه ترامب لدول الخليج العربية، أي سيعطي موقفاً أميركياً رمزياً لا قيمةَ فعليةً له، وقابلاً للتنصّل منه لاحقاً، مقابل عشرات المليارات من الدولارات سيعود بها ليُنعش الخزانة الأميركية. ما يعني أنه قادم إلى المنطقة ليأخذ أموالاً ومكاسبَ فعليةً، مقابل وعود ومظاهر شكلية.

قراءة المقال بالكامل