يرى محللون أن لدى الصين العديد من الاستراتيجيات لمواجهة تأثير التعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب.
السلاح الرئيس الذي ستستخدمه بكين لمواجهة "جمارك ترامب" هو خفض قيمة اليوان للتخفيف من آثار هذه التعريفات الجمركية على اقتصاد التصدير. ويقول خبراء إن انخفاض قيمة اليوان يمكن أن يجعل الصادرات الصينية أرخص وأكثر قدرة على المنافسة في الأسواق الدولية. ومن خلال السماح لليوان بالضعف مقابل الدولار، يمكن للصين تعويض بعض الزيادات في التكاليف الناتجة عن التعريفات الأميركية. وقد جرى استخدام هذه الاستراتيجية بشكل فعال خلال تصاعد التعريفات الجمركية السابقة، حيث ساعد الانخفاض الكبير في سعر صرف اليوان في الحفاظ على مستويات التصدير على الرغم من ارتفاع التعريفات الجمركية. كما يشير خبراء إلى أنه في حين أن انخفاض قيمة العملة يمكن أن يكون مفيداً للصادرات، إلا أنه يجب إدارته بعناية لتجنب هروب رؤوس الأموال وعدم الاستقرار الاقتصادي. وربما يفكر بنك الشعب الصيني في اتباع استراتيجية خفض قيمة خاضعة للرقابة، مما يسمح بالضعف التدريجي بدلاً من التغييرات المفاجئة التي قد تخيف المستثمرين وتؤدي إلى اضطرابات مالية.
ويتضمن هذا النهج تحديد نطاق مستهدف لقيمة اليوان مقابل العملات الأخرى مع الاستمرار في توفير مجال لخفض قيمة اليوان عند الضرورة. وفي الصدد ذاته، يسلط خبراء الضوء على أهمية التواصل الاستراتيجي من السلطات الصينية فيما يتعلق بسياسة العملة. ومن خلال الإشارة إلى استعدادها للسماح بمزيد من المرونة في تقييم اليوان، تستطيع الصين التأثير بتوقعات السوق وإعداد المستثمرين المحليين والأجانب للتغيرات المحتملة في قيمة العملة دون الحاجة إلى مزيد من الدعم.
ويروّج دونالد ترامب لخططه الخاصة بجعل أميركا "دولة تعرفة جمركية"، مدعياً أن تعريفاته لن تزيد الضرائب على الأميركيين ولكن بدلاً من ذلك على دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي، ولكن يرى تحليل اليوم الأحد بقناة "سي. أن. بي. سي" الأميركية، أن الواقع مختلف تماماً، إذ ترفع التعريفات الجمركية التكلفة على المستهلكين الأميركيين، مما يعني أن الأميركيين العاديين ينتهي بهم الأمر إلى دفع المزيد مقابل المنتجات في متاجر مثل "وول مارت" ومتاجر السلع الاستهلاكية.
وأضاف التقرير: "عندما تفرض تعريفة جمركية على منتج ما، فإن ذلك لا يعني أن الدولة الأخرى تخضع للضريبة في حد ذاتها، بل يعني ذلك أن التكلفة يجري دفعها إلى المستهلك هنا في الولايات المتحدة... كيف يمكن لترامب أن يتحدث بالطريقة التي يتحدث بها عما يعتقده عن الرسوم الجمركية.
ومن وجهة نظرهم، يجب الدفاع عن اليوان في مواجهة الأسواق التي يقولون إنها ستواصل ضربه وسط توقعات بانخفاض قيمته. وقال براد سيتسر، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية والذي يعمل الآن زميلاً بارزاً في مجلس العلاقات الخارجية: "الإشارة الآن هي الاستقرار". ولكن إذا نفّذ الرئيس المنتخب ترامب تهديداته المتعلقة بالرسوم الجمركية، كما قال سيتسر، "سيكون من الصعب على الصين تجنّب التخفيض الخاضع للرقابة، على الرغم من أنه ليس بالضرورة شيئاً تريده الصين". وفي الوقت الحالي، يهدف المرسوم السياسي الصادر عن قيادة شي إلى منع العملة من الضعف أكثر من اللازم.
وفي بيان لـ"وول ستريت جورنال"، أدرج بنك الشعب الصيني العوامل التي تدعم قيمة اليوان، مثل الفائض التجاري للبلاد واحتياطيات النقد الأجنبي. وقال إن المنظمين "واثقون أنهم في وضع جيد وقادرون على الحفاظ على الاستقرار الأساسي لسعر صرف اليوان عند مستوى معقول ومتوازن".
ويتوقع اقتصاديون أن الصين قد تتبنى عدة تدابير لمواجهة الآثار السلبية للتعريفات الأميركية في تحليل لـ"وول ستريت جورنال". من بين هذه التدابير أن تزيد بكين عجز ميزانيتها، وتنفذ حوافز مالية تهدف إلى تعزيز الطلب المحلي ودعم القطاعات الرئيسية مثل التصنيع. أما العامل الثاني، فهو خفض سعر صرف اليوان، ويرون من خلال السماح لليوان بمزيد من الضعف، يمكن للصين أن تجعل صادراتها أرخص بالنسبة للمشترين الأجانب، وبالتالي تعويض بعض الآثار السلبية الناجمة عن التعريفات الأميركية. ومن الممكن أن يؤدي ضعف العملة إلى تعزيز القدرة التنافسية في الأسواق الدولية، مما قد يؤدي إلى زيادة حجم الصادرات على الرغم من ارتفاع التعريفات الجمركية. وثالثاً استهداف سلع أميركية محددة، رداً على الرسوم الجمركية الأميركية، ومن المرجح أن تركز الصين على قطاعات محددة مثل الزراعة، وتستهدف السلع الزراعية الأميركية بتعريفاتها أو قيودها الخاصة.
ويقول تقرير "وول ستريت جورنال"، في الحرب التجارية السابقة مع الولايات المتحدة، والتي بدأت في أوائل عام 2018 خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب، خفّضت الصين قيمة اليوان بنحو 13% للرد على تعريفات ترامب، حيث أدى ضعف اليوان إلى جعل صادرات الصين أرخص. وفي بعض الأحيان، أثارت هذه الاستراتيجية غضب ترامب، الذي وصفت إدارته في عام 2019 الصين بأنها متلاعب بالعملة، لكن هذه السياسة ساعدت في دعم الاقتصاد الصيني. لكن التقرير يرى أن الأمر أكثر تعقيداً هذه المرة، فاليوان ليس محصناً ضد ضغوط السوق، وقد يضطر البنك المركزي بالفعل للسماح لليوان بالضعف، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضائقة الاقتصادية، وجزئياً لأن الأسواق تتوقع مزيداً من الاحتكاك بين الولايات المتحدة والصين. وقد أدى ذلك إلى الحد من استخدام بكين لليوان أداة لمحاربة التعريفات الجمركية. وفي بكين، وفقاً لأشخاص قريبين من عملية صنع القرار، يتركز النقاش الداخلي الآن على المدى الذي يمكن السماح لليوان بالتراجع فيه.
وهنالك معسكران داخل صنع القرار المالي في بكين، ويعتقد أحد المعسكرين، الذي يضم في المقام الأول مسؤولين موجهين نحو السوق وخبراء اقتصاديين حكوميين، أن بنك الشعب الصيني يجب أن يتبنى نهجاً أكثر تقدماً بعدم التدخل، وهو ما يعني السماح للأسواق بدفع اليوان إلى الانخفاض. ويقولون إن هذه الطريقة يمكن أن تسمح للبنك المركزي أن يحرر نفسه من الدفاع عن اليوان والتركيز على تحفيز النمو من خلال السياسات النقدية، مثل تخفيضات أسعار الفائدة. وقال مستشار حكومي مشارك في المناقشات: "إن سياسة سعر الصرف الأكثر مرونة ستؤدي إلى سياسة سعر فائدة أكثر مرونة".
أما المعسكر الآخر في بكين، الذي يضم أولئك المكلفين بالحفاظ على الاستقرار المالي، فيرى أن هذا النهج ينطوي على قدر كبير من المخاطرة. وهم يخشون أن يؤدي خفض قيمة العملة، مهما كانت رغبة السلطات في ذلك بشكل تدريجي ومنظم، إلى دفع رأس المال للهروب إلى خارج الصين، في حين يسعى نظامها المصرفي بالفعل إلى الحصول على قدر أكبر من دعم السيولة.
سلاح ذو حدين
يشير خبراء إلى أنه في حين أن انخفاض قيمة العملة يمكن أن يكون مفيداً للصادرات، إلا أنه يجب إدارته بعناية لتجنب هروب رؤوس الأموال وعدم الاستقرار الاقتصادي. وربما يفكر بنك الشعب الصيني في خضوع استراتيجية خفض قيمة اليوان للرقابة، مما يسمح بالضعف التدريجي بدلاً من التغييرات المفاجئة التي قد تخيف المستثمرين، وتؤدي إلى اضطرابات مالية. ويتضمن هذا النهج تحديد نطاق مستهدف لقيمة اليوان مقابل العملات الأخرى، مع الاستمرار في توفير مجال لخفض قيمة اليوان عند الضرورة. وفي الصدد ذاته، يسلّط خبراء الضوء على أهمية التواصل الاستراتيجي من السلطات الصينية فيما يتعلق بسياسة العملة. ومن خلال الإشارة إلى استعدادها للسماح بمزيد من المرونة في تقييم اليوان، تستطيع الصين التأثير بتوقعات السوق وإعداد المستثمرين المحليين والأجانب للتغيرات المحتملة في قيمة العملة دون الحاجة إلى مزيد من الدعم.
