هل بدأت مرحلة الاستقرار في سورية؟

منذ ٦ ساعات ٣٢

لا يُغضب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب (من الرياض) عزمه رفع العقوبات عن سورية، سوى الذين لا يريدون للسوريين استئناف حياتهم المتوقّفة منذ أكثر من عقد، ولا يريدون للسوريين العيش بكرامة وأمان، ولا استعادة سلامهم النفسي الفردي والجمعي. وهؤلاء ليسوا سوريين فقط، بل هناك من غير السوريّين من يسوءُهم أن تستعيد سورية استقرارها وأمن مجتمعها وشعبها، ذلك أن ما شهدته الساحة السورية في سنوات الثورة والحرب جعل من تداخل مصالح دول وجماعات في شؤونها بالغ التركيب، ويحتاج إلى سنوات من التفكيك، ويجعل من قرارٍ كهذا بدايةَ عودة الوضع السوري إلى شكله الطبيعي. فتفكيك ما حدث خلال الحرب لا يمكن البدء به من دون استقرار اقتصادي. وبطبيعة الحال، لا يمكن لأيّ حالة استقرار اقتصادي أن تحدُث من دون البدء برفع العقوبات المُجحفة التي لم تؤثّر في الأسد وبطانته الأمنية والسياسية والاقتصادية، وإنما كان تأثيرها السيئ ينعكس مباشرة على الشعب السوري في الداخل، إذ بذريعة العقوبات، نُهبت البلد وأُذلّ الشعب من نظام الفساد والإجرام، وحرم الشعب أبسط وسائل العيش الآدمي والإنساني الطبيعي، وانعدمت حقوقه الطبيعة انعداماً شبه كلّي، وهي حقوق كفلتها له الشرائع الأرضية والسماوية.

عانى سوريو الداخل (أهلنا وعائلاتنا وأصدقاؤنا) ممّن رفضوا الخروج من سورية ما لا يخطر في البال، وتحمّلوا القهر والفقر والحرمان والذلّ والفاقة والعتمة وشُحّ المياه، وامتهان الكرامات والغضب المكبوت، وشحذ الصبر اليومي لاحتمال ذلك كلّه، بما في هذا الشحذ من صلابة قاسية، انفجرت كلّها يوم إعلان فرار بشّار الأسد ونظامه. ومهما ادّعينا (نحن الذين خرجنا من سورية) من معاناة الفقد والغربة ومكابدات الشوق والوحدة والوحشة، فلنعترف بجرأة أنها كانت معاناةً ترفيةً قياساً إلى ما عاناه سوريو الداخل وسكّان المخيّمات في دول الجوار، فنحن عشنا في ظروف إنسانية كاملة أو شبه كاملة؛ لم نجع ولم نعطش، لم نمت من البرد ولا من الحرّ، لم يمت أطفالنا من نقص الدواء أو الغذاء، لم يحرم أطفالنا من الطفولة والتعليم، أتيحت لشبابنا وشابّاتنا فرصٌ عديدة لاكتساب خبرات علمية وثقافية وفنّية وعملية، من لم يستفد منها فلأنّه كان مقصّراً في ذلك، أو نتيجة ظروف طارئة تخصّه وحده، بينما ذلك كلّه كان بمثابة أحلام من الصعب تحقّقها لمن بقي في سورية من الشباب الذين كانوا يبتكرون طرقهم اليومية البسيطة، وبمبادرات فردية وأدوات بدائية، ليشعروا أنهم ما زالوا في قيد الحياة، وما زالوا قادرين على مقاومة الظلم والواقع المتردّي الذي عاشوه.

لم يكن القمع والإجرام هو فقط ما ميّز مرحلة الأسدية بعد الثورة، بل كان أيضاً التردّي الاقتصادي المهول، الذي كان السبب المباشر في التردّي الثقافي والفكري والأخلاقي والقيمي الذي عاناه سوريو الداخل، وخلط كثيراً من الأوراق الاجتماعية بعضها ببعض، بما فيها ورقة الطائفية التي نشهد اليوم ذروتها، سواء في الخطاب المجتمعي الافتراضي، أو في السلوك الأمني الذي تمارسه الفصائل (وإعلاميوها) التي تكاثرت فترة الحرب، وتسيّدت حالياً مع وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، واعتمادها على تلك الفصائل في تشكيل جيش (للأسف!) يشكّك سوريون في أنه يحقّق صفة الوطنية، بوجود مجموعة فصائل مسلّحة ومحمّلة بعقائد تكفيرية، هي واحدة من نتاج التردّي الاقتصادي والقيمي المجتمعي فترة الثورة والحرب، الذي جعلها خلال السنوات الماضية (وحالياً) تتشبّه بجيش الأسد في الإذلال وامتهان كرامات الناس والانتقام العشوائي والسرقة والنهب، وهذه الممارسات كلّها التي تحدث بسبب الفوضى الناتجة عن الانهيارات الاقتصادية الكبرى، كما يحدث في سورية حالياً. من هنا، قد يكون في قرار رفع العقوبات، إن طبّق كاملاً، بداية الحلّ لحالة الاستعصاء الفصائلي الذي يرسّخ الانقسام الطائفي القاتل في المجتمع السوري. لكن هذا أيضاً يبقى مرهوناً بإرادة السلطة السياسية الحاكمة ورؤيتها لسورية بلداً لجميع أبنائه، لا لطائفة واحدة تستضيف جماعات (أقلّيات) كما يحاول مطبّلو السلطة ترويجه.

مبروك لنا جميعاً رفع العقوبات، على أمل أن يترافق هذا مع رفع الظلم والإقصاء والسلوك الطائفي.

قراءة المقال بالكامل