هل تتخلى الصين عن الدولار رداً على الرسوم الجمركية الأميركية؟

منذ ١ ساعة ١٢

لجأت الصين إلى أسلحة اقتصادية عدّة للرد على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على سلعها، منها السعي حثيثاً إلى التخلي عن الدولار في تجارتها الدولية، وقطع شريان المعادن النادرة، التي تعتمد عليها صناعة شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي الأميركية. وحذرت مراكز أبحاث وصحف اقتصادية أميركية، من أن استهداف الصين الدولار، عبر تقليل البنوك الصينية تعاملاتها بالعملة الأميركية تدريجياً، والاعتماد على اليوان الصيني أو الذهب بديلاً، وفرض قيود على إمدادات المعادن النادرة من الصين للولايات المتحدة، شكلا "ضربة قاضية" لترامب، دفعته إلى العودة تدريجياً ليخطب ودّ الصين والبحث عن حل سلمي. 

تراجع هيمنة الدولار

وفي سعيها لاستعمال أسلحة اقتصادية مختلفة أخرى، لترد على عقوبات ترامب، في صورة الرسوم الجمركية على سلعها، جاء سلاح التخلي رسمياً عن الاعتماد على الدولار، ليهدد بإضعاف العملة الأميركية عالمياً، وفق تقارير اقتصادية أميركية. وقد حذر الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس، في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست"، في وقت سابق من الشهر الجاري من أن السياسات التجارية العدوانية التي ينتهجها الرئيس ترامب "تحرق عملياً مكانة الدولار، الذي يواجه تهديداً متزايداً بوصفه عملة احتياط عالمية، خاصة مع استمرار الحرب التجارية مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بسياسة الرسوم الجمركية الكبيرة". 

وأوضح، أن تصاعد التوترات أثارت مخاوف المستثمرين الذين سارعوا إلى بيع الأصول الأميركية بما في ذلك الأسهم والسندات والدولار نفسه، في إشارة إلى تراجع الثقة في الاقتصاد الأمريكي خياراً استثمارياً آمناً، وذكر أن صندوق النقد الدولي أشار إلى تراجع حصة الدولار من احتياطات البنوك المركزية من أكثر من 70% عام 2000 إلى أقل من 60% في السنوات الأخيرة، مع توجه عدد متزايد من الدول نحو الذهب والعملات البديلة مثل اليوان الصيني.

وأشار إغناتيوس إلى ثلاثة تحديات رئيسية تهدد هيمنة الدولار، أشارت لها دراسة لـ "معهد بروكينغز" في 23 أغسطس/آب الماضي، وهي: الإفراط في استخدام العقوبات الاقتصادية، وتفاقم العجز والدين العام الأميركي، والتطور السريع في التكنولوجيا المالية، وأكد أن الصين تسعى إلى تسريع هذه التحولات، من خلال تطوير عملة رقمية بديلة للدولار بالتعاون مع العديد من الدول، بما يسمح بتجاوز نظام التحويلات العالمي سويفت الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. 

ورغم أن هناك خبراء يحذرون من الاعتماد الكامل على عملة رقمية تديرها دولة سلطوية، فإن التوجه واضح نحو تنويع أدوات الدفع وتخفيف الاعتماد على الدولار، ويخلص إغناتيوس إلى أنه إذا استمرت إدارة ترامب في اتباع سياسات متقلبة واستفزازية، فقد يؤدي ذلك إلى "تآكل الثقة تدريجياً بالدولار، ما ينذر بتراجع الدور المركزي له في الاقتصاد العالمي".

وكان تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، الشهر الجاري، قد تساءل عن سبب تراجع الدولار رغم أنه "كان من المفترض مساهمة رسوم ترامب الجمركية في تعزيز العملة الأميركية، لكن ما حدث هو العكس"، وأرجع السبب إلى "القلق من تلاشي النمو الأميركي على المدى الطويل، والذي هو أكثر تأثيراً على العملة من التأثير التلقائي للرسوم الجمركية".

وأشار تقرير وول ستريت إلى أن مؤشر الدولار خسر أكثر من 4% هذا العام"، وأوضح اقتصاديون، أن بدء البنوك الصينية تقليل تعاملاتها بالدولار، والاعتماد على اليوان الصيني أو الذهب بديلاً، يعني أن أي دولة أو مستورد من الصين أصبح مطلوباً منه توفير "يوان" بدلاً من "الدولار"، وهذا يعني إن الطلب على الدولار سينخفض، ويتعرض لموجة بيع دولية كبيرة.

وأكدوا أن تعرِفات ترامب الجمركية ستؤثر على الدولار بوصفه عملة صعبة، وكثير من الدول نتيجة لفقدان أو خفض التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، ستقوم ببيع الدولار كي تشتري من دول أخرى، وأكدوا أنه في حال خفض الاعتماد على الدولار ستُمنى الولايات المتحدة بثلاثة أضرار اقتصادية وهي؛ ارتفاع تكاليف الاقتراض نتيجة  لانخفاض الطلب على سندات الخزانة التي تنوي الصين بيع حصتها فيها، والتي تتجاوز 750 مليار دولار، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستضطر لرفع أسعار الفائدة لجذب المستثمرين، ما يزيد تكلفة ديونها الضخمة وذلك ثمن طبيعي لهروب الاستثمارات الصينية والأجنبية. 

كما سيؤدي تراجع قيمة الدولار إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، ومن ثم ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة لأرقام قياسية ما يؤثر على المستهلكين، وأخيراً إضعاف قدرة الولايات المتحدة على استخدام الدولار سلاحاً للعقوبات مستقبلاً. وكان آخر حركة لإلغاء الدولرة عام 2022، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات شاملة على روسيا عقب غزوها لأوكرانيا، وجاءت بسبب قلق العديد من قادة العالم من إمكانية تجميد الولايات المتحدة لأموالهم بسبب أي نزاع دبلوماسي أو عسكري كما فعلت مع روسيا، التي اتجهت منذ ذلك الحين لإلغاء الدولرة.

ويتوقع الخبراء في عام 2025 الجاري، أن تُزعزع الرسوم الجمركية العدوانية والسياسات الانعزالية للرئيس ترامب تحالفات الولايات المتحدة مع أوروبا ودول أخرى بخلاف الصين، بحسب موقع MONEY US NEWS في 15 إبريل الجاري، الذي أكد أن "النهج العدائي لترامب في السياسة التجارية أدى إلى نبذ حلفاء الولايات المتحدة، وقد يشجع المزيد من الدول على البحث عن سبل لتقليل اعتمادها على الدولار".

وأوضح أن أهمية القرار الصيني، أنه أول إعلان رسمي من دولة عظمى بهذا الشكل، إذ كان سابقاً يجري تداول فكرة إلغاء الدولرة في مفاوضات دول البريكس، وإقرار ذلك في عمليات تبادل تجاري منخفضة القيمة وبعيدة عن السوق الغربية.

قطع المعادن يهدد الاقتصاد الأميركي

من جانبه، حذر "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" الأميركي " csis" من أن خطوة الصين الثأرية بقطع شريان معادنها النادرة عن شركات التكنولوجيا الأميركية، رداً على تعرِفات ترامب، لن تؤدي إلى داعيات تطاول اقتصاد ودفاع أميركا فحسب، بل قطاع الصناعات العالمي برمته،
وأكد أن "عجز الولايات المتحدة عن استبدال إمدادات المعادن النادرة من الصين يشكل تهديداً لدفاعها ولاقتصادها، إذ تعتمد شركات التكنولوجيا الأميركية والذكاء الاصطناعي على سبعة معادن أرضية نادرة ومغناطيسات، لا تتوافر إلا في الصين بكثافة، تُستخدم في تقنيات الدفاع والطاقة والسيارات الأمريكية، ما قد يعرقل الصناعة والدفاع معاً.

وفي ظل تصعيد ترامب للتعرِفات الجمركية على الصين، فرضت بكين قيوداً على تصدير هذه العناصر السبعة النادرة، ما قد يؤدي إلى توقف الصادرات والتسبب في اضطرابات في الإمدادات لبعض الشركات الأميركية، وفق شبكة سي أن بي سي الأميركية، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، اللذَين حذرا من أن المعادن النادرة ضرورية لمجموعة من تقنيات الدفاع المتقدمة.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمزالأسبوع الماضي، أن "توقف صادرات الصين من العناصر الأرضية النادرة بدأ بالفعل"، مؤكدة أنه "بما أن الصين تحتكر فعلياً إمدادات معالجة المعادن الأرضية النادرة الثقيلة في العالم، فإن مثل هذه القيود تشكل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة، خاصة قطاع تكنولوجيا الدفاع لديها"، ورغم مساعي إدارة ترامب لإبرام اتفاقات للمعادن مع دول منتجة على غرار أوكرانيا ثم الكونغو الديمقراطية، فإنه وفقاً للتقديرات الأميركية، فإن الولايات المتحدة "لن قادرة على سد العجز المحتمل، في هذه المعادن، وهذا من شأنه أن يهدد القدرات العسكرية لواشنطن".

ومنذ عام 2020، تحاول واشنطن توفير إمدادات مستقلة من العناصر الأرضية النادرة، وقد خصصت وزارة الدفاع الأمريكية أكثر من 439 مليون دولار لبناء سلاسل توريد محلية ومرافق معالجة المعادن النادرة الثقيلة، لتعويض الصينية. ولكن، وفق مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذه المرافق ليست جاهزة للعمل، كما أن إنتاجها سوف يكون أقل بكثير من إنتاج الصين.

قراءة المقال بالكامل