هل ترتق الحكومة الانتقالية ثوب سورية الممزّق؟

منذ ١ يوم ٢٣

تخضع مناطق واسعة من سورية لسلطات وقوانين خاصة، مختلفة أو غير متوافقة مع القوانين المركزية في دمشق، ما يطرح تساؤلات بشأن آلية لمِّ شمل هذه "السوريات" المقسّمة على ثلاث حكومات، لإضافتها إلى حكومة دمشق الجامعة، واستعادة التماسك الجغرافي وقبله الديمغرافي بينها، وهل تتحمّل إمكانات الحكومة السورية غير المدعومة دولياً (حتى اللحظة) أعباء المهمّات الموكلة إليها، من توطيد الأمن، وإرساء السلم الأهلي، وتأمين البنية التحية اللازمة لشروط الحياة الطبيعية والاستثمارية على مختلف الأصعدة، من تعليم وصحة وصناعة واقتصاد وزراعة ودفاع؟

تحتاج عملية إعادة بناء سورية الموحّدة، ورتق خروقاتها وسد الفجوات العميقة بين مكوناتها، خطّةً حكومية مرنة، لا تقوم على اشتراطات مسبقة، بل تبنى على أساس الانفتاح على جميع الآراء ومحاورتها، لوقف الانهيار المجتمعي نحو صراعاتٍ داخليةٍ تزيده تمزّقاً، فالأولوية للسلم الأهلي ومدخله وحدة المجتمع السوري على حساب التنازلات السلطوية من كل الأطراف، لأنها العامل الحاسم في القفز فوق مستنقع الفوضى والإقصاء، إذ تشكّل التسويات المحلية العادلة حجر الأساس للاستتباب الأمني والاستقرار والتنمية، والمحفز الأساسي لإطلاق خطّة إعادة إعمار محلية، على غرار "خطة مارشال"، مع ملاحظة غياب حماسِ المجتمع الدولي لإزالة العقوبات الغربية عن سورية كاملةً وفوراً، أي أننا أمام ضرورات ملحّة لرؤية أو خطة سورية شاملة، تأخذ في الاعتبار أو بين سيناريوهات عملها، أنها تحت ضغط الحصار الاقتصادي عبر العقوبات الغربية، واستمرار انفلات الاعتداءات الإسرائيلية غير المُدانة دولياً، وهي أمام تركة ثقيلة من الدمار الذي خلفه نظام بشّار الأسد خلال حرب 14 عاماً على السوريين، في كل القطاعات الخدمية والإنتاجية والتجارية من جهة مقابلة.

تحتاج عملية إعادة بناء سورية الموحّدة، ورتق خروقاتها وسد الفجوات العميقة بين مكوناتها، خطّةً حكومية مرنة، لا تقوم على اشتراطات مسبقة

وكما كانت التجربة في إدلب محدودة، ويعتبرها المشرفون ناجحة، وتعيش حالة استقرار اقتصادي نسبي، بسبب محدودية مساحتها، وسهولة السيطرة على أمنها الداخلي، فقد كانت كل مناطق نفوذ الأمر الواقع تتمتّع بتقييم أعلى من واقع حكومة النظام الأسدي المخلوع، ما يعني أن وضع خطط مركّزة ومجدولة، ووفق الإمكانية المتاحة، قد يعطي نتائج ملموسة أكثر من وعود فضفاضة، تسمح بتسريع حالة الإحباط عند طرفَي المعادلة؛ الفاعل والمتلقي. من هنا، يمكن القول، مرّة ثانية ومرة ثالثة، إن البناء على "لا مركزية التنمية" هو الجامع الحقيقي للمِّ الشمل السوري، إذ يتيح مزيداً من فرص التجارب الناجحة والمتنافسة على النمو في المناطق السورية، بينما يجب أن تتجه الجهود إلى توحيد مجتمعات السوريين، وتعزيز فكرة انتماءاتهم الجمعية للشعب السوري.

الطريق طويل ومكلف لإخراج الحكومات المتعددة السورية (الإنقاذ والمؤقتة والإدارة الذاتية) من عباءة تمويلها الحالي (الخارجي)، إلى تحت إطار موازنة الحكومة المركزية الجديدة، التي أُعلن عنها أول أمس السبت (29 مارس/ آذار الحالي)، ليس لأسباب سياسية، بل أيضاً لأسباب مجتمعية واقتصادية، وهدم الجدار بينها لا يتطلب معولاً، بقدر ما يحتاج تفاهمات تنظم هيكلية سورية وفقاً لمصالح الشعب السوري، وليس لشعاراتٍ أيديولوجية، فالأسباب السياسية بين الكيانات السورية يمكنها أن تتلاشى، مع ارتفاع نسبة التشاركية، مع كل من الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية وحكومته المؤقتة وهيئة التفاوض، التي قيل إنها تعمل على تسليم ملفّاتها إلى السلطة المركزية، بينما لم يعلن الائتلاف الوطني بعد قرار حلّ نفسه وحكومته، وكذلك الحال مع هيئة التفاوض. وبينما لا تحتاج حكومة الإنقاذ التي تتبع أصلاً إلى سلطة الرئيس أحمد الشرع إلا لقرار سيادي لتكون منطقة نفوذ تحت سلطة الحكومة الجديدة وبقوانينها، خاصة أن صلاحيات وزراء فيها تمدّدت إلى كامل المساحة السورية، ومع ذلك، فإنها أيضاً تحتاج لتمرين اندماج قانوني، وكذلك "تقشفي" مالي، إذ متوسّط الدخل لديها على تدنيه أعلى من مناطق الحكومة الموسعة بثلاثة أضعاف أو أكثر.

الحاجة في كل وقت لتأكيد أهمية الحوارات الوطنية المستمرّة في سورية

ورغم توقيع الرئيس السوري الاتفاق مع مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (10/3/2025) القاضي بضم كل المنطقة الواقعة تحت سيطرة هذه القوات للسلطة الجديدة، إلا أننا لا نزال بعيدين عن تنفيذه، بالنظر إلى خلافاتٍ أعقبت الإعلان الدستوري الذي ناقض بنود الاتفاق، مع تأكيد أن تنفيذ اتفاقٍ كهذا ضمن سياق طبيعي يحتاج فترة ليست قصيرة، لتتمكن أطرافه من اكتساب الثقة المتبادلة، وذلك لدمج المؤسّسات داخل ثوب الحكومة بقوانينها ومحدّداتها في الحياة الثقافية والاجتماعية والعسكرية، فكيف هو الحال، مع اعتبار بعض الأطراف السورية الفجوةَ تزايدت بعد تشكيل الحكومة الجديدة في غياب واضح للتوافق المطلوب وشعار التشاركية.

وكذلك، يؤكد استمرار الخلافات مع مناطق في حوران والسويداء وحمص والساحل ومناطق الكرد في الشمال والشرق أن الحاجة في كل وقت لتأكيد أهمية الحوارات الوطنية المستمرّة لتسهيل اندماج المجتمعات، أفراداً وتجمعات في صلب الدولة، وهذا لا يمكنه أن يكون قسرياً، فما لم تأخذ الحكومة بالاعتبار التمايزات والفروق والحاجة إلى الحريات الفردية والجمعية، لن تستطيع تشكيل الهوية السورية الجامعة من خلال أسماء حكومية متنوعة، سواء اعترفت فيها جماعاتها أو أنكرتها.

قراءة المقال بالكامل