أبت جزيرة أبا إلّا أن تتبوأ مقعدها من قائمة أحداث نهاية العام الأخير من نبوءة رجل الدمازين الغريب مطلع عام 2017، حين تحدّث عن حريق وغرق وتدخل خارجي، وسبع سنوات عجاف تنتهي عام 2024. ومع اندلاع الحرب وفق ذات السيناريو المذكور في إبريل/ نيسان 2023، بات الناس في انتظار الغرق، حتى إن البعض تنبأ بانهيار سد الألفية، لكن ها هي الأنظار تتجه نحو سد جبل أولياء بعدما غرقت أبا (طولها 37.4 كيلومتراً، وعرضها نحو 5 كيلومترات).
أبا من أكبر جزر النيل الأبيض (242 كيلومتراً جنوب الخرطوم). ودلّت الآثار التاريخية على علاقتها بالحضارة المروية (850 – 350 قبل الميلاد)، ثم بالدولة المهدية حين اتخذها المهدي مقراً له عام 1871، وبدأ منها دعوته عام 1881. وظلّت الجزيرة مثل مناطق سودانية عدة بين مطحنة الحرب التي تمدّدت أكثر من عشرين شهراً، ومحنة التغيُّرات المناخية وآثارها التي لا يستطع الأهالي التعامل معها، وبين كارثة الغرق المفاجئ إثر انسداد بوابات خزان جبل أولياء أمام الزيادة الكبيرة في وارد مياه النيل الأبيض جراء الهطول الكثيف عند المنابع، وارتدت المياه وأغرقت مناطق في جنوب الخزان، في الأيام الأخيرة، وتعرّضت الجزيرة والمناطق خلف خزان جبل أولياء لغرق كامل جراء فيضان مياه النيل الأبيض، ما أحدث دماراً كبيراً في المزارع والمساكن والمنشآت الأخرى، خلّف أوضاعاً بيئية وصحية متردية، وفقاً لبيان أصدره حزب الأمة (21 ديسمبر/ كانون الأول). وقال وزير الري والموارد المائية السابق الدكتور ياسر عباس: "رغم أن فيضانات 2024 مرت بسلام يظل خطر انهيار السد قائماً في غياب الصيانة والتشغيل الكافي".
ويذكر الخبير البيئي البروفيسور عاصم المغربي أن سد جبل أولياء بناه المصريون في الفترة (1933 - 1937) على بعد 46 كيلومتراً من جنوبي العاصمة الخرطوم، لكنهم باتوا لا يحتاجون له بعد بناء السد العالي. والآن يحتاج السد إلى صيانة كبيرة كي لا تغرق كل المناطق شمال السد وبينها أم درمان. وتقول الباحثة أسيل محمد: "يمثل الوضع الحالي خطراً كبيراً على المجتمعات المحيطة بالسد، وساعد فتح بواباته مؤقتاً أخيراً في تخفيف الضغط، لكن هذا الإجراء غير المدروس قد يؤدي إلى تدفقات مائية غير منتظمة تفاقم خطر الفيضانات في المناطق السفلية".
للنزاعات والحروب تاريخها الأسود على صعيد انهيار السدود مثلما حدث لسد الموصل في العراق وسد درنة في ليبيا وسد كاخوفكا في أوكرانيا. وفي السودان انهار سد أربعات في أغسطس/ آب 2024، وأسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، وها هو سد جبل أولياء ينذر بكارثة أخرى في حال عدم تدارك الأمر، إذ حذّرت دراسة حديثة من أن السد يواجه خطر الانهيار الوشيك نتيجة للإهمال وتوقف عمليات الصيانة منذ نوفمبر/ تشرين الأول 2023 حين غادر الطاقم الفني المسؤول عن تشغيله وصيانته بسبب سيطرة أحد أطراف الحرب على المنطقة.
ووفقاً لدراسة أعدها المعهد الدولي للمياه ارتفعت مستويات المياه في الخزان إلى أرقام قياسية بحلول سبتمبر/ أيلول 2024، ما يهدد بانهيار السد، وينذر بفيضانات مدمّرة قد تصل إلى الخرطوم، وتدمّر الأراضي الزراعية المحيطة، ما يزيد انعدام الأمن الغذائي في المنطقة. فهل تنمحي الخرطوم؟
(متخصص في شؤون البيئة)
