هل خرجت حرب ترامب التجارية عن السيطرة؟

منذ ٢٠ ساعات ١٢

بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته الثانية بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق على أكبر شركائه التجاريين، لكن الحرب التجارية تصاعدت بسرعة لتتجاوز التعرفات، متحولة إلى معركة انتقامية شاملة، الأمر الذي بدأ يثير المخاوف من أن تكون الأمور قد خرجت بالفعل عن السيطرة.

وفرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات بلاده من كندا، مما أثار غضب القادة الكنديين، لدرجة أنّ مقاطعة أونتاريو ردت بإزالة المشروبات الكحولية الأميركية من رفوف متاجرها، كما فرض رئيس وزراء أونتاريو دوج فورد رسوماً إضافية، وهدد بقطع الكهرباء عن ثلاث ولايات أميركية، مما أثار احتمال ارتفاع فواتير الكهرباء أو حتى حدوث انقطاعات في التيار الكهربائي، قبل أن يقرر إلغاء الزيادة في الرسوم.

وأثار ذلك استياء ترامب، الذي أعلن زيادة الرسوم الجمركية على جميع واردات الصلب والألمنيوم من كندا 50%، قبل أن يتراجع هو الآخر وتهدأ الأوضاع قليلاً، إلا أنّ القرارات المتسرعة كشفت بوضوح كيف يمكن لهذه الحرب التجارية أن تخرج عن نطاق السيطرة. وفي تقرير حديث، قال محللو شبكة "سي أن أن" الإخبارية، إنه إذا لم يكن القادة العالميون حذرين، فقد يجدون أنفسهم في حلقة تصعيد يصعب الخروج منها.

ترامب يصعد المواجهة التجارية

ولم يقتصر النزاع التجاري على الولايات المتحدة وكندا فقط. فقد ردّت الصين على الزيادة الأولى في الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بنسبة 10% في فبراير/ شباط بإعلانها عن رسوم انتقامية، إلى جانب فرض قيود على بعض الصادرات وإضافة شركة PVH Group، المالكة لعلامة كالفن كلاين، إلى قائمة سوداء حكومية.

وفي نفس السياق، ردّ الاتحاد الأوروبي، أمس الأربعاء، على الرسوم التي فرضها ترامب على الصلب والألمنيوم من خلال فرض رسوم انتقامية على منتجات أميركية مثل الجينز والقوارب والويسكي، مما أثار قلق قطاع المشروبات الكحولية الأميركي. وعند سؤاله عن الرسوم الجمركية الأوروبية الانتقامية، قال ترامب: "بالطبع سأرد".

وبالفعل، أعلن الرئيس الأميركي، اليوم الخميس، عن تهديده بفرض رسوم جمركية ضخمة، تصل إلى 200%، على النبيذ والشامبانيا وغيرها من المشروبات الكحولية الأوروبية. وبذلك، أصبحت الحرب التجارية سلسلة متواصلة من الانتقام والردود الانتقامية، ما يطرح التساؤل: ماذا لو ردّ الاتحاد الأوروبي على هذا الإجراء؟

الرسوم الجمركية.. أداة ترامب المفضلة

أثار تصاعد الحرب التجارية قلق المستثمرين والرؤساء التنفيذيين والاقتصاديين، بالإضافة إلى جزء متزايد من الرأي العام الأميركي. وتساءل كينت سميترز، مدير كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، في حديثه لـ"سي أن أن"، عما إذا كانت الأمور ستخرج عن السيطرة، مشيراً إلى أن خطر دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود أصبح "مسألة احتمالية متساوية".

كان من المتوقع إلى حد ما أن تمتد الحرب التجارية إلى مجالات أخرى، إذ يستخدم ترامب الرسوم الجمركية أداة للضغط ليس فقط في التجارة، بل أيضاً في قضايا الهجرة، ومكافحة الفنتانيل، وحتى للحفاظ على هيمنة الدولار الأميركي، بل إنه لمّح إلى إمكانية استخدامها للضغط على روسيا من أجل التوصل إلى اتفاق سلام.

وتقول ماري لوفلي، الباحثة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في مذكرة: "إنه أشبه برذاذ تنظيف شامل، يضعه ترامب على كل شيء، تماماً كما فعل الأب في الفيلم الكوميدي My Big Fat Greek Wedding الذي كان يعتقد أنّ رذاذ وينديكس يمكنه حل أي مشكلة".

مستقبل الحرب التجارية

وأوضح ترامب أنه لا ينوي إنهاء الحرب التجارية في أي وقت قريب، رغم المعارضة المتزايدة من وول ستريت، كما هدد بفرض مجموعة واسعة من الرسوم الجديدة، بما في ذلك رسوم انتقامية مقررة في 2 إبريل/ نيسان، والتي قد تؤدي إلى مزيد من الانتقام.

وتوضح كريستين مكدانيل، الباحثة في جامعة جورج ماسون والمسؤولة التجارية السابقة في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، أن "التجارة مسألة عاطفية، ويمكن للدول أن تأخذ الأمور بشكل شخصي. وهناك شخصيات كبيرة متورطة في هذا النزاع هذه الأيام".

في المقابل، اتخذت بعض الدول مواقف مختلفة. فبينما كان فورد، السياسي الكندي الذي هدد بقطع الكهرباء عن الولايات المتحدة، أحد أشد معارضي سياسة ترامب التجارية، قررت رئيسة المكسيك، كلوديا شينباوم، الانتظار حتى 2 إبريل قبل اتخاذ أي رد فعل تجاه الرسوم الجمركية الأميركية.

القلق في الشركات الكبرى

ويتزايد القلق بين قادة الشركات في الولايات المتحدة بسبب تداعيات الحرب التجارية، إذ أظهر استطلاع للرأي أن تفاؤل الرؤساء التنفيذيين بشأن الاقتصاد قد انخفض، كما خفضوا خططهم للتوظيف والاستثمار. وفي حدث أقيم بجامعة ييل، حضره رؤساء تنفيذيون لشركات مثل "جي بي مورغان تشيس" و"فايزر" و"أميركان إيرلاينز"، أظهر استطلاع رأي أنّ 85% من القادة التنفيذيين يعارضون نهج ترامب التجاري، بينما يعتقد 94% منهم أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع التضخم.

ويقول جيفري سونينفيلد، مؤسس معهد القيادة التنفيذية في ييل، إن قادة الشركات يرون أنه من المشروع فرض رسوم جمركية بشكل انتقائي، لكنهم يشعرون بالغضب من المبررات المتقلبة التي تقدمها الإدارة الأميركية لفرض هذه الرسوم. وأضاف: "الهجوم الشامل على الحلفاء بدلاً من الاقتصار على الدول المنافسة والمناوئة يجعل الرؤساء التنفيذيين يشعرون بالاستياء والحرج".

ولا يزال من المبكر معرفة كيف ستتطور الحرب التجارية وما هو التأثير النهائي الذي ستتركه على الاقتصاد والأسواق المالية، إذ قد يحجم القادة الأجانب عن مواصلة التصعيد خوفاً من الإضرار باقتصاداتهم المحلية. وتقول لوفلي: "إنهم يدركون أن الرسوم الجمركية تضر باقتصاداتهم، وهذا قد يكون عاملًا طبيعيًا لكبح هذا التصعيد". وفي المقابل، قد يجد ترامب نفسه مضطراً للتراجع عن التصعيد إذا بدأ الاقتصاد الأميركي في التباطؤ بشكل خطير، أو إذا أبدت وول ستريت رد فعل عنيفاً أكبر.

ويقول سايمون جونسون، رئيس قسم الاقتصاد العالمي والإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في مذكرة: "الرئيس في موقف صعب، وكل تعرفة جمركية يفرضها أو يهدد بفرضها تجعله في وضع أصعب. إذا استمر في هذا الاتجاه، سترتفع الأسعار وسيتباطأ الاقتصاد أكثر".

قراءة المقال بالكامل