بي بي سي
فاجأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وسائل الإعلام العالمية، بإعلانه اعتزام بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في يونيو/ حزيران المقبل.
وأدلى ماكرون بتصريح خصّ به التلفزيون الفرنسي في الطائرة، وهو عائد من زيارته الرسمية إلى مصر.
فماذا يعني اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، ولماذا يأتي في هذا التوقيت، وهل سيكون له تأثير على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني؟
لنفهم تصريح الرئيس الفرنسي وموقف بلاده "الجديد" من القضية الفلسطينية، علينا أن نقرأ كلام ماكرون في سياقه كاملاً. فهو إلى جانب تخصصه في المال والأعمال، رجل مولع باللغة والأدب والبلاغة. والمعنى كله في التفاصيل الدقيقة.
جاء في حوار ماكرون مع القناة التلفزيونية الخامسة:
"علينا أن نمضي نحو الاعتراف، وسنفعل ذلك في الأشهر المقبلة".
"سأفعل ذلك، لأنني أعتقد أنه سيكون في لحظة ما موقفاً عادلاً. ولأنني أريد أيضاً أن أشارك في حركة جماعية، لابد أن تؤدي بجميع من يدافعون عن فلسطين إلى الاعتراف بإسرائيل، والكثيرون منهم لا يعترفون بإسرائيل".
"وسيسمح لنا هذا الأمر كذلك بمكافحة من يرفضون وجود إسرائيل، مثل إيران، وبالعمل جماعياً على ضمان الأمن في المنطقة".
"موعدنا يونيو/ حزيران إذ سنتولى مع السعودية رئاسة المؤتمر، وهناك يمكننا إنهاء عملية الاعتراف المتبادل المتعددة الأطراف".
وأشار الرئيس الفرنسي إلى شهر يونيو/ حزيران، موعد انعقاد مؤتمر سيرأسه مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في نيويورك. ويهدف المؤتمر إلى إعادة إحياء "حل الدولتين"، الذي "أفرغ من محتواه"، منذ أن أطلق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، صفقة القرن، في فترته الرئاسية الأولى.
وفقد الفلسطينيون حينها أي ثقة في إدارة ترامب الأولى بعد اعترافه بالقدس كاملة عاصمة لإسرائيل. كما تضمنت مقترحاته في صفقة القرن، لحل النزاع في الشرق الأوسط، منح إسرائيل السيادة على مستوطناتها في الضفة الغربية.
وفي فترته الرئاسية الثانية، نأى ترامب بنفسه عن حل الدولتين، الذي كان يدعمه في 2020، إذ قال لمجلة تايم عندما سُئل عن تصوره لحل النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين: "أدعم أي حل يؤدي إلى السلام. هناك أفكار أخرى غير حل الدولتين. هناك بدائل أخرى".
ويُعرف عن مايكل هاكابي، الذي عينه ترامب سفيراً في إسرائيل، بتصريحاته، التي ينفي فيها "وجود الشعب الفلسطيني". ويؤيد ضم الضفة الغربية كاملة لإسرائيل. ويرفض مصطلح الاستيطان، ويقول إن إسرائيل لها "سند ملكية في يهودا والسامرة"، وفق "الوصية التوراتية".
لا يجد المقربون من الرئيس الفرنسي والمؤيدون له أي غرابة في حديثه عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فهي فكرة مقبولة في الطبقة السياسية الفرنسية، منذ زمن طويل. وتحدث عنها الرئيس، فرانسوا متيران، في الكنيسيت، عام 1982.
ورفعت فرنسا في 2010 التمثيل الفلسطيني لديها من المندوبية إلى البعثة الفلسطينية. ويُشار إلى الدبلوماسي الذي يقود البعثة الفلسطينية في فرنسا بلقب السفير. وتدعم باريس إقامة "دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 إلى جانب إسرائيل، والقدس عاصمة للدولتين".
ويقول موقع وزارة الخارجية الفرنسية إن باريس تدعو في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى "احترام القانون الدولي، لاسيما قرارات الأمم المتحدة، وتدعم حل الدولتين، وكذلك حلاً عادلاً للاجئين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والحفاظ على وضعية القدس".
وتعتبر أن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية "مصادرة غير شرعية للأراضي". وأن مفاوضات السلام بين الطرفين "لابد أن تكون على أساس خطوط 1967". وتؤكد أن الاستيطان "مخالف للقانون الدولي".
وتحرص الدبلوماسية الفرنسية أولاً على التذكير بأن باريس لها "علاقات ثقافية وإنسانية تاريخية" مع إسرائيل. فقد اعترفت فرنسا بالدولة الإسرائيلية في عام 1949. وتدافع منذ 70 عاماً عن "حق إسرائيل في الوجود وفي العيش في أمان، والانتماء إلى مجموعة الأمم ذات السيادة".
وسبق أن أشار ماكرون في 2024 إلى إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكنه دعا وقتها إلى "التريث"، واختيار "الوقت المناسب"، عندما أعلنت أيرلندا والنرويج وإسبانيا ثم سلوفينيا اعترافها بالدولة الفلسطينية، في ذروة الحرب المدمرة في غزة.
الجواب المختصر و المباشر هو: ليس بالضرورة. فالرئيس الفرنسي لم يعلن في تصريحه عن قرار اتخذته باريس، وإنما عن استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفق شروط يتفق عليها المشاركون في مؤتمر نيويورك، بإشراف فرنسا والسعودية.
وأوضح ماكرون أن اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية مشروط باعتراف دول عربية أخرى بإسرائيل، في قوله، إنه يريد أن يشارك في "حركية جماعية، تؤدي حتماً بجميع من يدافعون عن فلسطين إلى الاعتراف بإسرائيل".
