هل يعيد ترامب إحياء أكثر المواقع الإلكترونية خطراً؟

منذ ٢ شهور ٣٤

تحوّل حفل تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة إلى مشهد قاتم عند كثيرين. فالحفل حضره أشخاص يتحكّمون في مائة في المائة من مضمون وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت الذي نستخدمه. ومع تحالف ترامب مع إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ الذي سرّح عدداً كبيراً من مشرفي المحتوى، دُقّ ناقوس الخطر أمام تهديد رقميّ عالمي.  أولى الحركات المضادة جاءت من صحيفة ذا غارديان البريطانية التي توقفت عن النشر على منصة إكس، وتبعتها صحف أخرى مثل لوموندالفرنسية، بعد تولي ترامب الرئاسة.

تحالف ترامب مع رؤساء شركات التواصل الاجتماعي لا يقف عند حدود الإنترنت التقليدي، بل يمتد إلى أبعاد أكثر غموضاً. من أبرز مظاهر ذلك، عفوه عن روس أولبريخت الذي حُكم بالسجن مدى الحياة عام 2015 بسبب تأسيسه موقع "طريق الحرير" (Silk Road)، وهو منصة تسوق على "الإنترنت المظلم" لبيع الأسلحة والمخدرات وحتى خدمات القتلة المأجورين. القرار الذي أثار جدلاً كبيراً يُظهر مساعي ترامب للسيطرة على الإنترنت التقليدي والعميق معاً، خصوصاً مع إطلاقه عملة رقمية خاصة به.

ما يلفت النظر أن العفو عن أولبريخت لم يكن قراراً عشوائياً، بل جاء في سياق سياسي-اقتصادي. فمنذ سنوات، تُثار النقاشات حول مدى تأثير العملات الرقمية على الاقتصاد التقليدي، وكيف يمكن استخدامها أداةً للابتعاد عن تدخل الدول. وأما ما يخص ترامب الذي يسعى دائماً إلى استغلال كل فرصة لتعزيز شعبيته بين شرائح معينة من المجتمع، فكان هذا القرار خطوة ذكية لجذب أنصار الاقتصاد الحر.

بعد إطلاق سراح أولبريخت، تجاوز سعر عملة بيتكوين حاجز 100 ألف دولار، ما أثار تكهنات بأن هذه الخطوة كانت تهدف إلى رفع قيمة العملات الرقمية، التي لطالما ارتبطت بالمعاملات غير القانونية على "طريق الحرير". خلال فترة سجنه، استُخدمت بعض عملات بيتكوين التي كانت بحوزة أولبريخت لتسوية القضايا الجنائية المرفوعة ضده، مما يضيف بُعداً اقتصادياً لقرارات العفو. كذلك، إطلاقُ ترامب عملته الرقمية الخاصة يجعل من الصعب تجاهل العلاقة بين القرار ومخططاته الاقتصادية المستقبلية.

هذا التحرك قد يكون أيضاً محاولة لترسيخ فكرة أن الاقتصاد الرقمي هو المستقبل، وأن العملات الرقمية يمكن أن تكون أداة للتحرر من القيود التي تفرضها الحكومات والبنوك المركزية. لكن هذا التوجه يثير مخاوف كبيرة حول التنظيم والرقابة، خاصة مع تصاعد الجرائم الإلكترونية المرتبطة بالعملات الرقمية.

أولبريخت يُصوّر أحياناً بأنه مجرم، بسبب التهم التي تتعلق بانتهاكات ضد الأطفال وتجارة السلاح والرقيق الأبيض. لكنه أيضاً يُقدم في بعض الأوساط رمزاً اقتصادياً يدعو إلى تحرير الأسواق من تدخل الدولة، وهو منظور يظهر جلياً في فيلم "طريق الحرير" (2011).

مقاربة أولبريخت للاقتصاد الحر تتماشى مع رؤية ترامب، الذي وعد أنصاره من دعاة التحرر الاقتصادي بالوفاء بتطلعاتهم. وقد عبّر عن ذلك مباشرة عندما اتصل بوالدة أولبريخت ليبلغها بالعفو، ثم كتب على منصته تروث سوشال: "تكريماً لها ولأنصار الاقتصاد الحر الذين دعموني بشدة".

يُظهر هذا القرار التناقضات التي تحيط بشخصيات مثل أولبريخت، إذ يتم تصويرهم أحياناً كأبطال فكريين وأحياناً أخرى كخارجين عن القانون. ربما أراد ترامب من خلال هذا العفو تسليط الضوء على دعمه لمبادئ الاقتصاد الحر، لكن الرسالة التي تصل إلى الجمهور تبدو معقدة وغير واضحة.

عفو ترامب عن أولبريخت جاء ضمن قرارات شملت 1600 شخصا متورطين في أحداث اقتحام الكابيتول. هذا القرار يحمل أبعاداً اقتصادية؛ إذ يسعى ترامب لتعزيز استخدام العملات الرقمية، التي تُستخدم بكثرة على "الدارك ويب".

ومع ذلك، ما زالت النظريات حول هذا القرار غير محسومة. لكن ما هو واضح أن ترامب يحاول الاستفادة من القاعدة الشعبية التي تؤمن بالاقتصاد الرقمي، حيث يرى في ذلك فرصة لتعزيز صورته قائداً يدعم الحرية الفردية. يبدو أن ترامب يحاول استمالة جميع مستخدمي الإنترنت، من رواد وسائل التواصل الاجتماعي إلى متصفحي "الويب العميق".

وراء هذه المحاولة، يظهر ربح اقتصادي مباشر للشركات، وزيادة في قيمة العملات الرقمية. لكنّ هذا التحرك يدفع باتجاه نموذج اقتصادي يضعف دور الدولة في تنظيم المال والأفكار، ويُعزّز بيئة يُديرها الربح، حيث تتداخل الدعوات المسلحة، ونظريات المؤامرة، وحركات مناهضة الحقائق العلمية.

في النهاية، سواء من خلال رفع السرية عن وثائق حساسة مثل اغتيال الرئيس جون كينيدي، أو تعزيز نظريات الأرض المسطحة، يبدو ترامب مصمماً على استثمار الفوضى الرقمية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، تاركاً العالم أمام مشهد أكثر تعقيداً من مجرد سيطرة على الإنترنت.

قراءة المقال بالكامل