هيلين دي بوفوار.. سيرة "المرأة المحطَّمة"

منذ ٢ شهور ٥٧

في عام 1967، أصدرت "دار غاليمار" 143 نسخة فقط من كتاب "المرأة المحطَّمة" للكاتبة والمُنظّرة الفرنسية سيمون دي بوفوار، وسط تخوّفات من أن يُتَّهم الناشر بمحاولته قلب النظام الاجتماعي آنذاك. لم يكن الكتاب مجرّد قصص تطرح ثلاثة نماذج نسائية تواجه المجتمع والسلطة وتقدّم العمر، بل تضمّن ستّة عشر رسماً لشقيقتها هيلين التي حُجبت رغم أصالة فنّها وأفكارها.

أرادت الأختان تناول تجربة والدتهما التي أمضت حياتها في بيت العائلة في شارع رين بباريس لا تقوم إلّا بالأعمال المنزلية، مع الإشارة إلى مضامين الكتاب التي تقارن أيضاً مكانة سيمون بمكانة شريكها الفيلسوف جان بول سارتر وتعقيدات العلاقة بينهما، حيث تعكس الرسومات مشاعر إحدى البطلات التي يعترف زوجها بخيانته لها.

استغرقت رحلة البحث عن الفنّانة الفرنسية (1910 - 2001) قرابة ثلاثة أعوام من "غاليري أمار" في لندن، من أجل التحضير لمعرض "هيلين دي بوفوار.. المرأة المحطّمة" الذي يتواصل حتى الثاني من آذار/ مارس المقبل، في محاولة لإعادة الاعتبار لرسّامة كانت لها مواقف جذرية تجاه قضايا نسوية وبيئية وسياسية، وكانت غزيرة الإنتاج كذلك.

سبقت شقيقتها في مواقفها تجاه المرأة والقضايا الاجتماعية والبيئية

يُضيء المعرض سيرة مهمّشة ومنسية لهيلين دي بوفوار، منذ أقامت عام 1936 معرضها الأوّل في "غاليري جاك بونجان"، الذي شارك في تأسيسه كريستيان ديور قبل أن يتوجّه إلى تصميم الأزياء، وجذب أسلوبُها في رسم الأشكال واستخدام اللون فنّانين كثيرين، من بينهم بيكاسو الذي امتدح ضربات فرشاتها الدائرية التي تتّسم بصفة ساحرة لا يمكن إنكارها، وفق تعبيره.

ويضمّ المعرض لوحات وأعمالاً على ورق، تعود إلى الفترة بين الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي؛ حيث يلاحَظ تبنّي دي بوفوار التجريدية التعبيرية في بداياتها، وهو ما تُبرزه لوحاتها المعروضة تحت عناوين "قلعة في الألزاس"، و"عارية مع حصان"، و"وجه في مرآة بريسيه"، وهي جميعُها مرسومة بألوان زيتية زاهية وتُقدِّم أجواء مبهجة ومرحة.

لم تحظ الفنّانة بانتشار واسع لأسباب عدّة، تُوضّحها المؤرّخة الفرنسية كلودين مونتييل، التي ألّفت ستّة كتب عن الشقيقتَين، وستُقدّم محاضرة على هامش المعرض، بالقول إنّ زواجها من دبلوماسي أدّى إلى ابتعادها عن الوسط الفنّي، حيث رافقته سبع سنوات في إيطاليا، وثلاث سنوات في يوغسلافيا، وكات معه في فيينا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكنّ مونتييل تفترض، أيضاً، أنّ دي بوفوار تعرّضت لتمييز جندري طاول عدداً من مجايلاتها.

تلفت مونتييل إلى أنّ هيلين رسمت لوحات عن ثورة الطلبة في باريس في أيار/ مايو 1968، فضلاً عن تركيزها على قضايا المرأة والدفاع عن الطبيعة والبيئة، مع إيلائها اهتماماً خاصّاً بالنساء المهاجرات اللواتي فقدن كلّ شيء بعد تركهن بلادهن.

ويوضّح المنظّمون أنّ الفنّانة الفرنسية الراحلة كانت ناشطة نسوية، واصطدمت مع المجتمع أكثر من مرّة، حيث أدارت ملجأً للنساء في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، وجمعت تواقيع لقرابة ثلاثمئة وأربعين امرأة عام 1971، اعترفن أنّهن أجهضن بشكل غير قانوني.

ورغم أن مواقف هيلين دي بوفوار تجاه المرأة وقضايا اجتماعية وبيئية عديدة سبقت سيمون بسنوات، فقد بقيت تعيش في ظلال الشقيقة الكبرى، في علاقة مركّبة بينهما تخلّلها الدعم والصداقة، كما لم تخلُ من الغيرة والتنافس.

قراءة المقال بالكامل