تكثّف الدول الأوروبية مساعيها الآيلة إلى قطع مسار الهجرة غير النظامية من تونس عبر البحر الأبيض المتوسط أمام مهاجري دول أفريقيا جنوب الصحراء وترحيل العالقين منهم على الأراضي التونسية في إطار خطط العودة الطوعية. وأشارت وسائل إعلام بريطانية، اليوم الجمعة، إلى أنّ المملكة المتحدة أعلنت عن تخصيص ما يصل إلى خمسة ملايين جنيه إسترليني (6.21 ملايين دولار أميركي) من التمويل الإضافي لبرامج تعليم المهاجرين المحتملين، على أمل أن يخّفض ذلك من احتمالات خوضهم رحلات هجرة غير نظامية عبر بحر المانش.
ونقلت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية أنّ الوزير ديفيد لامي سوف يكشف عن تمويل جديد للمشاريع التي تتكفّل بها لندن في بلدان من مختلف أنحاء المنطقة، والتي من الممكن أن تجعل احتمال توظيف المهاجرين المحتملين في وطنهم أكبر. بدورها، أفادت وزارة الخارجية التونسية، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، بأنّ وزير الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية البريطاني ديفيد لامي توجّه بالفعل إلى تونس في زيارة عمل، اليوم الجمعة، الهدف منها "تعزيز علاقات الصداقة والتعاون التونسية البريطانية التي تشهد تطوّراً مطرّداً، لا سيّما منذ إبرام اتفاقية شراكة بين البلدَين في عام 2019". وأشارت الخارجية التونسية إلى أنّ هذه الزيارة "سوف تمثّل فرصة لتبادل وجهات نظر الجانبَين إزاء عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
في الإطار نفسه، أوضحت "ذي إندبندنت" أنّ لامي يلتقي، خلال زيارته تونس برفقة قائد أمن الحدود البريطاني مارتن هيويت، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي ومسؤولين آخرين، بمن فيهم قائمون على الحرس الوطني التونسي الذي يستخدم تقنية الرؤية الليلية التي طوّرتها بريطانيا من أجل تتبّع قوارب الهجرة الصغيرة في الظلام.
وتتوالى في تونس الزيارات التي يجريها مسؤولون أوروبيون والتي تتمحور حول ملفّ الهجرة غير النظامية، ووقف تدفّق المهاجرين نحو أوروبا انطلاقاً من السواحل التونسية الذي تتكفّل به خصوصاً إيطاليا ورئيسة حكومتها جورجيا ميلوني. يُذكر أنّ اتفاق شراكة شاملة كان قد وُقّع بين الاتحاد الأوروبي والسلطات التونسية في يوليو/ تموز 2023، جرى الاتفاق بموجبه على العمل من أجل دعم مقاربة مشتركة في مجال الهجرة تأخذ في عين الاعتبار فوائد الهجرة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك التقارب بين الشعوب ومعالجة الأسباب العميقة للهجرة غير النظامية.
ويوضح المتحدّث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، لـ"العربي لجديد"، أنّ زيارة وزير الخارجية البريطاني تونس وحرصه على لقاء مسؤولين أمنيين فيها يفسّران "الرغبة الأوروبية في قطع طرق الهجرة غير النظامية من خلال تونس بصورة كاملة، وفي إعادة من تبقّى من المهاجرين العالقين فيها إلى بلدانهم الأصلية". يضيف بن عمر لـ"العربي الجديد" أنّ "التعاون التونسي البريطاني في مجال الهجرة ليس الأوّل من نوعه، والمملكة المتحدة تتمسّك بالتعاون منذ عام 2023، بعد الأزمة التي عاشتها البلاد على خلفية ملفّ المهاجرين"، لافتاً إلى "عمل إيطالي على مستوى الاتحاد الأوروبي ودول الوصول، من بينها المملكة المتحدة، للتحكّم في تدفقات المهجارين التي تعبر البحر الأبيض المتوسط، لا سيّما عبر تونس".
ويتابع بن عمر لـ"العربي الجديد" بأنّ "كثيرين هم المهاجرون الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر بحر المانش، بعد اجتيازهم مسار الهجرة وافدين من بلدانهم نحو تونس ثمّ السواحل الإيطالية وباقي الوجهات الأوروبية"، ويشير إلى أنّه "سبق لبريطانيا أن قدّمت لتونس مساعدات من أجل ضبط الحدود في عام 2023، وقد وُجّهت هذه المساعدات لفائدة وزارة الداخلية لتحسين قدراتها على التصدّي لقوارب الهجرة (غير النظامية) وحراسة الحدود وإغلاق الطريق أمام المهاجرين الذين يسعون إلى العبور نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط". ويتحدّث بن عمر عن "إصرار أوروبي على معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، إذ تأتي زيارة وزير الخارجية البريطاني بعد إعلان السلطات البريطانية عن مجموعة من الإجراءات الجديدة المخطّط لها للقضاء على مهرّبي البشر".
ووفقاً لتصريح نقلته "ذي إندبندنت" عن لامي، قال إنّ "تحسين مستويات معيشة الناس في وطنهم يعني تخفيض احتمالات قيامهم برحلة محفوفة بالمخاطر إلى المملكة المتحدة"، مع تأثيرات ذلك على "إثراء العصابات الإجرامية في هذه العملية واستغلال نظام الهجرة لدينا". أضاف أنّ "الدعم والتكنولوجيا البريطانيَّين، من قبيل الطائرات من دون طيار ونظارات الرؤية الليلية، من شأنهما إنقاذ الأرواح وتخفيض مستويات الهجرة ومساعدتنا في الضغط على المسؤولين عن تهريب المهاجرين إلى المملكة المتحدة".
وأعلن وزير الخارجية البريطاني عن تخصيص مليون جنيه إسترليني (1.24 مليون دولار) لبرنامج العودة الطوعية وإعادة الدمج التابع للأمم المتحدة لإعادة الأشخاص الموجودين في تونس من دون سند قانوني إلى أوطانهم ودعم إعادة دمجهم في مجتماعهم الأصلية. وتأتي زيارة لامي إلى تونس عقب إقرار حكومة بلاده أنّ الأشخاص الذين يبيعون ويتعاملون مع أجزاء قوارب يُشتبَه في استخدامها من قبل المهاجرين لعبور بحر المانش قد يواجهون السجن مدّة تصل إلى 14 عاماً.
ويُعَدّ مسار وسط البحر الأبيض المتوسط للهجرة الذي يربط تونس وليبيا بأوروبا أحد أخطر مسارات الهجرة غير النظامية في العالم، وقد سُجّل في عام 2024 وحده مصرع أو فقدان أكثر من ألفَي مهاجر في هذا المسار. وفي المجمل، منذ بداية يناير/ كانون الثاني 2025، سُجّل نحو 50 وفاة في البحر الأبيض المتوسط، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.
