يتسبب تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في العشرين من يناير/ كانون الثاني الحالي، في إثارة المزيد من حالة عدم اليقين في ألمانيا بسبب طموحات ترامب الجيوسياسية، إضافة إلى الترجيحات بأنه قد يفرض تعريفات جمركية إضافية على دول الاتحاد الأوروبي في ظل العجز التجاري الأميركي الذي عاد وارتفع مرة أخرى. هذا الوضع يثير تساؤلات داخل ألمانيا حول ما إذا كان ينبغي على البلاد أن تستمر في الاعتماد على نجاحها في استراتيجيتها القائمة على التجارة الخارجية.
وفي مواجهة هذه التساؤلات وما إذا كانت اليقينيات ستنهار في حقبة ترامب الثانية، تفيد القراءات والردود بأن الخشية من عودة ترامب تربك العالم وليس أوروبا فقط. فقد أعرب ترامب عن نيته شراء قناة بنما، ولم يتردد في الإعلان عن رغبته في أن تصبح كندا مقاطعة تابعة للولايات المتحدة الأميركية، وأبدى اهتمامًا بغرينلاند، ما دفع الدنمارك إلى اتخاذ إجراءات تأهب لمواجهة تطلعاته. ولوّح ترامب باستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافه، وهو ما ترفضه ألمانيا بشكل قاطع. وقد أعلن المستشار أولاف شولتز أنه يقف إلى جانب الدنماركيين، موضحًا أن حرمة الحدود مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي.
وفي هذا السياق، يوضح خبراء أن ألمانيا لا يمكنها مساندة الدنمارك عسكريًا بموجب المادة 5 من معاهدة الناتو، لأن الأخيرة والولايات المتحدة عضوان في حلف شمال الأطلسي، وهذه المادة لا يمكن تطبيقها إلا إذا تعرضت دولة عضو في الناتو لهجوم من قبل دولة غير منضوية في الحلف. كما يحذر هؤلاء الخبراء من مخاطر إضافية، من بينها أن أنظمة ديكتاتورية أخرى، مثل الصين، قد تجد في تصرفات ترامب تشجيعًا لمهاجمة دول أخرى مثل تايوان بناءً على منطق "ما يحق لترامب يحق لنا".
وبالنسبة لنيات ترامب المستقبلية بفرض رسوم إضافية تتراوح بين 10% و20% على بعض السلع الأوروبية، فإن التقديرات تشير إلى أن هذه الخطوة ستؤثر سلبًا على القطاعات الاقتصادية الألمانية، مهددة بخفض الوظائف بنحو 25 ألف وظيفة. وتفيد البيانات، مثل تلك التي أوردها معهد الاقتصاد الألماني في كولونيا، بأن الرسوم الجمركية، في حال فرضها، قد تكلف الاقتصاد الألماني بين 127 ملياراً و180 مليار يورو خلال السنوات الأربع المقبلة. ومن جهة أخرى، ومع اعتزام ترامب عقد اجتماع مع بوتين لتحقيق السلام في أوكرانيا، قد تُضطر برلين إلى إرسال قوات ضمن بعثة حفظ السلام إلى كييف، ما سيُضيف أعباء مالية جديدة على الخزينة العامة.
ومع تصاعد المخاوف من أن يتبع ترامب سياسة خارجية انعزالية وربما يُنهي التحالفات الأميركية، بما في ذلك المظلة النووية لحلفاء الولايات المتحدة، ظهرت دعوات لبرلين لتطوير أسلحة نووية خاصة بها تحسبًا لاحتمال تخلي الولايات المتحدة عن حماية أوروبا. ويرى البعض أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تكون نهاية للنظام العالمي التقليدي. وفي هذا السياق، أشار الباحث في الشؤون الأوروبية كاي مورشلات، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن هناك أحكامًا واستنتاجات مسبقة حول سياسات ترامب، رغم ما تحمله من ارتباكات منهجية. وأضاف أن ترامب لديه الحق في انتقاد حلفائه بسبب إنفاقهم الدفاعي المنخفض في ظل التهديدات الأمنية غير المسبوقة التي تواجه الغرب. وأوضح أنه ينبغي أن توقظ مطالب ترامب الأوروبيين لتغيير هذا الواقع، خصوصًا أنه يطالب دول الناتو الآن بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 2% الحالية.
وبالنسبة لألمانيا، تشير البيانات إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب توفير حوالي 200 مليار يورو، ما سيؤدي إلى تقليص الدعم الحكومي للمواطنين وزيادة الضرائب، الأمر الذي ستكون له تداعيات سلبية. وتظهر الأرقام أن الإنفاق الدفاعي السنوي للفرد في دول الناتو الأوروبية وكندا يبلغ حوالي 669 دولارًا، بينما يصل في الولايات المتحدة إلى 2239 دولارًا، بفارق كبير يبلغ 300%.
وتستمر ألمانيا في مواجهة حالة من الترقب في ظل عالم يقوده ترامب، مليء بالأفكار والمطالب غير الواضحة، ومع غياب التوقعات بتعافٍ اقتصادي ملموس في الأشهر المقبلة. هذا الواقع يجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تأثير سياسات ترامب وبرنامجه على الصراعات الدولية وعلى مستقبل الاقتصاد الألماني.
