ويسألونك عن التطرّف

منذ ٢ أيام ٢١

دعت، قبل أيام، مجموعة ضغط فرنسية تحمل اسم "إلنت"، وتعمل أساساً على ترويج السياسات الاستيطانية والعدوانية للحكومة الإسرائيلية، إلى أمسية في باريس تحت عنوان "من أجل الجمهورية، فرنسا ضدّ الإسلام السياسي". ونجحت هذه المجموعة، وهي لوبي مؤثّر (يخشى الفرنسيون تقليدياً في أدبيّاتهم السياسية من مسمّى اللوبي، نتيجة نفاق سياسي واجتماعي متجذر ومستفحل في الثقافة السياسية الفرنسية)، في تجميع مجموعة كبيرة من الشخصيات المتطرّفة من مختلف الملل والنِّحل. يميناً، كان الأبرز وزير الداخلية برونو روتايللو الذي ينافس المتطرّفين اليمينيين في حزب التجمع الوطني في عدائه المصرح به للإسلام، وهو المكلف في وزارته رسمياً بأمور العبادات (...). ويمكن لمن يتابع تصريحاته ومواقفه العلنية من دون الحكم على نياته، بأن يستشعر كرهاً دفيناً لجماعة دينية محدّدة، وهو يتبنّى موقفاً عدائياً من الحجاب الإسلامي. وفي تصنيفاته العشوائية وتفسيراته المغلوطة لمعنى هذا الحجاب أو عدمه، لدى من يؤمن به أو لا يؤمن، لدى من يختاره أو من يُفرض عليه فرضاً، يكاد يُماثل، بل ويتطابق، مع موقف المتطرّفين الإسلاميين من ضرورة فرض الحجاب وحكمهم في حقّ من لا يضع الحجاب، فهؤلاء يعتبرون أن المرأة غير المحجبة ساقطة ويجوز عقابها دنيا وآخرة. ويعتبر الوزير الجمهوري المرأة المحجّبة تعمد إلى استخدام وسائل بصرية في الدعوة إلى التشدّد الديني عبر الحجاب. وبالتالي، فهو، كما أمثاله من المتطرّفين، يشير إلى أن الحجاب وسيلة دعاية سياسية، وليس خياراً فردياً لمن يضعه من دون إجبار أو فرض من سلطة دينية متشدّدة أو من مجتمع ذكوري. ورغم أن هذا الوزير هو نظرياً سليل المدرسة اللائكية الفرنسية التي تفصل، صراحة وبقانون، الدين عن الدولة، بالاتجاهين وليس باتجاه واحد، إلا أنه متأثّر بشدّة بمعلمه الروحي، الوزير السابق واليميني المتطرّف فيليب دوفيلييه، الذي تُخصّص له قناة سي نيوز، الفاشية بامتياز، برنامجاً أسبوعياً لينفث من خلاله سمومه بحقّ المسلمين، ويغلب على برامج هذه المحطة الرغبة في حصر أزمات البلاد الاقتصادية والأمنية والثقافية بوجود مهاجرين إليها، وخصوصاً المسلمين منهم. ومن جديد إبداعاتها أنها عزت فقدان مادة البيض من الأسواق بضعة أيام إلى حلول شهر رمضان وتخزين المسلمين لها لصنع الحلويات، وسبق لها أن أشارت إلى مسؤولية المهاجرين عن جلب بعض الحشرات. وقد عمل الوزير روتايللو أخيراً على منع المحجّبات من خوض المنافسات الرياضية. وفي هذا، هو يسعى في اتجاه حركة طالبان وتنظيم داعش لمنع المرأة في أن تخرج من دارها وتمارس الرياضة، إنه تحالف الجهل المقدّس.

وزيرٌ آخر شرّف الحفل المعادي للإسلام وللمسلمين، الذي تنظمه مؤسسة داعمة لإسرائيل، هو إيمانويل فالس. وهو شخصية مسطّحة المعرفة، تقلّب بين يسارٍ تقليدي حينما كان رئيساً للوزراء في حكومة فرانسوا هولاند، ليترشّح لمنصب عمدة برشلونة الإسبانية حيث أصوله، سأماً من عدم لعبه أي دور في المشهد الفرنسي. ووصولاً إلى تأسيس تجمّع معادٍ للسلمين تحت مسمّى "الربيع الجمهوري". ومن إعجازاته الفكرية أنه اعتبر العداء للسامية أمراً متجذّراً في الثقافة العربية والإسلامية. فالس هذا، أوصله نفاقه وتزلفّه لمن حكم من اليمين ومن اليسار، ليكون في الحكومة الحالية وزيراً يملأ حقيبة مهمة، إدارة الأراضي الفرنسية في المستعمرات السابقة. وقد عبّر أكثر من مرّة عن قدرته الجبّارة في تجاوز عنصرية اليمين المتطرف باتجاه أكثر تطرّفاً حينما يتعلق ذلك بكراهية الإسلام والمسلمين. هو نموذج كاريكاتوري لرجل سياسة يتطرّف في علمانيته الكاذبة، التي تنحصر كلها في بوتقة الرُّهاب من الإسلام بحجّة مواجهة الإسلام السياسي.

اعتبرت وزيرة فرنسية سابقة "فرنسا ضعيفة ويمكن لها أن تسقط في فخّ الإسلام"

كان واضحاً ربط منظمّي هذا "الاحتفال" بمواجهة حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلي لأهالي غزّة وإبادتهم، فقد قال الداعي إليه ومنظمّه، أرييه بن سمحون، إنه مُهدى إلى المختطفين الإسرائيليين لدى حركة حماس، وإن على فرنسا أن تستيقظ أمام الخطر المشترك الذي تواجهه هي وإسرائيل وهو الإسلام. عفواً، هو لم يقل ذلك بصراحة، بل أشار إلى الإسلام السياسي، وهذا مفهوم واسع غير دقيق التعريف يلجأ إليه كل من يرغب بتمييع عنصرية الرجل الأبيض المتوارثة من حقبة الاستعمار، مضيفاً إنه "ليس من الضروري أن تكون يهودياً، بل يكفي أن تكون فرنسياً، حتى يشير إليك الإسلام السياسي أنك عدوّ له"، وبالتالي، يقدّم بن سمحون فرنسا شريكاً في المقتلة الفلسطينية.

امتلأ الاحتفال بعبارات منفلتة من نصوص العنصرية من دون أي وجل وتحت مسمّى "قيم الجمهورية"، فقد اعتبرت وزيرة سابقة "فرنسا ضعيفة ويمكن لها أن تسقط في فخ الإسلام"، وأضافت إن "النضال ضد الإسلام السياسي معركة حياة أو موت. إما نحن أو هم" (...). وجرؤ سفير فرنسي سابق في تل أبيب على القول "يسعى الفلسطينيون لأن يكونوا ضحيةً ولاجئين. وهم يقلدون الحقّ اليهودي بالعودة إلى إسرائيل التاريخية بالحديث عن حقهم بالعودة، كما يلزمهم غيتو كاليهود سابقاً، فكانت غزّة. ولم ينقصهم إلا الجينوسيد (الإبادة)، ما جعلهم مع حلفائهم من اليساريين يسمّون حقّ إسرائيل بالدفاع عن نفسها إبادة جماعية"، ويسألون: عن سبب التطرّف بعد كل ما ورد؟ عجب!

قراءة المقال بالكامل