َمَن يوقف اندفاع الهند نحو الحرب؟

منذ ١٣ ساعات ٢٥

بينما كانت أنظار العالم متّجهة إلى جولات التفاوض حول أوكرانيا، وإلى مفاوضات أميركية (مماثلة) لنزع التوتّر الشديد مع إيران، وبينما كان العالم يأخذ علماً باستمرار حرب الإبادة في غزّة مع مفاوضات بطيئة وماراثونية يتولّاها الوسطاء المصريون والقطريون والأميركيون... في هذه الاثناء، وفي يوم 22 من إبريل/ نيسان الماضي، شهد الجزء الهندي من كشمير، ومن غير مقدّماتٍ تذكر، حادثةً إجرامية سقط معها 26 سائحاً هندياً، في أحد وديان المنطقة وعلى بعد مئات الكيلومترات من الحدود مع باكستان. سارعت الهند إلى اتهام باكستان بالحادث، وطردت عدة دبلوماسيين، وأغلقت المجال الجوي الهندي أمام الطائرات الباكستانية، وهدّدت بوقف العمل باتفاقية نهر السند الموقّعة عام 1960، وهو ما ردّت عليه إسلام أباد بالمثل داعيةً خلال ذلك إلى عدم المساس بالاتفاقية، وإجراء تحقيق محايد بما حدث، مع تصريحات باكستانية رسمية تفيد بأن الحادث الذي لم يتنبّه إليه أحد مُفتعل من الجارة اللدودة الهند. وقد سادت خلال الأيام العشرة الماضية أجواء حربية بين الجانبَين، خاصّة مع تسهيلهما عودة أبناء البلدَين (كلّ إلى بلده)، إضافة إلى إطلاق نار متقطّع.

والانطباع الذي يتعيّن المجاهرة به حول هذه المستجدّات أن الجريمة التي وقعت، على بشاعتها ووجوب إدانتها ومحاسبة مرتكبيها، فإنها تستحقّ ردوداً أخرى، وليس الانزلاق إلى التهويل وإشاعة أجواء حربية، إذ كان يمكن الاكتفاء بإجراءات "عقابية" محدودة مع المضي في التحقيقات ونشر نتائجها، وما يحدُث يدلّ على أن هناك (في نيودلهي) قراراً مسبقاً بخوض الحرب، وأن هذا الأمر ان يتطلّب ذريعةً أو تبريراً لوضعه موضع التنفيذ، فلم يشهد ربع القرن الماضي حرباً بين الجانبَين بعد ثلاث حروب سابقة، رغم وقوع مناوشات وعمليات تسلّل متفرّقة، وكان الظنّ (وما زال) أن البلدَين النوويَّين ينوءان بتحدّياتٍ اقتصادية واجتماعية جسيمة، وأن آخر ما يحتاجانه هو الحرب بينهما. لذلك، سارعت دول كبرى وإقليمية إلى دعوة الطرفَين إلى ضبط النفس والحوار المباشر، وعرضت بعض الدول الوساطة بين إسلام أباد ونيودلهي. ومن المثير للاهتمام أن الأجواء الحربية قد ألهبت أوساط الرأي العام في البلدَين، إذ سارع أكبر أحزاب المعارضة الهندية (المؤتمر) إلى إعلان وقوفه إلى جانب حكومة بلاده، وكذلك فعلت حركة أنصاف في باكستان، التي يقبع زعيمها عمران خان وراء القضبان، فأعلنت الالتفاف حول الحكومة في مواجهة خطر الحرب. لا أحد يدعو إلى التهدئة واللجوء إلى التفاوض في البلدَين، وإذا كانت هناك أصواتٌ في هذا الاتجاه فإنها غير مسموعة، إذ يشتمل الجفاء المتبادل على ذخيرة ثقافية، ويتأسّس بالنسبة إلى الهند على جرح الانفصال الباكستاني عام 1947 عن شبه القارة الهندية. أمّا في الباكستان، فإن المشاعر الوطنية الاستقلالية لم تحمل الودّ منذ البداية نحو الجار الكبير، وخلال العقدَين الماضيَين، تزايدت عوامل النفور في الهند نحو الجار الباكستاني "المنشقّ"، مع صعود الربط بين القومية الهندية والمعتقدات الهندوسية ونعت المسلمين (نحو 200 مليون نسمة) هناك بأنهم باكستانيون أو في حُكم ذلك، علاوةً على سريان مقولة "الحرب ضدّ الإرهاب"، التي تعني في الهند الحرب ضدّ الجهاديين المسلمين. أمّا في باكستان، فإن الهُويَّة القومية تمتزج بالدينية، وكما ينبئ الاسم الرسمي "جمهورية باكستان الإسلامية".

من الواضح أن نيودلهي تسعى إلى لعب دور مهيمن في منطقتها وبالتعاون (ما أمكن ذلك) مع واشنطن للضغط على الصين، وتحجيم باكستان

وإذ تشكّل هذه الاختلافات التكوينية جذراً لحالة النفور المتبادل، فإن التنافس المحموم بين البلدَين يتغذّى من سباق التسلّح، ومن التموضع الجيوسياسي للبلدَين، وتتمتّع الهند بمروحة علاقات واسعة تضمّ على الخصوص الولايات المتحدة وروسيا ودولاً غربية عديدة، إضافة إلى إسرائيل، مع نفوذٍ كبيرٍ في جنوب شرق آسيا، وعلاقات وطيدة مع دول الخليج، وتحظى باكستان بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة رغم بعض الاهتزازات، وعلاقة وثيقة ومتنامية مع الصين ذات الحضور القوي من خلال مشروع طريق الحرير، ومع تركيا وإندونيسيا ودول في آسيا الوسطى وعلاقات واسعة وثابتة مع دول الخليج العربي، كما هو حال الهند. وبينما يمثّل الفضاء الإسلامي المجال الرئيس للحضور الباكستاني في العالم، إضافة إلى علاقات عادية مع بقية دول العالم (لا تشمل إسرائيل)، فإن الهند تبدو ذات مطامح سياسية أكبر، مستفيدةً من حجمها الديموغرافي الكبير، واتساع رقعة مساحتها، وقدراتها التصنيعية في مجال الآلات والأسلحة والأدوية والكيماويات والإلكترونيات وصناعة السينما، مع وجود جاليات هندية كبيرة في آسيا ودول الغرب، وثمّة تحالف رباعي يضمّ الولايات المتحدة والهند مع أستراليا واليابان، يعرف بـ"التحالف الأمني الرباعي" (كواد)، الذي يعتبر من أهم تحالفاتها الأمنية في منطقة المحيطَين الهندي والهادي. فيما تنشط باكستان داخل منظّمتَي شنغهاي والتعاون الإسلامي.

التنافس المحموم بين الهند وباكستان يتغذّى من سباق التسلّح ومن التموضع الجيوسياسي للبلدَين

لا يفسح رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي فرصةً لمعالجة سياسية للأزمة، فهو يشدّد، بصورة علنية، على تأهّب جيش بلاده لخوض مواجهة عسكرية "ساحقة"، بما يجعل من هذا المحذور مسألة وقت (وربّما يقع مع نشر هذا المقال). ومن الواضح أن نيودلهي تسعى إلى لعب دور مهيمن في منطقتها وبالتعاون (ما أمكن ذلك) مع واشنطن للضغط على الصين، وتحجيم باكستان، ومنعها من التعامل بندّيةٍ مع الهند التي قد تسعى إلى الاستيلاء على الجزء الباكستاني من كشمير (نحو ثلث مساحة الولاية)، علماً أن أغلبيةً مسلمةً تقطن الولاية، وسبق لمودي أن حرم الجانب الهندي من الولاية من التمتّع بالحكم الذاتي، في مسعىً واضحٍ للسيطرة على تجمّعات المسلمين، في سياق الحملة الرسمية لإضعاف مكانة هذا المكوّن في الفضاء العام، وفي تسيير أمور البلاد.

في هذه الظروف التي تشهد تمرّداً على قواعد العلاقات الدولية، وشنّ حروب دموية من دون بذل جهدٍ لإيقافها ولا حتى لإدانتها، منذ شنّت روسيا ضغوطاً عسكرية على جورجيا وشنّت حربها على أوكرانيا، إلى إشعال الحرب على غزّة وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، تبدو هذه الظروف مواتيةً كي تُشعل حكومة مودي حرباً ولو محدودةً ضدّ الجار الباكستاني، ومن ورائه الصين، التي دارت معها مناوشات عسكرية في العام 2020، لإرساء وقائع ومعادلات قوة جديدة، وهو ما سوف يثير حفيظة الصين التي لم تتمتّع بالثقة في قدراتها من قبل كما تتمتع بها هذه الأيام في صراعها مع إدارة ترامب.

قراءة المقال بالكامل