كشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق (منظمة غير حكومية)، عن تجاوز عدد الأحزاب في بلاد الرافدين عدد مقاعد مجلس النواب في الوقت الحالي، في دلالة على زخم كبير لتشكيل الأحزاب والكيانات بغية المشاركة في العملية السياسية. ورغم العدد المرتفع والذي قد يرتفع أيضاً خلال الفترة المقبلة، إلا أن معظم هذه الأحزاب بلا جماهير ومناصرين لها على أرض الواقع، ولا تمثل وسيلة للتربح السياسي والضغط للحصول على مكاسب من الدولة العراقية، وفق تفسيرات لمراقبين.
وذكر المحامي حازم الرديني، نائب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، أن "عدد الأحزاب المسجلة رسميا في دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية بلغ 333، وهناك أكثر من 50 حزباً قيد التأسيس، وهو أكبر من عدد أعضاء مجلس النواب العراقي والبالغ 329 عضواً".
وطالب الرديني بضرورة "إجراء تعديل على قانون الأحزاب بعد مرور عشر سنوات من التطبيق، على أن يتضمن سحب إجازة الحزب المسجل لدى دائرة الأحزاب إذا لم يشترك بعمليتين انتخابيتين، لأن الغاية من تأسيس أي حزب هو المشاركة في العمليتين السياسية والانتخابية". كما دعا المحامي العراقي إلى إلزام الأحزاب بأن تكون لها مقار في أكثر من محافظة لضمان جدية العمل، وضرورة متابعة أعمال الأحزاب المسجلة بشكل دوري وأهمها خطابها السياسي الذي يحرض في أغلب الأحيان على مقاطعة الانتخابات والعملية السياسية.
ويشير مراقبون إلى أن معظم هذه الأحزاب هي أجنحة سياسية تُضاف إلى قائمة أوراق قادة الصف الأول في العملية السياسية، وهي غرف تتبع للأحزاب التقليدية والدينية الحاكمة في البلاد. فيما يشرح آخرون أن أغلبية العناوين المدنية للأحزاب المسجلة حديثاً تتبع للأحزاب التقليدية، وهي وسيلة مألوفة وليست جديدة للحصول على أصوات إضافية في الانتخابات المقبلة، المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني، ومحاولة للالتفاف على شرائح رافضة للوجوه القديمة والأحزاب التي تناوبت على السيطرة على الحكومات بعد عام 2003، وبرغم هذه الجهود والحيل، إلا أن معظمها سرعان ما ينكشف من خلال مواقفها أو تحركاتها وتحالفاتها.
تحالفات معروفة
لكن في المقابل، تجد شخصيات مؤيدة للوضع السياسي وقريبة من الحكومة الحالية أن تسجيل هذا العدد من الأحزاب يُشير إلى "التعددية الحزبية والحياة السياسية المفتوحة لجميع العراقيين"، وهو ما يقوله مستشار الحكومة العراقية عائد الهلالي. لكن نشطاء يجدون أن وجود نحو 400 حزب في العراق يدفع باتجاه ضرورة توجيه سؤال التمويل لهذه الأحزاب، ولا سيما أن تسجيل حزب واحد في العراق يكلف نحو 70 مليون دينار عراقي (حوالي 53 ألف دولار أميركي).
وقال الهلالي لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يعد من أكثر دول المنطقة من ناحية تسجيل الأحزاب السياسية، وحتى لو أن الحزب غير مؤثر على المستوى الشعبي أو الاجتماعي وحتى السياسي، فإن سهولة الإجراءات في تسجيله تؤكد على مبادئ الديمقراطية في المشاركة بالعمل السياسي وصولاً إلى منافذ الحكم في البلاد"، مؤكداً أن "معظم هذه الأحزاب يصل في النهاية إلى حالة التحالفات المعروفة، سواء قبل الانتخابات أو بعدها، وهي الحالة المعمول بها في البلاد".
وأكمل أن "تسجيل الأحزاب في العراق بهذا العدد يؤكد الرغبة الجماعية في الاشتراك بحكم البلاد ويشرح المسؤولية الاجتماعية التي يتحلى فيها العراقيون، خصوصاً في ظل الارتفاع السكاني الكبير والطاقات الشابة في مواكبة التطورات السياسية"، معتبراً أن "التعددية السياسية تشرع الكمية الوفيرة من الأفكار، لكن في النهاية ومن جراء المشروعية الشعبية تصل الحالة العراقية إلى نوعية سياسية فريدة، وهو أمر إيجابي بكل تأكيد".
ديمقراطية "شكلية"
من جهته، بيَّن الناشط السياسي علي الحجيمي أن "ما يحدث في العراق يمكن تسميته بالديمقراطية الشكلية، أي أن المسؤولين والمشرفين ومدراء النظام السياسي في العراق يمنحون الفرصة للشباب والنخب لتسجيل الأحزاب والمشاركة الصورية بالحياة السياسية، بل والمشاركة في الانتخابات، لكن عدداً قليل جداً من الأحزاب هو الذي يتمكن من الحكم، وهي الأحزاب ذاتها التي تسيطر على البلاد، التي لا يتجاوز عددها 15 حزباً". وأوضح الحجيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب الحاكمة معروفة وهي جاثمة على صدور العراقيين ولا تقبل التنازل عن وجودها، وما تسجيل الأحزاب الجديدة إلا لأمرين، إما لأن هذه الأحزاب تتبع للأحزاب التقليدية نفسها، أو أنها أحزاب وطنية لكن فرص نجاحها ضئيلة جداً".
بدوره، وجد الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي أن "معظم الأحزاب العراقية سواء الجديدة أو القديمة بلا قواعد جماهيرية حقيقية في البلاد، وبالتالي فإن فرص التغيير في ظل وجود السلاح المهيمن على المشهد العام ضعيفة"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الفترة المقبلة ستشهد ولادة أحزاب جديدة، لكن المشكلة بنيوية فيها، وهي أن هذه الأحزاب انطلقت من وجهات نظر سياسية من ناشطين سياسيين ورجال أعمال، من دون الاهتمام بتكوين العلاقة مع المجتمع".
وخلال الأسابيع الماضية، أعلن من العاصمة بغداد ومحافظات أخرى تأسيس أحزاب عدة، آخرها كان حزب الاستقلال الوطني بقيادة عضو مجلس النواب سجاد سالم. وذكر سالم في بيانه التأسيسي أنه "يلتزم ببناء دولة حديثة، تقوم على ضمان الحقوق والحريات، وترسيخ قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية، والابتعاد عن كل أشكال الطائفية والفساد"، مبيناً أن "الاستقلال ليس مجرد تنظيم سياسي جديد، بل هو تعبير حيّ عن إرادة فئات واسعة من العراقيين الذين سئموا الاستبداد السياسي والتهميش والتبعية".
وشهد العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، خمس عمليات انتخاب تشريعية، أولاها في عام 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقل من عام)، والأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وتمّ اعتماد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في النسخ الأربع الأولى، والانتخابات الأخيرة في عام 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعددة، بعد ضغط قوي من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل الذي كان يعارضه الإطار التنسيقي.
