ارتفعت أسعار القهوة بنسبة تقارب 60% خلال الأشهر الستة الماضية، ووصل سعر حبوب "أرابيكا" المعروف إلى أعلى مستوى له في 50 عاماً، ما أثار مخاوف بشأن التأثير المحتمل على هوامش ربح سلاسل المقاهي الكبرى حول العالم مثل ستاربكس وتيم هورتنز، بالإضافة إلى زيادة الطلب من قبل المستهلكين للاستهلاك المنزلي والمكتبي. وذلك وفق تقرير حديث لموقع "إنفستنغ.كوم". وفي حين توقع تجار وخبراء أن تخفّ الضغوط السعرية قصيرة الأجل في أسواق القهوة العالمية، يتوقع محللون أن تظل أسعار القهوة أعلى من متوسطاتها التاريخية على المدى الطويل، إذ تتنبأ شركة بيرنشتاين للتحليلات المتخصصة بأن أسعار القهوة قد تظل أعلى من المتوسطات التاريخية على المدى الطويل.
وتعد أرابيكا التي تشهد قفزات في سعرها هي الأعلى على مدى نصف قرن واحدة من أكثر أنواع القهوة شعبية حول العالم والأكثر استخداماً، وتستخدم لصنع مشروبات الإسبريسو واللاتيه والكابتشينو، ونكهتها ورائحتها الفريدة تجعلها المفضّلة لدى عشاق القهوة. وتزرع حبوب أرابيكا في دول عدة منها إثيوبيا وكولومبيا والبرازيل وغواتيمالا، كما أن قهوة أرابيكا هي نوع من حبوب البُن تزرع على ارتفاعات عالية وفي مناخات أكثر برودة. وتحتوي على نسبة كافيين أقل من الأنواع الأخرى من حبوب البن، ولكن لها نكهة أكثر تعقيداً وغالباً ما يكون مذاقها أكثر حلاوة من وجهة نظر عشاق القهوة والمستهلكين.
وتشهد صناعة القهوة العالمية، التي يبلغ استهلاكها السنوي حوالى عشرة ملايين طن، نمواً بمعدل 2% سنوياً، لكن الإنتاج تراجع بقوة خلال العام الماضي 2024، إذ شهدت البرازيل، المسؤولة عن توفير حوالى 40% من إنتاج القهوة في العالم، تأثر إنتاجها بظروف جوية قاسية، بما في ذلك الجفاف وارتفاع درجات الحرارة. وبالمثل، واجهت فيتنام وإندونيسيا وآسيا مشاكل مناخية أدت إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 20% في الدولة الأولى في عام 2024 وانخفاض بنسبة 16% في الدولة الثانية. ووفق التقرير، أدت هذه العوامل، إلى جانب تزايد استهلاك القهوة وانخفاض مخزونات المستودعات بنسبة 20%، إلى ارتفاع الأسعار.
ويعتقد محللو شركة بيرنشتاين للتحليلات أن ارتفاع الأسعار الحالي للقهوة حول العالم قد يشجع المنتجين على زيادة الإنتاج في مواسم الحصاد القادمة، وأنّ تزايد الضغوط الاقتصادية الكلية قد يُقلل الطلب مع بحث المستهلكين عن بدائل. علاوة على ذلك، قد يُخفّض وضوح اللوائح الجديدة المتعلقة بإزالة الغابات علاوة المخاطر التي يُؤخذ بها حالياً في الاعتبار عند تحديد أسعار القهوة من تجار السلع. ويقول التقرير، "تُشير التوقعات طويلة الأجل إلى أن الأسعار ستظل مرتفعة بسبب آثار تغير المناخ، وتشديد قوانين إزالة الغابات، وارتفاع تكاليف الإنتاج، بما في ذلك تكاليف العمالة".
وأوضح محللون بشركة التحليلات بقيادة دانيلو غارغيولو: "أنّ زيادة اللوائح المتعلقة بإزالة الغابات واستخدام الأراضي ستؤدي أيضاً إلى تقليص المساحات المناسبة لزراعة القهوة، كما أن تزايد الحمائية وارتفاع تكاليف الإنتاج (وخاصةً تكاليف العمالة) سيُسهمان في الضغط على الأسعار".
وتاريخياً، كان لسهم ستاربكس ارتباط سلبي قوي بأسعار القهوة، لكن هذه العلاقة ضعفت منذ جائحة كوفيد-19 بسبب تغيّر ديناميكيات العرض والطلب، والعقبات التشغيلية، وتراجع الاعتماد على مبيعات القهوة، كما أدّت الارتفاعات الحادة في أسعار القهوة إلى تقليص هوامش الربح، ما أدى أحياناً إلى تعديلات في الأسعار.
وتعد القهوة أحد أكثر المشروبات استهلاكاً في العالم، وفي حين قد يظنّ كثيرون أن أميركا هي السبب الرئيسي وراء ما يحظى به مشروب القهوة من شعبية، بفضل انتشار مقهى "ستاربكس" وغيره من المقاهي الأميركية الشهيرة في جميع أنحاء العالم، إلّا أن الأمر ليس كذلك، إذ تُعدُّ فنلندا أكثر دول العالم استهلاكاً للقهوة من حيث نصيب الفرد الواحد الذي يبلغ نحو 11.7 لتراً سنوياً، كما تحل النرويج في المركز الثاني، إذ يشرب المواطن هناك ثلاثة أكواب قهوة يومياً في المتوسط، ويبلغ استهلاك الفرد هناك لمشروب القهوة نحو عشرة لترات سنوياً، ويأخذ النرويجيون استراحات عمل عديدة من أجل تناول القهوة، وتحظى القهوة بشعبية كبيرة هناك لبرودة الجو.
ووفق تصريحات هيلين ديكنسون، الرئيسة التنفيذية لاتحاد التجزئة البريطاني، فإنّ الارتفاع العالمي في أسعار القهوة قد يؤدي إلى زيادة تكلفة وجبة الإفطار في دول عدة في الأشهر المقبلة، وبداية مارس الجاري، أشار محللون في بنك رابوبنك الهولندي إلى أنّ الأسعار القياسية الأخيرة للقهوة جاءت بعد زيادة بنسبة 90% العام الماضي، وأوضحوا أن الحرب في الشرق الأوسط ساهمت في رفع التكاليف، إذ اضطرت السفن التجارية إلى تغيير مساراتها والالتفاف حول أفريقيا وعبر رأس الرجاء الصالح بدلاً من استخدام الطرق الأقصر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة النقل والشحن.
