فيلم Kix الصادر نهاية عام 2024 وثائقي استثنائي، خرج إلى النور نتيجة جهد مشترك بين المخرجين بالينت ريفيز وديفيد ميكولان. بدأ ريفيز حياته السينمائية، عندما كان طفلاً، بالتمثيل، وانتقل بعدها إلى الإخراج والإنتاج، فأسس شركة Gallivant Film. حصد فيلمه الوثائقي Granny Project الصادر عام 2017 إعجاباً دولياً ونال جوائز عديدة، أما ميكولان الذي بدأ مسيرته الفنيّة على ألواح التزلج وهو يستمع إلى موسيقى البانك، فإن Kix أول عملٍ له.
بدأ ميكولان التصوير في سن الـ21، وكان ما زال يدرس السينما في بودابست. أتت ولادة الفيلم عفويّة، إذ جاء إثر لقاء حدث صدفة بين ميكولان والطفلين سانيي وشقيقه فيكتور في ساحة بوراروس في بودابست. دام تصوير الفيلم 12 عاماً، قدم لنا رحلة ملحمية لطفولة سانيي ونموه إلى مرحلة البلوغ. فيلم Kix هو نوع من أفلام Up؛ السلسلة الوثائقية البريطانية الشهيرة التي بدأت في عام 1964، وتتتبع حياة 14 طفلاً. وكما في سلسلة Up، نعلم في Kix منذ البداية أن الحياة لن تكون موفقة لبعض الشخصيات.
يعيش سانيي وفيكتور في ظروفٍ صعبة في بودابست. نتابعهما عبر صورة متباينة الجودة وأصلية عن نشأتهما في ظل بيئة محفوفة بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية. حياتهما في شقة ضيقة مع والديهما وجدّتهما، تجبرهما على تقاسم سرير واحد فقط. على الرغم من وجود تلميحات للعنف المنزلي، فإن الفيلم لا يكشف عنها صراحة، ما يترك للمشاهدين مساحة لتخيل ما يوجد خارج الكادر. تتجلى براعة الإخراج في كيفية عرض هذه الحياة الواقعية، من دون أن نصبح متلصصين على مشاعر الشخصيات.
يتمثّل ذكاء المخرجين، ميكولان وريفيز، في كيفية تعاملهما مع أبطال الفيلم، فهما يصادقان ثلة الشباب بسرعة، ويصبحان جزءاً عضوياً منها، ما يسمح لهما بالتصوير العفوي في بيئتهم الطبيعية بكل ما تحمله من عدوانيّة. تسبح الكاميرا بسلاسة على الكرسي المتحرك البطيء، وتنتقل إلى ألواح التزلج السريعة، ما يعكس لنا تموجات حياة سانيي وتغيراتها. وفي اللحظات الشعريّة، مثل الغوص البطيء في المياه الباردة، تُلتقط الطفولة بكامل سحرها العابر، وتتركنا نستغرق في تأملها.
في منتصف الفيلم، يقفز السرد بضع سنوات إلى الأمام، إلى سنوات المراهقة تحديداً، ما أتاح لنا متابعة أعمق للتحولات الرئيسية في حياة سانيي وفيكتور، مثل ولادة الأخت الجديدة، وأعمال التجديد التي يفرضها مكتب رعاية الشباب على أسرهما تحت تهديد مصادرة الأطفال.
ينمو سانيي ليصبح شاباً وسيماً وواثقاً من نفسه. نرى ندوباً وحروقاً على ذراعيه وتغيّر بنيته الجسديّة. هنا، تظهر قوة الفيلم في تصويره الآثار النفسية والاجتماعية للنشأة في بيئة غير مستقرة، إذ تُربط كل النهايات المشتتة معاً، من خلال الصورة البريئة لخط من الطباشير الذي رسمه سانيي في شوارع بودابست.
يقدم Kix رؤية قاتمة لواقع الحياة في المجر الشموليّة، فالاهتمام بحياة البشر أصبح معدوماً. ومع تقدم الفيلم، يهدأ عمل الكاميرا، هنا تأتي المقايضة الأبدية بين عنفوان وحرية سانيي، وتقبل المجتمع له كفرد من أفراده. قصة بلوغ سن الرشد تنقل لنا شعور الخسارة واليأس بطريقة غير وعظية أو متسلطة، تلك التحديات والمشاغبات الصغيرة تحولت إلى كارثة، بعد أن تسبب سانيي وصديقه بحريق أودى بحياة أب لأربعة أطفال، ما أدى إلى محاكمتهما في نهاية العمل بالسجن سبع سنوات.
بالينت وميكولان يقدمان العمل وثيقة شاهدة على قوة السينما في نقل القصص الإنسانيّة العميقة، والموسيقى التصويريّة المتنقلة بين الكلاسيكيّة والبانك تعزّز من إيقاع الفيلم، وتضيف بعداً لتجربة المشاهدة الأصيلة، تلك التجربة التي لا تفضِّل العاطفة على القيمة الفنيّة، ولا تفصلنا نفسياً عن بطل العمل الذي يقدم لنا تجربته الصعبة بكل ما تحمله من إرادة.
