لا يزال التونسيون يقضون ساعات أمام مراكز التزوّد بالغاز المنزلي على أمل الظفر بأسطوانة غاز، رغم تواتر التصريحات الرسمية بقرب انتهاء الأزمة وعودة التزويد إلى مستوياته العادية، بعد توريد شحنات إضافية من الغاز المسال. ومنذ نحو شهر، تستمر في تونس أزمة نقص غاز الطهي، ما يجبر المواطنين على رحلات بحث طويلة وشاقة من أجل تعبئة قواريرهم أو الانتظار أمام محال المزوّدين مشكّلين طوابير طويلة، بينما تضطر السلطات الأمنية للتدخل من أجل تنظيم عمليات التوزيع والبيع، أو مرافقة عربات نقل الأسطوانات التي تتعرض لمحاولات الاعتراض.
وتناقل التونسيون على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر محاولة مواطنين اعتراض الشاحنات وإجبار السائقين على التوقف من أجل تزويدهم بالأسطوانات. وسجّلت عدة محافظات في البلاد نقصًا حادًا في قوارير الغاز المنزلي الذي يُستخدم في الطهي والتدفئة، خاصة في مناطق الشمال الغربي، حيث تشهد درجات الحرارة تراجعًا ملحوظًا يصل في بعض الأحيان إلى درجة الصفر مع تسجيل نزول الثلوج والأمطار، الأمر الذي جعل الطلب يزداد على استخدام الغاز.
وتعتمد غالبية المحافظات التونسية على الغاز المسال للتدفئة والطهي، حيث يصل معدل الحاجيات اليومية للسوق المحلية إلى أكثر من 200 ألف أسطوانة. وقال رئيس غرفة موزعي الغاز محمد منيف إن الأزمة تمددت نتيجة تواصل نقص التزويد في مراكز التعبئة، ما يضطر الشاحنات بدورها إلى الانتظار في طوابير أمام المراكز مدة تصل إلى 72 ساعة.
وأكد منيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نقص المخزونات في مراكز التزويد تسبب في تكدّس الشاحنات أمام مراكز التعبئة الرئيسية وتفاقم الأزمة التي تحولت إلى ما يشبه كرة الثلج. وتابع: "تسبب نقص التزويد وعدم وصول الكميات اللازمة إلى المناطق التي تعاني من انخفاض كبير في درجات الحرارة في تعرض شاحنات نقل الغاز إلى الاعتراض من قبل المواطنين، وإجبارها على تفريغ شحناتها وبيع الأسطوانات على قارعة الطريق".
وأشار، في سياق متصل، إلى أن العديد من موزعي الغاز يستنجدون بالأمن من أجل حماية الشحنات وضمان عدم تعرضها للنهب. وتبلغ ذروة استهلاك أسطوانات الغاز، بحسب منيف، خلال أشهر الشتاء، ويصل معدل الطلب اليومي إلى 200 ألف أسطوانة يوميًا، غير أن توقف واحد من مراكز التعبئة الثلاثة يسبب نقصًا بنحو 25 ألف أسطوانة في اليوم.
وأفاد بأن المهنيين طلبوا من وزارة الطاقة توفير احتياطيات كافية من واردات الغاز عبر طلب شحنات إضافية من الغاز المسال لتغطية حاجيات السوق خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، لتجنب انقطاع التزويد أو ارتباكه مع تواصل انخفاض درجات الحرارة.
وأرجع خالد بتين، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لتوزيع البترول "عجيل"، أسباب أزمة نقص قوارير الغاز المنزلي في تونس إلى إمكانات الخزن المحدودة، فضلًا عن توجيهه إلى غير مستحقيه. وقال بتين، في تصريح إعلامي لإذاعة "موزاييك" المحلية، إن الشركة تعمل حاليًا على توسيع طاقات التخزين وإضافة خطوط جديدة لتعبئة الغاز المنزلي.
وأضاف أن ثلاث سفن إضافية محمّلة بالغاز المسال ستصل إلى موانئ تونس بين الـ22 والـ24 من الشهر الجاري، إلى جانب ثلاث سفن أخرى ستصل في غضون الأسبوع الجاري. وأوضح بتين أن طاقة تخزين الغاز المسال في تونس محدودة، وبالتالي لا يمكن استلام الغاز بكميات كبيرة، مشيرًا إلى أن عملية التزوّد بالغاز تجرى وفق اتفاقيات مع مزوّدي الغاز العالميين من خلال وضع برنامج محدد ينص على مواعيد التسليم والكمية المحددة.
ويزيد انخفاض درجات الحرارة الطلب على أسطوانات غاز الطهي بنحو 30%، ما يزيد من حركة الموزعين المكلفين بنقل إمدادات إضافية من مراكز التعبئة إلى مختلف محافظات البلاد. وفي المقابل، انتقد رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي تواتر أزمة نقص غاز الطهي في أسواق تونس، ما يؤثر على حياة المواطنين، لا سيما في المناطق الريفية.
وقال الرياحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أزمة التزويد بغاز الطهي أصبحت تتكرر سنويًا نتيجة عدم توفر المخزونات الكافية، ما يدفع المواطنين للبحث عن البدائل والاضطرار إلى استعمال الحطب للتدفئة والطهي. ويؤمّن توزيع أسطوانات الغاز أكثر من 200 موزع يتولّون نقل 40 مليون أسطوانة سنويًا من سبعة مراكز تعبئة موزعة على ثلاث محافظات، هي قابس ورادس بتونس العاصمة وبنزرت.
ووفق تقديرات وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، فإن خُمس استهلاك أسطوانات الغاز يُستعمل في غير مجاله، أي ما يمثل نحو 100 مليون دينار، على قاعدة أن الدعم بلغ في عام 2019 حوالي 650 مليون دينار.
