بعدما أجبرت السلطات في ألمانيا امرأة فلسطينية-أردنية على الانفصال عن ابنها البالغ من العمر عاماً واحداً على مدى أشهر، وقد عدّتها رسالة من السفارة الألمانية لدى عمّان "تهديداً أمنياً"، قدّم المركز الأوروبي للدعم القانوني طعناً في حكم صادر عن المحكمة الإدارية العليا في برلين-براندنبورغ أمام المحكمة الدستورية الاتحادية في ألمانيا، بحسب ما أفاد المركز في بيان أصدره اليوم من برلين.
وشرح المركز الحقوقي أنّ هذه القضية "تتعلّق بعملية تفريق مطوّلة لعائلة فلسطينية شابة لمصلحة المكتب الاتحادي لحماية الدستور"، وذلك في "عملية بيروقراطية لا إنسانية وبالكاد يمكن وصفها بالقانونية". يُذكر أنّ المكتب، الذي يصفه المركز الأوروبي للدعم القانوني بأنّه "سيّئ السمعة"، هو وكالة الاستخبارات الألمانية المحلية مهمّتها الرئيسية مراقبة كلّ نشاط مناهض للنظام الديمقراطي الحرّ في جمهورية ألمانيا الاتحادية وتتبع لوزارة الداخلية الاتحادية.
أضاف المركز الأوروبي للدعم القانوني، في بيانه، أنّ القضية المشار إليها "تُسلّط الضوء على كيفية استخدام قوانين الهجرة سلاحاً ضدّ الناشطين في ألمانيا لقمع حركة التضامن مع فلسطين"، وأنّها تُعَدّ من "الأمثلة الأشدّ قساوة على هذا التكتيك الذي تستخدمه دولة ألمانيا ولا سيّما ضدّ الفلسطينيين". وتابع أنّ القضية "تكشف كذلك السهولة التي يمكن، من خلالها، للادعاءات الأمنية الغامضة وغير المثبتة أن تتجاوز الحقوق الأساسية عند استهداف الفلسطينيين".
والمعنيّة بالقضية، بحسب المركز الأوروبي للدعم القانوني، امرأة فلسطينية تحمل الجنسية الأردنية لم يُكشَف عن هويّتها لأسباب أمنية، تقيم وتعمل في فرانكفورت وسط غربي ألمانيا منذ عام 2018، بإقامة سارية المفعول. والمرأة ممرّضة محترفة، وقد انتقلت إلى ألمانيا مستفيدةً من إقامة "العمّال المهرة". ولأنّ مهنتها تحظى بطلب كبير في سوق العمل الألماني، فإنّ السلطات تدعو وتشجّع العاملين في مجال التمريض على الهجرة إلى ألمانيا والعمل فيها.
والمرأة التي عرّفها المركز بـ"ب. م"، متزوجّة من رجل فلسطيني-أردني انضّم إليها في ألمانيا في عام 2022 من خلال إقامة "لمّ شمل عائلي". وفي عام 2023، رُزق الزوجان بمولودهما الأوّل في مدينة فرانكفورت. وفي أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام، تقدّمت المرأة بطلب للحصول على "إقامة دائمة"، فيما أصدر مكتب الهجرة تصاريح "إقامة مؤقتة" لها ولعائلتها. ولأنّ ابنها وُلد في ألمانيا فيما وضعها ووضع زوجها قانونيان، فإنّ من شأن ذلك أن يمنح الطفل "إقامة منفصلة"، أي مستقلّة عن إجراءات "لمّ الشمل العائلي"، وهو حقّ قانوني تجاهلته السلطات الألمانية عمداً في الأحداث التي تلت ذلك، وفقاً لما شرحه المركز الأوروبي للدعم القانوني.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تلقّت المرأة رسالةً من السفارة الألمانية لدى عمّان تفيد بعدم السماح لابنها بالعودة إلى ألمانيا، وذلك استناداً إلى مواد في قانون الإقامة تنصّ على جواز رفض الإقامة في حال أُدين مقدّم الطلب بارتكاب فعل جرمي واحد أو أكثر، أو انتهك قيود أو محظورات الإقامة، الأمر الذي عرّض السلامة العامة والنظام للخطر. وأوضح المركز الأوروبي للدعم القانوني أنّ ذلك يعني عملياً أنّ الطفل الرضيع يُعَدّ "تهديداً أمنياً" لألمانيا، وبالتالي لن يُسمَح له بالسفر مع والدته إليها. في غضون ذلك، عاد الوالد إلى عمله في ألمانيا مضطراً، وقد افترض أنّ هذا الإجراء "البيروقراطي" سوف يُحَلّ قريباً، وأنّه سوف يستقبل زوجته وابنهما في فرانكفورت قريباً، ومن دون أن يعلم أنّه لن يرى طفله مرّة أخرى قبل عودته إلى الأردن في مايو/ أيار 2025.
ولفت المركز الأوروبي للدعم القانوني إلى "إطالة غير عادية للإجراءات القانونية"، شارحاً أنّ المرأة التي عُرّفت بـ"ب. م" تلقّت رسالة ثانية، إنّما من مكتب الهجرة الألماني في هذه المرّة، في أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2024، وقد أشارت الرسالة إلى أنّ المشكلة ليست مع الطفل بل مع والدته. وللمرّة الأولى، أقرّت السلطات الألمانية بأنّ المرأة الفلسطينية-الأردنية تخضع لتحقيق أمني من قبل المكتب الاتحادي لحماية الدستور، الأمر الذي قد يؤدّي إلى إلغاء إقامتها. وأعادت وزارة الخارجية الألمانية الأمر لاحقاً، في المحكمة، إلى تورّطها المزعوم مع جماعات/منظمات متضامنة مع فلسطين. وهذا أمر أثّر كذلك في إقامتَي ابنها وزوجها.
وانخرطت المرأة التي عُرّفت بـ"ب. م" بدعوى قضائية، بعدما قدّمت محاميتها استئنافاً عاجلاً في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 ضدّ قرار وزارة الخارجية الألمانية. ثمّ طُلب منها انتظار استكمال الفحص الأمني المتعلّق بطلب إقامتها الدائمة، على أن تتمكّن من إعادة ابنها إلى ألمانيا في حال أتت الأمور إيجابية. وفي خلال المسار القضائي، استأنفت محاميتها القرار أمام المحكمة الإدارية العليا في برلين-براندنبورغ من خلال استئناف عاجل آخر في فبراير/ شباط 2025. في غضون ذلك، عادت المرأة إلى ألمانيا واضطرّت إلى الانفصال عن طفلها، وقد تركته مع والدَيها لتجنّب فقدان إقامتها، من دون أن تعلم أنّ المحكمة العليا سوف تستغرق أربعة أشهر أخرى للبتّ في الأمر.
وفي يونيو/ حزيران الجاري، رفضت المحكمة الإدارية العليا استئناف "ب. م" وأيّدت القرار السابق على الرغم من العيوب القانونية، بحجّة أنّ في إمكان الوالدَين العودة إلى الأردن أو قبول الانفصال عن طفلهما مؤقتاً. وفي هذا السياق، رفع المركز الأوروبي للدعم القانوني القضية الآن إلى المحكمة الدستورية الفيدرالية في استئناف عاجل.
