أين عرب الاستعراضات الجوية في سماء غزّة؟

منذ ٥ أيام ٢٣

"تمدّ غزّة بصرها إلى الجهات الأربع بحثاً عن الأشقاء، علّ أحدهم يأتيها بهدية شهر رمضان، بعض الطحين وبعض الماء والدواء، أو باستخدام وزن إقليمي أو دولي يفرض على عدوّها التوقف عن حرقها وتدميرها في هذا الشهر على الأقل، فلا تجدهم على الأرض، بل يرمون لها بعض الوجبات من الجوّ فتسقط فوق رؤوس منتظريها، فتطرحهم أرضاً".

كان ذلك في مثل هذه الأيّام من شهر رمضان في العام الماضي، حين كان القصف الصهيوني على أشدّه، وغزّة يتيمة على موائد اللئام، وبالرغم من ذلك باغتنا بعضهم باستعراضات جوية فوق سماء القطاع، لإلقاء عبواتٍ من المساعدات على الذين يتضوّرون جوعاً ويشبعون خذلاناً تحت الحصار المطبق. وفي ذلك الوقت احتفلت منابر إعلام أشقاء الخذلان بما اعتبرته موقفاً جسوراً يتحدّى العدوان ويكسر حصاره، في ظلّ منع العدو عملية إدخال المساعدات إلى قطاع غزّة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم بشكل كامل، حيث نفّذت مصر والأردن والإمارات عملية إسقاط جوي لعشرات الأطنان من المساعدات على قطاع غزّة.

كان ذلك في ذروة التوحش الإسرائيلي المدعوم أميركياً، حيث الطيران الصهيوني يسيطر على سماء القطاع، وقواته البرّية تنهش في أراضي غزّة، ورغم ذلك وصلت مساعدات أشقاء الإنزال الجوي، إذ استبق العاهل الأردني الجميع، وظهر في لقطات مثيرة للغاية مرتدياً الزي العسكري ويقود طائرة في تحدٍّ صارخ لجبروت العدو لإسقاط المساعدات على الشعب المحاصر.

في شهر رمضان الحالي، لا يحتل طيران العدو سماء غزّة، كما أنّ القصف الجوي متوقف، وقوات الاحتلال على الأرض انسحبت من مناطق عديدة، مكتفياً بقتل القطاع جوعاً وعطشاً وحرماناً من الكهرباء والدواء، فلماذا لم يكرّر أشقاء فلسطين البواسل تجربة تحدي الحصار وينفذون استعراضاتهم الجوية لإسقاط المساعدات، كما جرى في العام الماضي؟ ما الذي يمنعهم والأجواء ليست بالخطورة التي كانت عليها قبل عام؟ لماذا تتضاعف مساحات العجز والخذلان مع تراجع وتيرة العدوان الإجرامي على القطاع؟

مع دخول شهر رمضان، عقد العرب قمّة طارئة في القاهرة، عنوانها الرئيس رفض مخطّطات تهجير الشعب الفلسطيني وإبادته، وتبارى المشاركون في ميادين الفصاحة الفسيحة، وقالوا كلاماً عاطفياً عن الظلم والحصار، الأمر الذي تصوّرنا معه أنّ الأشقاء المؤتمرين بصدد تقديم هديةٍ ثمينةٍ بمناسبة شهر التراحم والانتصار للحق، لكن شيئاً من ذلك لم يحصَل، لتتواصل للعام الثاني على التوالي مأساة مليوني إنسان بلا طعام في شهر الموائد العامرة الممتدّة من المحيط إلى الخليج، وكأنّهم توافقوا على إسقاط شعبٍ كامل من الحسابات.

الحاصل أنّ غزّة الآن تواجه حصاراً من العدو والشقيق والراعي الأميركي، لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا كهرباء، بعد أن قرّر الاحتلال فصل التيار الكهربائي عن المحطة الرئيسة، وهو ما سوف يترتّب عليه إصابة المستشفيات بالشلل التام، من دون أن يقدّم أيّ طرف شيئاً سوى بيانات بلا أيّ قيمة أو أثر يصدرها هؤلاء الذين لا يزالون يرون في دونالد ترامب صانع سلام، على الرغم من كلّ الإهانات التي وجّهها لهم، ولا يزال.

والحال كذلك، لا يكفي لتبرير هذا الخضوع العربي الكامل للوحشية الصهيونية التي ترعاها وتباركها وتدعمها واشنطن القول إنّ رئيساً بدرجة جرّافة إسرائيلية ضخمة يحكم أميركا، ويعاونه فريق من الجرافات الأصغر حجماً والأكثر سمّاً، ذلك أنّ إدارة بايدن لم تكن أقل تماهياً مع العدوان الإسرائيلي، فما الذي تغيّر، إذن، لكي يصبح العرب غير قادرين حتى على الاستعراض والتظاهر برفض الحصار؟

أغلب الظن أنّ المسألة تتعلّق بالإرادة والرغبة، لا بالقدرة، وكلّ الشواهد تنطق بأنهم راغبون في إخضاع غزّة حتى تكفر بمقاومتها، تماماً كما جرّدوا لبنان من مقاومته، قبل أن يأخذوه عنوة إلى غرف التطبيع، لتخرج نائبة ويتكوف في النهاية لتعلن: جمعنا لبنان وإسرائيل للتفاوض.

قراءة المقال بالكامل