إشارات أميركية بخفض المساعدات العسكرية لمصر بدءاً من 2026

منذ ٥ أيام ١٥

بدأت الإدارة الأميركية في اتخاذ إجراءات تبدو جديدة في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية لمصر، بالتوازي مع موقف القاهرة إزاء رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، وعدم دعم الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الغزّيين. وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن تلقي القاهرة إخطاراً رسمياً من الولايات المتحدة بشأن قرار خفض قيمة المساعدات العسكرية لمصر في عهد ترامب، على أن يدخل هذا القرار حيّز التنفيذ بدءاً من العام المقبل.

ووفقاً لدبلوماسي مصري في واشنطن، فقد أبلغت الإدارة الأميركية القاهرة أخيراً بقرار خفض المساعدات العسكرية المقدمة للجيش المصري، إلّا أن الإخطار لم يتضمن تحديداً دقيقاً لنسبة الاقتطاع، التي من المتوقع أن تُحدّد لاحقاً بعد المشاورات داخل الجهات المختصة في الإدارة الأميركية.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد ألمح في وقت سابق إلى "إمكانية قطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يوافق البلدان على استقبال الفلسطينيين"، لكنه عاد وأوضح خلال لقائه ملك الأردن عبدالله الثاني بواشنطن في شهر فبراير/شباط الماضي، أن الولايات المتحدة "تقدّم الكثير من الأموال لمصر والأردن، لكنني لا أريد التهديد بذلك".

الإخطار لم يتضمن تحديداً دقيقاً لنسبة الاقتطاع، التي من المتوقع أن تُحدّد لاحقاً

وتُقدَّر قيمة المساعدات السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر بـ2.1 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار قيمة المساعدات العسكرية لمصر المخصصة للجيش، فيما يوجّه باقي المبلغ لمساعدات اقتصادية تشمل الحكومة المصرية ومنظمات غير حكومية. وتربط الإدارة الأميركية جزءاً من هذه المساعدات، يُقدر بحوالى 300 مليون دولار، بمدى التزام القاهرة بتعهدات تتعلق بسجلها الحقوقي، وهو الأمر الذي كان محوراً للجدل بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة.

اتصالات أميركية مصرية

وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد زار وفد مصري غير رسمي واشنطن أخيراً لبحث تداعيات القرار الأميركي ومحاولة توضيح موقف المؤسسة العسكرية المصرية، وقد ضمّ الوفد الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى، والسياسي البارز الدكتور حسام بدراوي، ووزير الصناعة والتجارة المصري الأسبق منير فخري عبد النور. وخلال اللقاءات التي عقدها الوفد في العاصمة الأميركية، أكد المسؤولون المصريون أن رؤية المؤسسة العسكرية المصرية تستند أساساً إلى الحفاظ على استقرار المنطقة، محذرين من خطورة ومآلات أي خطط تهدف إلى تهجير الفلسطينيين ونقلهم إلى مصر أو الأردن، لما في ذلك من تهديد لاستقرار النظامين الأردني والمصري، اللذين يُعتبران ركيزتين أساسيتين لاستقرار الشرق الأوسط.

من جهته، اعتبر مصدر مصري آخر أن الخطوة الأميركية الخاصة بخفض المساعدات العسكرية لمصر المخصصة للجيش، تمثل إخلالاً بمذكرة التفاهم المصرية الأميركية التي وقّعها الرئيسان محمد أنور السادات وجيمي كارتر في عام 1980، وهي الأساس القانوني للمساعدات الأميركية لمصر التي تقدّم سنوياً، وتعتبر معاهدة دولية، جاءت جزءاً من التفاهمات اللاحقة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979 برعاية أميركية. وأوضح المصدر أن اتصالات جرت أخيراً بين مسؤولين مصريين وأميركيين بشأن الوضع في قطاع غزة، واستئناف إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، وقد تطرقت تلك المحادثات إلى قرار الإدارة الأميركية المتعلق بالمساعدات العسكرية عقب الإخطار الرسمي.

في سياق متصل، كشفت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) دخلت على خط الضغوط الموجهة إلى مصر، في محاولة لحثّها على تغيير موقفها الرافض للتعاون مع الخطة الأميركية بشأن تهجير الفلسطينيين. وأوضحت المصادر أن البنتاغون بدأ بممارسة ضغوط متزايدة على المؤسسة العسكرية المصرية، مشيراً إلى أن مسؤولين أميركيين لوّحوا لقادة الجيش المصري أخيراً بإمكانية تعطيل المساعدات العسكرية لمصر بما في ذلك توريد قطع الغيار للأسلحة المختلفة، إضافة إلى إعاقة عمليات الصيانة، في حال استمرار الموقف المصري الرافض للخطة الأميركية.

حسام شاكر: الإدارة الأميركية مطمئنة أن مصر منسجمة مع الأولويات الأميركية في المنطقة

وفي هذا الإطار، نقل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، رسائل واضحة لأعضاء في الكونغرس، شدّد خلالها على رفض المؤسسة العسكرية المصرية القاطع لأي محاولات لفرض حلول تتعلق بتهجير الفلسطينيين، وأكدت القاهرة في رسائلها الرسمية والدبلوماسية أن موقفها ينبع من حرصها على الأمن القومي المصري والإقليمي، مشيرة إلى أن أي محاولة لفرض حلول من هذا النوع ستؤدي إلى تداعيات كارثية على استقرار المنطقة.

المساعدات العسكرية لمصر أداةَ ضغطٍ

وتشمل المساعدات العسكرية الأميركية لمصر توفير الأسلحة والمعدات العسكرية، مثل الطائرات المقاتلة، المدفعيات، الدبّابات، إضافة إلى تقديم برامج تدريبية لضباط القوات المسلحة المصرية، ودعم مشاريع التطوير العسكري، مثل تحديث القوات المسلحة وتحسين البنية التحتية الدفاعية.

وتأتي هذه التطورات في ظل بعض التوتر في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، على خلفية تباين المواقف بشأن القضية الفلسطينية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه الضغوط على السياسة المصرية، خصوصاً في ظل تمسك المؤسسة العسكرية المصرية بموقفها الرافض لخطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.

وفي السياق، قالت مديرة برنامج مصر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ميريت مبروك، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن التهديدات من الولايات المتحدة بقطع المساعدات العسكرية لمصر لا تشمل مصر فحسب، بل دولاً كثيرة خصوصاً في المنطقة، مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتبع نهجاً تفاوضياً قائماً على المبالغة، إذ يطرح مواقف متشددة يدرك مسبقاً أنها لن تتحقق، بهدف الوصول إلى تسويات تصب في مصلحته، وهو أسلوب مألوف في عالم العقارات الذي ينتمي إليه، ويعكس طريقته في إدارة السياسة الدولية.

وأكدت مبروك أن المساعدات الأميركية لمصر لن تكون وسيلة فعّالة للضغط عليها، مشيرة إلى أن حجم المساعدات التي تتلقاها القاهرة من واشنطن ليس كبيراً كما يُصوّر، إذ تبلغ 1.3 مليار دولار سنوياً في شكل مساعدات عسكرية، لكنها لا تُصرف أموالاً سائلة، وإنما في صورة اعتمادات مالية تُستخدم داخل الولايات المتحدة لشراء معدات عسكرية. أما المساعدات الاقتصادية، فأوضحت مبروك أن مصر حصلت العام الماضي على 125 مليون دولار فقط، وهو مبلغ متواضع لا يشكل ضغطاً اقتصادياً مؤثراً على الدولة المصرية.

بدوره، أكد السفير رخا أحمد حسن، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن ارتباط المساعدات الأميركية لمصر باتفاقية السلام مع إسرائيل يفرض قيوداً على إمكانية وقفها بالكامل، نظراً لما قد يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على استقرار عملية السلام نفسها. واعتبر حسن أنه حتى في حال إيقاف المساعدات العسكرية لمصر، فإن القاهرة قادرة على إعادة ترتيب أولويات ميزانيتها لتدبير احتياجاتها، إلا أن هذا القرار لن يكون بلا ثمن، إذ سيؤثر بشكل أو بآخر على العلاقات المصرية الإسرائيلية ومسار عملية السلام في المنطقة.

من جهته، أكد الكاتب والمحلل في الشؤون الدولية، حسام شاكر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه رغم حالة عدم الاستقرار التي تشوب العلاقات بين القاهرة وواشنطن، فإنها تظل علاقات وثيقة امتدت عبر مراحل متعددة، وهو ما يمنح الإدارة الأميركية قدراً من الاطمئنان بأن مصر، عملياً، منسجمة مع الأولويات الأميركية في المنطقة.


 

قراءة المقال بالكامل