إفراج محدود عن معتقلين مصريين... لا ترجمة لوعود السلطة

منذ ١ أسبوع ١٦

في خطوة أثارت إحباطاً بين أهالي المعتقلين السياسيين، أعلنت السلطات المصرية أول من أمس الأحد، الإفراج عن 15 شخصاً فقط بمناسبة العاشر من رمضان (أمس الاثنين)، رغم التوقعات التي كانت أشارت إلى إمكانية أن تشمل القائمة أعداداً أكبر، ومنهم الناشط السياسي علاء عبد الفتاح. وجاء قرار الإفراج عن معتقلين مصريين في ظلّ توجيهات صادرة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أغسطس/آب الماضي، تؤكد ضرورة تقليص الحدود القصوى للحبس الاحتياطي، وتفعيل بدائله، إلى جانب التعويض عن فترات الحبس الاحتياطي غير المبررة. لكن رغم هذه التوجيهات، لا تزال الإجراءات على الأرض تسير بوتيرة بطيئة، ما يطرح العديد من التساؤلات حول تعطيل تنفيذ تلك الوعود.

إفراج محدود عن معتقلين مصريين

ومنذ إعلان السيسي عن أهمية ضبط استخدام الحبس الاحتياطي بما هو إجراء وقائي وليس عقوبة مستترة، تجددت الآمال في أن تشهد الساحة المصرية تغييرات ملموسة على صعيد العدالة الجنائية. غير أن الإفراج المحدود عن معتقلين مصريين أمس، كشف عن استمرار القيود المشددة في تطبيق هذه التوجيهات.

علاء الخيام: تجاهل تنفيذ توجيهات السيسي يعكس شعور النظام بالخطر

وفي السياق، قال منسق تيار الأمل، علاء الخيام، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن تشديد القبضة الأمنية واستمرار تجاهل تنفيذ توجيهات السيسي بشأن معالجة ملف المحبوسين احتياطياً، يعكس شعور النظام بالخطر منذ فترة، في ظل تراجع شعبيته بسبب الفشل في ملفات حيوية كالتعليم، والصحة، والاقتصاد، وغياب الرضا الشعبي العام.

وأشار الخيام إلى أن النظام يعتمد بشكل أساسي على الأجهزة الأمنية والإعلام الموالي لفرض سيطرته على المشهد السياسي، محذراً من أن التغيير السلمي هو الخيار الوحيد للحفاظ على استقرار الوطن وتجنب الفوضى. كما شدّد على ضرورة احترام الدستور والقانون، ورفع القيود عن الأحزاب السياسية، والإفراج الفوري عن سجناء الرأي، معتبراً أن إقصاء المعارضة واستبدالها بكيانات مصطنعة لا يمثل سوى تهديد حقيقي لاستقرار الدولة.

وفي سياق متصل، استنكر الخيام ما وصفه بالتناقض الصارخ بين التوجيهات الرئاسية بتنفيذ توصيات الحوار الوطني واستمرار اعتقال السياسيين بنفس التهم المكررة، معتبراً أن مصر تمر بمرحلة حسّاسة وخطيرة في ظل مشروع "الشرق الأوسط الجديد" (المرتبط بالعدوان الإسرائيلي في غزة والمنطقة) والتحديات الإقليمية المتسارعة. ودعا إلى توحيد الصف الوطني، وفتح المجال أمام صوت العقلاء لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.

من جهته، قال المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن آلاف المواطنين يقبعون في السجون، بعضهم محبوسون احتياطياً لفترات تجاوزت الحدود الدستورية والقانونية، فيما يقضي آخرون عقوبات في قضايا سياسية وقضايا رأي، من دون وجود إحصاءات رسمية تكشف عن العدد الحقيقي لهؤلاء المعتقلين، رغم المطالبات المستمرة بمعرفة حجم الأزمة.

وانتقد ربيع ما وصفه بالتناقض بين دعوات الحوار السياسي واستمرار حملة الاعتقالات ضد السياسيين بنفس التهم المكررة، مؤكداً أنّ النظام يتبع سياسة التدوير في القضايا لإبقاء المعتقلين داخل السجون لأطول فترة ممكنة، في ظلّ غياب الأدلّة الحقيقية التي تستوجب محاكمتهم محاكمةً عادلةً. كذلك أشار إلى التفاوت الصارخ في قرارات الإفراج، إذ يحصل المجرمون المدانون في قضايا غير سياسية على فرصة للخروج، بينما يستمرّ اعتقال المفكرين والمثقفين وقادة الرأي، وهو ما يُضعف الثقة في مسار الإصلاح السياسي المزعوم.
وفي ختام حديثه، أكّد ربيع أن الملف لا يرتبط فقط بتطبيق الدستور أو القانون، بل يعتمد على مدى صدق النيات في تنفيذ إصلاح سياسي حقيقي، قائم على التسامح، واحترام الحريات، وإعلاء قيم الإنسانية قبل أي حسابات أمنية أو سياسية.

يعتبر حقوقيون وسياسيون أن الدولة التي تواجه تحديات بحجم ما يجري في غزة، لا يمكنها الاعتماد على خطاب تعبوي فقط

وقبل أيام، وخلال زيارته للأكاديمية العسكرية، وجّه السيسي الشكر للشعب المصري على "وحدته واصطفافه بقوة خلف القيادة السياسية، خصوصاً خلال الظروف الاستثنائية والتحديات الإقليمية الراهنة، الأمر الذي يعكس قوة ووحدة وصلابة الجبهة الداخلية المصرية ومدى مسؤولية الشعب المصري الأصيل وحسن تقديره للأمور". لكن في الوقت ذاته، تستمر القيود على المجال العام، ويظل آلاف المعتقلين السياسيين خلف القضبان، ما يثير تساؤلات جدية حول حقيقة هذا الاصطفاف الذي تتحدث عنه السلطة، وإن كان طوعياً أم قسرياً.

شكوك بالتزام الإصلاح

يؤكد حقوقيون وسياسيون، أن مفهوم الاصطفاف الشعبي في مواجهة المخاطر الوطنية يقوم على المشاركة الحرّة والانخراط الطوعي، لا على القمع والتخويف. فالدولة التي تواجه تحديات بحجم ما يجري في غزة وما قد يترتب عليه من تهديد مباشر لحدودها وأمنها القومي، لا يمكنها الاعتماد على خطاب تعبوي فقط، بينما يبقى آلاف المواطنين في السجون بسبب آرائهم السياسية أو نشاطهم الحقوقي. ويعتقد هؤلاء أن الاستمرار في سياسة القمع يخلق حالة من الاحتقان المجتمعي الذي يهدد الاستقرار الداخلي، بدلاً من أن يعززه.
ورغم التوجيهات الرئاسية بضرورة تفعيل بدائل الحبس الاحتياطي، مثل المراقبة الإلكترونية والتدابير الاحترازية الأخرى، إلا أن الواقع يعكس غياب إرادة حقيقية لتنفيذ تلك البدائل بشكل موسع. فحتى الآن، لا تزال المؤسسات الأمنية والقضائية تعتمد بشكل كبير على الحبس الاحتياطي أداةً رئيسية في التعامل مع المعارضين والمنتقدين، وهو ما يتنافى مع الأهداف التي وضعتها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلنتها الدولة.

الأمر لا يتوقف عند عدم تنفيذ قرارات الإفراج عن معتقلين مصريين وفق توجيهات السيسي، بل يتجاوزه إلى غياب أي آلية واضحة لتعويض من تعرضوا للحبس الاحتياطي الخاطئ. فبينما نصّت التوجيهات الرئاسية على أهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لم تتخذ أي خطوات ملموسة في هذا الصدد، ما يثير الشكوك حول مدى التزام الدولة بإصلاح سياساتها في هذا الملف.

ويؤكد حقوقيون أن استمرار حالة المراوحة بين الوعود السياسية والتطبيق العملي يخلق مناخاً من عدم الثقة، ليس فقط بين النشطاء والمعارضين، ولكن أيضاً بين قطاعات واسعة من المجتمع التي كانت تأمل في إصلاحات حقيقية. فالمسألة لا تتعلق فقط بمن أُفرج عنهم أو معتقلين مصريين ممن لا يزالون رهن الاحتجاز، بل تمتد إلى التأثير الأوسع على المناخ السياسي والاجتماعي في البلاد.


 

قراءة المقال بالكامل