إلغاء العقوبات الأميركية على سورية: إعلان ترامب مجرد بداية

منذ ٤ ساعات ١٤

مثّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي، رفع العقوبات الأميركية على سورية واجتماعه بالرئيس السوري أحمد الشرع الأربعاء في الرياض، تحوّلاً لافتاً وسريعاً في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه القيادة في دمشق، التي تعول على استثمار مفاعيل القرار سريعاً لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. لكن قرار ترامب، الذي فاجأ حتى الدائرة القريبة منه خصوصاً أنه انتقل من التلميح إلى إمكانية إلغاء العقوبات للإعلان عن رفعها خلال ساعات فقط، يعد بداية لمسار طويل، لا سيما أن العقوبات الأميركية على سورية تتنوع بين أوامر تنفيذية وقوانين وقرارات من وزارتي الخزانة والخارجية. كما أن أصواتاً في الكونغرس الأميركي لا تبدي حماسة لرفع كامل للعقوبات بشكل سريع.

وحضر قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية، في لقاء جمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمس الخميس، بنظيريه الأميركي ماركو روبيو والسوري أسعد الشيباني، في أنطاليا التركية. وقال روبيو عقب المباحثات إن واشنطن ستصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية المفروضة على سورية. وفي حديثه للصحافيين في أنطاليا بتركيا، قال روبيو إن الولايات المتحدة "تريد أن تفعل كل ما في وسعها للمساعدة في تحقيق السلام والاستقرار في سورية" مع خروجها من حرب دامت 13 عاماً.

كما قالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان لها أمس الخميس، إنها تعمل بالتنسيق مع الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات ترامب بشأن رفع العقوبات وأضافت الوزارة في بيان لها أنها تتطلع إلى إصدار "التراخيص التي ستكون حاسمة لاستقطاب استثمارات جديدة إلى سورية"، مضيفة أن "إجراءاتها من شأنها المساعدة في إعادة بناء الاقتصاد والقطاع المالي والبنية التحتية في سورية". كذلك نقلت رويترز عن مسؤول في إدارة ترامب قوله إن وزارة الخزانة ستصدر على الأرجح في الأسابيع المقبلة، رخصاً تغطي نطاقاً واسعاً من قطاعات الاقتصاد الضرورية لإعادة الإعمار في سورية.

وشرح مصدر عمل سابقاً في الخارجية الأميركية في ملفات متعلقة بالشرق الأوسط، لـ"العربي الجديد" بعضاً من تفاصيل ما هو متوقع في ملف العقوبات خلال المرحلة المقبلة. وأوضح أن تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سورية، يعني بمجرد تنفيذه إزالة القيود عنها في ملف العلاقات السياسية الدولية، خصوصاً لدى الولايات المتحدة، غير أنه أشار إلى أن عملية التنفيذ "قد تكون معقّدة وقد تستغرق وقتاً". وأوضح المصدر أنه بمجرد توقيع الرئيس على أمر تنفيذي بإلغاء الأوامر التنفيذية السابقة الخاصة بها، فإنه يمكن لسورية استعادة مبنى سفارتها والقنصليات داخل الولايات المتحدة، بما يفتح الباب في المستقبل أمام عودة العلاقات الدبلوماسية الأميركية السورية، لكن كل هذا مرتبط بـ"رؤية ترامب" والموعد الذي يراه مناسباً ومراقبة سلوك السلطة السورية الحالية.

مصدر أميركي لـ"العربي الجديد": عملية رفع العقوبات قد تكون معقّدة وقد تستغرق وقتاً

وشرح المصدر الأميركي أن إلغاء الأمر التنفيذي 13582 الذي أصدره الرئيس الأسبق باراك أوباما في أغسطس/آب 2011، يلغي بالفعل الكثير من العقوبات الموقّعة، إذ يجمّد هذا الأمر التنفيذي ممتلكات الحكومة السورية ويحظر الاستثمارات الجديدة في سورية من قبل الأميركيين، بمن فيهم الأميركيون من أصل سوري، ويحظر تصدير أو بيع الخدمات إلى سورية من قبل الأميركيين، واستيراد النفط أو المنتجات النفطية من أصل سوري، كما يحظر على الأميركيين المشاركة في المعاملات المتعلقة بالنفط أو المنتجات النفطية السورية، ويجمد جميع الممتلكات والمصالح الموجودة في الولايات المتحدة ولا يجوز نقلها أو تصديرها أو سحبها أو التعامل بها بأي شكل.

وأوضح المصدر أنه على سبيل المثال، السفارة السورية في واشنطن تمتلكها الجمهورية السورية، وبإلغاء الأوامر التنفيذية السابقة تعود ملكيتها الحالية المجمّدة إليها. كما تمنع الأوامر التنفيذية الشركات الأميركية من تصدير مواد إلى سورية، والاستثمار من قِبل السوريين الأميركيين. وأشار إلى أن إلغاء الأوامر التنفيذية يلغي القيود المفروضة على السفر للمسؤولين السوريين وأعضاء الحكومة بما يعيد اندماجها في النظام الدولي. ولفت إلى أنه من المتوقع أن تستمر العقوبات الأميركية على أفراد نظام بشار الأسد ولن يتم إلغاؤها.

وبينما لا تزال سورية، طبقاً لواشنطن، دولة راعية للإرهاب، وفق الإجراء المتخذ عام 1979 والذي وضعها في هذه القائمة، التقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع أمس الأول الأربعاء في الرياض، علماً أن آخر مرة التقى فيها رئيسا الولايات المتحدة وسورية كانت منذ نحو 25 عاماً، عندما التقى بيل كلينتون، عام 2000، حافظ الأسد في سويسرا، وناقشا آنذاك الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.

العقوبات الأميركية على سورية

تنقسم العقوبات الأميركية على سورية إلى أوامر تنفيذية وقوانين وقرارات من وزارتي الخزانة والخارجية. بالنسبة للأوامر التنفيذية، يمكن لترامب إلغاؤها بقرار رئاسي فوري بدون موافقة الكونغرس طبقاً للمرسوم رقم 14148 والذي يعطي للرئيس الحق في إلغاء أوامر تنفيذية سابقة. وفي حين صنفت الولايات المتحدة، في وقت سابق، سورية دولة راعية للإرهاب، فإن رفعها من القائمة يتطلب إشعاراً من الكونغرس الأميركي، وإذا لم يعارض الأخير في مهلة مدتها 45 يوماً، يجري شطبها. أما بالنسبة للجماعات المدرجة على لوائح الإرهاب أو الأفراد المدرجين سابقاً في "هيئة تحرير الشام"، فسلطة إصدار القرار بيد وزير الخارجية الأميركي. أما القوانين الصادرة من الكونغرس مثل "قانون قيصر" فله إجراءات معقّدة لفك الارتباط به، خصوصاً أنه مُرر باعتباره جزءاً من ميزانية وزارة الدفاع الأميركية ويمتد حتى 2029.

ويمثل إعلان ترامب تعهده برفع العقوبات نهجاً جديداً تجاه سورية التي تحاول إعادة الانخراط في النظام العالمي مالياً وسياسياً، في ظل تعهدات دولية بمساعدة الإدارة الحالية في محاولة إعادة البناء. وعبّر ترامب في خطاب له خلال جولته الخليجية عن رغبته في "منح سورية فرصة لإعادة الإعمار"، والتي تتطلب إلغاء هذه العقوبات الأميركية التي عزلت سورية دولياً واقتصادياً، ومنعتها من استخدام نظام سويفت المالي.

وذكرت وكالة رويترز أن قرار ترامب فاجأ البعض في إدارته. ونقلت عن أربعة مسؤولين أميركيين مطلعين لم تسمهم أن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة هرعوا في محاولة لاستيعاب كيفية إلغاء العقوبات، وبعضها مفروض منذ عقود. وأوضح مسؤول أميركي كبير أن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيهاً لمسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة للتحضير لإلغائها، ولم ينبههم إلى أن هناك إعلاناً وشيكاً من الرئيس بهذا الشأن. وبعد الإعلان، كان المسؤولون في حيرة من أمرهم حول الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأميركية حزماً ومستويات من العقوبات، وأي منها سيتم تخفيفها ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية. وذكر المسؤول الكبير، وفق "رويترز"، أنه وحتى الوقت الذي التقى فيه ترامب بالشرع في السعودية الأربعاء، كان المسؤولون في الخارجية والخزانة لا يزالون غير متأكدين من كيفية المضي قدماً. وقال أحد المسؤولين الأميركيين "يحاول الجميع استكشاف كيفية تنفيذ ذلك"، في إشارة لإعلان ترامب.

مؤشرات على مسار طويل

بعض العقوبات التي تتطلب موافقة الكونغرس قد لا يمضي رفعها قدماً بالسرعة التي تتمناها سورية، وهو ما عبّر عنه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي دعا في بيان له إلى اتّباع منهج حذر ومدروس تجاه رفع العقوبات، مؤكداً أن للكونغرس دوراً رقابياً مهماً. وقال إنه يميل إلى دعم "تخفيف العقوبات في الظروف المناسبة"، مضيفاً في الوقت ذاته أن الحكومة السورية الحالية "استولت على السلطة بالقوة". وشدد غراهام على أن رفع العقوبات الأميركية على سورية التي أقرها الكونغرس "عملية معقّدة"، داعياً إلى التنسيق مع إسرائيل أولاً لـ"معالجة المخاوف الأمنية". وقال: "قد تكون الحكومة الجديدة في سورية استثماراً جيداً، في طريق توحيد البلاد والتحوّل إلى الاستقرار بما سيحدث تغيراً جذرياً في المنطقة، ولكن بالنظر إلى ماضيها يجب تقييم تقدمها بترقب واهتمام". وشدد على دور الكونغرس المهم في تخفيف أي عقوبات، وعلى ضرورة أن تقدّم إدارة ترامب تقريراً إلى الكونغرس يحدد التغييرات الجوهرية في الوضع الميداني في سورية قبل رفع تصنيفها دولة راعية للإرهاب. وتابع: "لم يصل إلينا هذا التقرير بعد، ولدى الكونغرس فرصة لمراجعة هذا الإجراء"، داعياً إلى ضرورة إطلاع الكونغرس على التغييرات وعلى استيفاء سورية للشروط المفروضة عليها قبل اتخاذ قرار بشأن الموافقة على تغيير تصنيفها من عدمه.

شدد غراهام على أن رفع العقوبات التي أقرها الكونغرس عملية معقّدة، داعياً إلى التنسيق مع إسرائيل أولاً

واتفق السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال مع غراهام في وجهة نظره، مؤكداً ضرورة تقديم إدارة الرئيس تقريراً إلى الكونغرس، وأن يكون تخفيف العقوبات مشروطاً بالحصول على تنازلات من الحكومة السورية. أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور الجمهوري جيم ريش، فكشف في بيان له أنه ناقش الأمر مع ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو سابقاً، وأنه يحترم "رأي الرئيس". من جهتها، قالت السيناتور الديمقراطية جين شاهين إنها ترحب بإلغاء العقوبات على سورية بعد إسقاط نظام الأسد لإعطائها فرصة للتطور إلى دولة حرة ومستقلة عن النفوذ الإيراني والروسي والصيني، داعية إلى التحرك بسرعة لرفع هذه العقوبات.

ويمثّل "قانون قيصر" أكثر العقوبات تعقيداً بخلاف الأوامر التنفيذية، إذ لا يكتفي فقط بفرض عقوبات على النظام السوري، وإنما على الشركات والدول التي تتعاون معها، ويمنع بشكل نهائي إمكانية التبادل التجاري والاستثمار في النفط والمعادن والتي تمتلك سورية احتياطات مهمة منها، كما يمنع أي تعامل مالي مع سورية. ويتطلب إلغاء هذا القانون تصويتاً من الكونغرس، غير أن نص القانون يتضمن بنداً يتيح للرئيس تعليق العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وذلك طبقاً لتصريحات رئيس المجلس السوري الأميركي فاروق بلال لـ"العربي الجديد"، وهو أحد الذين ساهموا في تمرير القانون ضمن حزمة وزارة الدفاع، والذي أشار أيضاً إلى أنه يمكن إصدار رخصة عامة من قبل الرئيس لتعليق تنفيذ بعض أو كل العقوبات وهو ما حدث بالفعل من قبل أثناء كارثة الزلزال الذي ضرب أجزاء من سورية في فبراير/شباط 2023.

قراءة المقال بالكامل