بعد سنوات من التوقف، عادت الرحلات الجوية المباشرة بين روما وبنغازي، في خطوة تعكس تحسّن العلاقات بين إيطاليا وليبيا، وتُعزز آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. ويمثل هذا التطور جزءًا من الجهود الأوسع لإعادة ربط ليبيا بشبكات النقل الدولية، بعد فترة طويلة من العزلة الجوية التي فرضتها الظروف الأمنية والسياسية.
ويأتي استئناف هذه الرحلات في ظل توجهات إيطالية وأوروبية لدعم الاستقرار في ليبيا وتعزيز الشراكات الثنائية في مجالات متعددة، من بينها الطاقة والاستثمار وإدارة ملف الهجرة. كما يُتوقع أن يُسهم هذا الربط الجوي في تسهيل حركة رجال الأعمال والمستثمرين، إضافة إلى توفير فرص جديدة للسفر والتنقل للمواطنين الليبيين.
من جهته، رأى الخبير الإيطالي في الشأن الليبي وكبير مستشاري مركز "ميد-أور" للأبحاث في روما، دانييلي روفينيتّي، أن استئناف الرحلات المباشرة بين روما وبنغازي يتجاوز كونه مجرد إجراء فني أو تجاري، بل يحمل دلالة سياسية واستراتيجية تنبغي قراءتها في سياق التحولات الجارية على الساحة الليبية.
وفي حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أوضح روفينيتّي أن "هذه الخطوة تُعزز دور إيطاليا في عملية إعادة هيكلة وتنظيم الدولة الليبية، بحيث لا تكتفي بمراقبة التطورات من الخارج، بل تصبح شريكًا فاعلًا في جهود استعادة الاستقرار وإعادة الإعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها".
وأشار إلى أن "زيارة الوفد الرسمي الإيطالي إلى بنغازي، والتي ضمّت مسؤولين عن الطيران المدني ومراقبة الحركة الجوية والنقل وإعادة الإعمار، تُعدّ محطة محورية في هذا الاتجاه، إذ لم تقتصر الزيارة على الجانب الفني، بل عكست رغبة حقيقية بتنشيط التعاون في قطاعات حيوية بشرق ليبيا، وهي منطقة شهدت في السنوات الأخيرة مسارًا تنمويًا مستقلاً عن طرابلس، لكنها اليوم تُبدي انفتاحًا أكبر على فاعلين جدد".
وأضاف روفينيتّي أن "اللقاء مع بلقاسم حفتر، المدير العام لصندوق إعادة إعمار ليبيا، وهو شخصية بارزة في المشهد الاقتصادي بمنطقة برقة، يبرز البُعد الاستراتيجي لهذه المبادرة، إذ يمنح الحوار مع هذه الأطراف إيطاليا موقعًا موثوقًا واستباقيًا للاستفادة من الفرص الناشئة في البلاد".
وأكد أن "هذه الخطوات تُعدّ جزءًا من رؤية أوسع لإعادة تشكيل التوازنات في ليبيا، فبعد سنوات من التركيز الإيطالي على طرابلس، تسعى روما اليوم إلى اتباع مقاربة أكثر توازنًا، تتيح لها التفاعل مع مختلف الأطراف الليبية مع الحفاظ على نهج عملي وبنّاء". وأضاف أن "إيطاليا، من خلال هذا التوجه، تعزز موقعها جسرًا يربط بين أوروبا وشمال إفريقيا، وبين غرب وشرق البحر المتوسط، في مسعى لاحتواء التنافس الدولي المتزايد في ليبيا".
وشدد روفينيتّي على أن "إعادة تشغيل الرحلات الجوية والانفتاح على التعاون في مجالات النقل والخدمات اللوجستية وإدارة المجال الجوي، إلى جانب التركيز على إعادة الإعمار، ليست مبادرات منفصلة بل جزء من استراتيجية متكاملة تصبّ في صالح ضفتي المتوسط". وأكد في ختام حديثه "ضرورة متابعة التطورات عن كثب، لا سيما توقيت انطلاق الرحلات ومصداقية المشاريع التي ستنبثق عن هذا التعاون، بالإضافة إلى رصد ردات فعل الأطراف الليبية والدولية المختلفة".
وكانت الخطوط الجوية الإيطالية قد أعلنت يوم 10 مارس/آذار عن إمكانية استئناف رحلاتها المباشرة بين روما ومطار بنغازي بنينا الدولي اعتبارًا من شهر يونيو/حزيران المقبل، وذلك في أعقاب اجتماع عُقد بين بلقاسم حفتر، المدير العام لصندوق إعادة الإعمار الليبي، ووفد رسمي إيطالي في مطار بنينا.
