استحقاقات لجنة التحقيق والتقصّي في أحداث الساحل السوري

منذ ١ أسبوع ١٦

شكّلت الإدارة السورية الجديدة، أكثر من لجنةٍ لـ"الحفاظ على السلم الأهلي"، لا سيّما في الساحل السوري غرب البلاد، بعد تسجيل أعمال قتل طائفية ومجازر بحقّ مدنيين أثناء تصدي القوات الأمنية والمجموعات المسلحة التي ساندتها يومي الخميس والجمعة الماضيَين، لتمرد فلول النظام السابق، وهو ما فجّر المخاوف من انجرار البلاد إلى دورة عنف أخرى.

لجنتان بعد أحداث الساحل السوري

وفي محاولة لاحتواء التداعيات تحديداً على السلم الأهلي، سيّما بعد انكشاف حجم الجرائم في الساحل السوري والردود الغاضبة محلياً ودولياً، أعلنت الرئاسة السورية، أول من أمس الأحد، عن تشكيل لجنةٍ عليا لـ"الحفاظ على السلم الأهلي"، للتواصل مع الأهالي في الساحل، وضمان أمنهم واستقرارهم. ووفقاً لبيانٍ صادر عن الرئاسة، بيّن أن اللجنة تضم أنس عيروط، وحسن صوفان، وخالد الأحمد.

وجاء تشكيل هذه اللجنة بعد ساعات من تشكيل "لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصّي الحقائق في أحداث الساحل السوري التي وقعت بتاريخ 6 مارس/آذار 2025"، إذ يرى كثيرون أن جدّيتها ومصداقيتها وسرعة عملها ستكون أساسية لتطويق ذيول ما رافق الحملة العسكرية في الساحل.

شكّل اعتراف الإدارة بحدوث تصفيات مؤشراً على جدّيتها

ونصّ القرار على أن تُناط باللجنة مهام الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد المسؤولين عنها، والتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عنها، وإحالة مَن يثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء. وطلب القرار الرئاسي من جميع الجهات الحكومية المعنية التعاونَ مع اللجنة بما يلزم لإنجاز مهامها، ومنح القرار اللجنة الحقّ في الاستعانة بمَن تراه مناسباً لأداء مهامها، على أن ترفع تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ صدور القرار. ووفق بيان الرئاسة السورية، فإن لجنة التحقيق مكونة من سبعة أشخاص، هم، القاضي جمعة الدبيس العنزي، والقاضي خالد عدوان الحلو، والقاضي علي النعسان، والقاضي علاء الدين يوسف لطيف، والقاضية هنادي أبو عرب، والعميد عوض أحمد العلي، والمحامي ياسر الفرحان.

وأكد الرئيس السوري أحمد الشرع، أمس في مقابلة مع وكالة رويترز، أن عمليات القتل الجماعي التي حدثت هي تهديدٌ لجهوده في لَمِّ شمل البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا "أقرب الناس" إليه،. وكان قد أكد أول من أمس أنه "ستجري محاسبة كل من تورط في دماء المدنيين، أو أساء إلى أهلنا بكل حزم ودون تهاون، ومن تجاوز صلاحيات الدولة أو استغلّ السلطة لتحقيق مآربه الخاصة، فلن يكون هناك أي شخص فوق القانون، وكل من تلوثت يداه بدماء السوريين سيواجه العدالة عاجلاً غير آجل"، وأضاف: "إنّنا قد أعلنا عن تشكيل لجنة لتقصّي الحقائق للنظر والتحقيق في أحداث الساحل السوري وتقديم المتورطين إلى العدالة، وكشف الحقائق أمام الشعب السوري، ليعلم الجميع من المسؤول عن هذه الفتن والمخططات".

وأعلنت وزارة الدفاع السورية عبر المتحدث باسمها العقيد حسن عبد الغني، أمس الاثنين، انتهاء العمليات العسكرية في الساحل السوري، مشيراً إلى أنه "سنتيح للجنة التحقيق الفرصة الكاملة لكشف ملابسات الأحداث والتأكد من الحقائق وإنصاف المظلومين".

وتحدثت منظمات حقوقية عن مقتل المئات من المدنيين أثناء العمليات العسكرية، وهو ما دفع أطرافاً إقليمية ودولية إلى مطالبة الإدارة الجديدة بـ"معاقبة المسؤولين عن أعمال العنف"، وفق وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، كما وجّه الاتحاد الأوروبي أمس، الدعوة ذاتها إلى الإدارة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن التقارير تؤكد مسؤولية فلول نظام الأسد عن اعتداءات الساحل السوري، وأن السلطات السورية "تحركت بسرعة لاحتواء الوضع في الساحل".

وشكّل اعتراف الإدارة بحدوث تصفيات وعمليات انتهاك واسعة النطاق بحق مدنيين وسرقة ممتلكات، مؤشراً على أنها جادة في محاسبة المسؤولين عمّا جرى في مدن وبلدات وقرى ساحلية غالبية أهلها من الطائفة العلوية، وسط ترقّب لأداء لجنة التحقيق.

ورأى المحامي والناشط الحقوقي محمد صبرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة التي شُكّلت هي لجنة تحقيق بحسب قرار رئيس الجمهورية، كونها مكلفة بتحديد المسؤولين عن الحوادث التي جرت في الساحل السوري، موضحاً أن كسب ثقة الشارع بهذه اللجنة، يأتي من خلال قدرتها على الوصول إلى جميع الأطراف والاستماع إلى أقوالهم، وتوضيح حقيقة ما جرى للرأي العام، وتمنى صبرا أن يتعاون الجميع مع هذه اللجنة بصدر مفتوح ومن دون أحكام مسبقة، لافتاً إلى أن الحكم على أدائها يجب أن يكون من خلال التقرير الذي ستضعه في نهاية عملها.

صلاحيات لجنة التحقيق

من جهته، ثمّن الحقوقي غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد"، تشكيل ما وصفه بـ"لجنة لتقصّي الحقائق"، مشيراً إلى أنه كان يؤيد تشكيل "لجنة تحقيق"، على الرغم من أن المرسوم أول من أمس أشار إلى "تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصّي الحقائق في أحداث الساحل السوري". وبحسب غزوان، فإن صلاحيات لجنة التحقيق أوسع نطاقاً وأشمل، ولديها الصلاحية القانونية بالاستجواب والتوقيف واتخاذ إجراءات الملاحقة، وبيّن أن "لجنة تقصّي الحقائق تملك صلاحية التواصل مع من تراه ضرورياً للحصول على معلومات مفصلة بشأن ما حصل، ومعرفة جوانب القصور والتقصير في الإجراءات السابقة واللاحقة للواقعة، وإعداد تصوّر وتوصيات ورفع تقريرها إلى السلطة السياسية". وتابع أنه "نظراً للظروف التي تمر بها البلاد، فلا بأس من لجنة لتقصّي الحقائق لتكوين رؤية شاملة عمّا حدث، وفي ما إذا كان لأطراف خارجية دور في أحداث الساحل السوري، ومعرفة جوانب القصور والتقصير في الخطة الأمنية في تلك المنطقة قبل وقوع تلك الأحداث المروعة، والوقوف على الإجراءات التي اتُّخذت لمواجهة الفلول والجرائم التي ارتكبوها، ومن ثم التوصيات والإجراءات التي يتعين اتخاذها إزاء ذلك".

ورأى قرنفل أن اللجنة تضم "الكفاءات اللازمة لأداء تلك المهمة ووضع تقرير مفصل بذلك أمام قيادة البلاد التي يتعين عليها على ضوء ذلك، اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقرارات تجاه ما حصل من تقصير ومن جرائم أيضاً"، واعتبر أن "هذه الخطوة لا يجوز أن تكون معزولة عن سياق معالجات وإجراءات وقرارات سياسية وقانونية ووطنية يجب اتخاذها وعلى عجل، لأن مترتبات الفعل على المستوى الوطني والدولي ليست جيدة على سورية وعلى المنطقة"، وفق حديثه.

غزوان قرنفل: صلاحيات لجنة التحقيق أوسع من تقصّي الحقائق

وتعليقاً على تشكيل لجنتين، الأولى لـ"الحفاظ على السلم الأهلي"، والثانية لـ"تقصّي الحقائق"، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخطوة "تعني أن الرئيس الشرع يتصرّف بمنطق الدولة"، وأضاف: "نحن نشهد للمرة الأولى منذ 54 عاماً اعترافاً من السلطات بوقوع انتهاكات دموية وعمليات قتل خارج القانون راح ضحيتها أبرياء كثر"، معرباً عن اعتقاده بأن "تشكيل اللجنة (التحقيق) خطوة أولى لاستعادة الثقة بالحكومة". وبرأيه، فإن "الرئيس الشرع يحوّل الكارثة إلى فرصة لتعزيز الثقة بالدولة، لكن مدى نجاحه في ذلك مرهون بإعلان نتائج لجنة التحقيق والمحاسبة العلنية، والعمل على رأب الصدع الذي حدث في المجتمع نتيجة محاولة فلول النظام القيام بتمرد، وما تلاه من أحداث قامت بها على الأغلب مجموعات متمردة، قبل استعادة القوات الحكومية السيطرة"،

ورأى الحاج أن هناك تداعيات "لم تتضح بعد" عن تلك "الانتهاكات الفظيعة"، مضيفاً أن "ثمة تداعيات داخلية تتعلق بالثقة في الحكومة، تقابلها تداعيات خارجية، فنحن لا نعرف كيف يمكن أن يتصرف اللاعبون الدوليون الذين أبدوا انزعاجهم مما حدث". واعتبر أن "الأطراف التي كانت على صلة بالتخطيط للأحداث لن تتوقف، سوف تستثمر بما حدث"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن التنبؤ بمدى الاستثمار السياسي فيه، ولا في ترتيب عمليات أخرى تهدف إلى إفشال الانتقال السياسي وإضعاف الحكومة المركزية"، كما رأى أن تشكيل اللجنتين "خطوة باتجاه تطويق تداعيات ما حدث داخلياً، لكن الأمور تحتاج وقتاً".

لكن الناشط السياسي يامن الحسين، أبدى في حديث مع "العربي الجديد"، تحفظه على تشكيل اللجنة "كونها لا تشمل كل الأحداث التي جرت في الساحل السوري وريف حماة"، معتبراً أنه "يجب على اللجنة تقصّي الحقائق قبل وبعد الأحداث، والتحقيق في كل الأيام السوداء التي مرّت على الساحل". وتابع: "نحن نحكم على النتائج التي ستخرج بها اللجنة نتيجة التحقيق لبلورة رأي عن اللجنة ونتائجها، هناك مئات الفيديوهات التي توضح ما جرى في الساحل من عمليات تحريض وقتل وتنكيل بحق المدنيين". وشدّد على وجوب أن تقوم السلطة بـ"معاقبة كل الأصوات التي ما تزال تقوم بعمليات تحريض طائفية، التي أدت في النهاية إلى مقتل مدنيين، ويجب أن نعرف من هي الجهة التي دعت للنفير العام الذي أدى إلى الفوضى وكانت نتائجه كارثية".

قراءة المقال بالكامل