الجنازات في الصين... فساد وأموال طائلة من دفن الموتى

منذ ١ أسبوع ٢٦

تشكل الجنازات في الصين أرضاً خصبة للفساد، ويرى محللون أن فساد صنّاع الجنازات الذي يشمل ممارسات عدة يترك تأثيراً سلبياً على الأخلاق الاجتماعية والثقة والاحترام

أصبحت صناعة الجنازات التي تديرها الدولة في الصين من خلال سلطاتها المدنية هدفاً جديداً لمحققي مكافحة الفساد إثر كشف سلسلة تجاوزات في أنحاء البلاد خلال الأشهر الأخيرة من بينها احتكارات شهدت، بحسب مراقبين، تحديد أسعار غير شفافة، وتقديم الخدمات دون المستوى المطلوب، ما يشكل أرضاً خصبة للفساد. ومن بين التجاوزات التي رُصدت إصدار صنّاع الجنازات شهادات مزورة لحرق جثث، والسماح لأسر متوفين بدفن الجثث، والتي تعتبر ممارسة تقليدية محظورة في البلاد بسبب قلّة الأراضي المتاحة. وأظهرت تحقيقات أن موظفين في مؤسسات للجنازات استخدموا القش والقطن والبلاستيك لصنع جثث مزيفة للحرق، ما ساعد أكثر من 60 أسرة في الحصول على شهادات مزيفة لحرق الجثث في مقابل أكثر من 200 ألف يوان (27.400 دولار). 
ودعت السلطات عشرات من مكاتب الشؤون المدنية إلى عقد اجتماعات لمحاولة تصحيح "المخالفات في صناعة الجنازات". وقالت وسائل إعلام إن "هذه الاجتماعات تتوافق مع الدعوة التي وجهها الرئيس شي جين بينغ، مطلع العام الجاري، إلى اللجنة المركزية لفحص أعلى هيئة للانضباط السياسي، ومكافحة الفساد من أجل محاربة التجاوزات التي تؤثر مباشرة على الشعب. وكشف بنك الاستثمار الصيني إنفاق نحو 258 مليار يوان (36 مليار دولار) على الجنازات والخدمات المرتبطة بها في الصين خلال عام واحد.
وتقول الباحثة الاجتماعية في معهد "غوانغ دونغ"، تانغ لي، لـ"العربي الجديد": "يلحق فساد صنّاع الجنازات أضراراً كبيرة في الثقافة التقليدية، في حين أن خدماتهم لا يجب أن تستهدف الربح باعتبارها ضمن القطاع العام". وتلفت إلى أن الشعب الصيني يقدّس الموت ويولي أهمية كبيرة لشعائر الجنازات إكراماً للمتوفى، علماً أن الصين تنظم مهرجان تشينغ مينغ السنوي لتبجيل الأموات من خلال زيارة قبورهم وتقديم الأطعمة والمشروبات لهم بطريقة رمزية. وتُدعى الأجيال الجديدة إلى المشاركة في هذا المهرجان كل عام امتثالاً لتعاليم كونفوشيوس، وبالتالي يضر أي تلاعب في هذا الاعتقاد بغرض الربح بالمصالح العامة والعادات الاجتماعية". 

وعن الأسباب التي تدفع نحو هذا الاتجاه، توضح تانغ أن "التكاليف الباهظة لشعائر الموت في الصين، سواء ارتبطت بعمليات التشريح أو حرق الجثث أو حتى الدفن في التراب تشكل دوافع قوة لضعفاء النفوس من العاملين في القطاع لاستغلال ذوي المتوفي عبر تقديم خدمات غير قانونية مقابل رشاوى وهدايا. ومن بين هذه الخدمات استخراج شهادة حرق للالتفاف على القانون الذي لا يسمح بدفن الجثث في مقابر تقليدية حفاظاً على الأراضي الزراعية. والحاجة ضرورية إلى تعزيز الرقابة الإدارية على هذه الصناعة، ودمج إنفاذ قانون الجنازات في الجهود الأوسع المبذولة لمكافحة الفساد، إلى جانب تعزيز الرقابة على نسبة الرسوم وكيفية تحصيل الأموال، مثل إنشاء نظام ائتماني، وكذلك تنفيذ آليات محددة للإبلاغ عن التجاوزات والتعامل معها وفق إجراءات واضحة تبرز شكل وحجم العقوبات على سوء السلوك المهني كي يمثل أداة رادعة للمتجاوزين أكانوا مديرين أو عاملين في المجال.

والعام الماضي كشفت سلطات مقاطعة شانشي (شمال) أن شركة محلية اشترت آلاف الجثث بشكل غير قانوني من أماكن مختلفة، وحوّلتها إلى منتجات مواد حيوية باعتها إلى مستشفيات، وجاء عدد كبير من هذه الجثث من أفران الحرق. وأوضح تقرير شرطة المقاطعة أنه جرى التحقيق مع 12 مديراً أو نائب مدير أو مديراً سابقاً لمؤسسات جنازات على الأقل، وأن العديد من المتهمين لديهم خبرة طويلة في صناعة الجنازات. 
ولاقت الفضيحة حينها تفاعلاً كبيراً من الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي في البلاد، وأثارت تساؤلات كبيرة حول صناعة الجنازات والقائمين عليها، ما دفع سلطات الإنترنت الصينية إلى فرض رقابة شديدة على الأخبار والمناقشات ذات الصلة، كما حذفت بسرعة مواضيع تناولت قضية بيع الجثث، وأغلقت خاصية التعليق في كثير من المنافذ الإخبارية.

يشار إلى أن السلطات الصينية أصدرت عام 2022 قرار حظر منح قبور أفقية لدفن الموتى، واستبدالها برفوف عمودية صغيرة تضم رمادهم. وذلك بعدما توقعت تقارير أن يصل عدد الوفيات إلى 15 مليوناً سنوياً بحلول العام الحالي، ما أثار مخاوف من استنزاف مزيد من الأراضي في وقت تعتبر فيه تكاليف الدفن مرتفعة. 
وكان مسؤولون صينيون قد اقترحوا سابقاً إعادة النظر في مسألة الحرق التي يرفضها كثيرون، واستبدالها باستخدام مواد تساعد في تحلل الجثة، ما يقلّص مساحة المقابر في المستقبل. وبحسب المعتقدات الصينية، يجب دفن الموتى في جوار أسلافهم كي تستقر أرواحهم في حياتهم الثانية، كما يجب أن تلامس الجثث التراب لتحقق شرط التوازن الكوني، وفق فلسفة قديمة تعرف باسم "يين يانغ"، لذا يرفض معظم الصينيين فكرة حرق الجثث، ويفضلون الدفن بطريقة تقليدية.

قراءة المقال بالكامل