قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن عمليات القتل الجماعي خلال الحملة الأمنية في الساحل السوري تشكل تهديداً لجهوده في لَمِّ شمل البلاد التي مزقتها الحرب، متعهداً بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا "أقرب الناس" إليه.
وفي مقابلة مع "رويترز"، بعد أربعة أيام من الاشتباكات العنيفة بين موالين للنظام المخلوع وقوات الأمن السوري، حمّل الشرع جماعات موالية للأسد يدعمها أجانب مسؤولية إشعال الأحداث الدامية، لكنّه أقرّ بأن أعمال قتل انتقاميّة وقعت في أعقاب ذلك.
كما حمّل الشرع وحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية مسؤولية اندلاع العنف في الأيام الماضية، لكنه أقرّ بأنّ "أطرافاً عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عدّة"، وقال إن ذلك "أصبح فرصة للانتقام" من مظالم مكبوتة منذ سنوات، لكنه أضاف أن الوضع جرى احتواؤه إلى حد كبير منذ ذلك الحين، وذكّر الشرع أن مئتين من أفراد قوات الأمن قتلوا في الاضطرابات، في حين رفض الإفصاح عن إجمالي عدد القتلى في انتظار التحقيق الذي ستجريه لجنة مستقلة أعلن عنها أمس الأحد قبل المقابلة.
وأضاف: "نحن أكدنا أن سورية دولة قانون، والقانون سيأخذ مجراه على الجميع"، ومضى قائلاً: "نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين... لا نقبل أن يكون هناك قطرة دم تسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب، بغض النظر لو كان (مرتكبها) أقربَ الناس إلينا أو أبعد الناس عنّا، لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس، والاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سورية".
وفي مقابلة تناولت العديد من الملفات، قال الشرع أيضاً إن حكومته لم تجرِ أي اتصالات مع الولايات المتحدة منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه، وكرر مناشدة واشنطن رفع العقوبات التي فرضتها على دمشق في عهد الأسد، وطرح أيضاً احتمال استعادة العلاقات مع موسكو التي دعمت الأسد طوال الحرب وتحاول الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين مهمتين في سورية.
ورفض الشرع انتقادات إسرائيل التي احتلت أراضٍ في جنوب سورية منذ إطاحة الأسد، كما عبر الشرع عن رفضه التهديدات الإسرائيلية العدائية المتزايدة، ووصف تعليقات كاتس بأنها "كلام فارغ". وكان وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد وجه انتقادات حادة للشرع ووصفه بأنه "جهادي إرهابي من مدرسة القاعدة، مصمم على ارتكاب أعمال مروّعة بحق مدنيين"، وأضاف الشرع رداً على الانتقادات الإسرائيلية: "هُم آخر مَن يتحدث"، في إشارة إلى حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة وقتلت فيها أكثر من 50 ألف فلسطيني جلّهم نساء وأطفال.
وبخصوص الخلافات مع الأكراد، أكد الشرع أنه يسعى إلى حلها بما في ذلك من خلال الاجتماع مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، التي تدعمها واشنطن منذ فترة طويلة. وشدد الرئيس السوري على أنه يريد حلاً عبر التفاوض وأنه سيلتقي بعبدي، وكان عبدي قد قال أخيراً إن أحداث الساحل تبرر مخاوفهم من فكرة اندماجهم مع القوات الحكومية.
الشرع: يضيقُ قلبي في هذا القصر
كان صوت الشرع (42 عاماً)، وهو ابن لرجل ينتمي إلى التيار القومي العربي، يتجاوز بالكاد حد الهمس في بعض الأحيان خلال المقابلة التي أجريت معه بعد منتصف ليل أمس. وبدا أن حاشيته من الشبان الملتحين ما زالوا يتكيّفون مع البروتوكول في هذا المقرّ الفخم للسلطة، وقال الشرع "صراحةً، يضيقُ قلبي في هذا القصر. في كل زاوية منه، استغرب كيف خرج كل هذا الشر منه تجاه هذا المجتمع".
وأقرّ الشرع بأن العنف الذي شهدته الأيام الماضية يهدد بعرقلة مساعيه إلى لمِّ شمل سورية، وتابع قائلاً: "الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر على هذه المسيرة... وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع".
ولتحقيق هذه الغاية شكّل الشرع "لجنة مستقلة"، وهي أول هيئة يشكّلها تضم علويين، للتحقيق في عمليات القتل في غضون ثلاثين يوماً وتقديم الجناة للمساءلة، وأضاف أنه جرى تشكيل لجنة ثانية للمحافظة على السلم الأهلي والمصالحة بين الناس "لأن الدم يأتي بدم إضافي".
ورفض الشرع الرد على سؤال حول ما إذا كان المقاتلون الأجانب أو الفصائل الإسلامية المتحالفة الأخرى أو أفراد قوات الأمن الحكومية تورطوا في عمليات القتل الجماعي، وقال إن الأمر متروك للتحقيق، وقال الشرع إن لجنة تقصّي الحقائق ستفحص اللقطات التي بثت وأظهرت عمليات قتل.
وقال الشرع إنّ موالين للأسد ينتمون إلى الفرقة الرابعة من الجيش السوري التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، وقوة أجنبية متحالفة هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات يوم الخميس لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية "لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سورية".
ولم يحدد القوة الأجنبية، لكنه أشار إلى الأطراف التي خسرت من الواقع الجديد في سورية، في إشارة واضحة إلى إيران حليفة الأسد منذ فترة طويلة، التي لا تزال سفارتها في دمشق مغلقة.
الشرع: لا نستطيع ضبط الأمن في ظل العقوبات
وقال الشرع إن الأمن والازدهار الاقتصادي مرتبطان مباشرةً برفع العقوبات الأميركية التي فرضت على نظام الأسد، وأوضح بالقول "لا نستطيع أن نقوم بضبط الأمن في البلد والعقوبات قائمة علينا"، لكن لم يحدث أي اتصال مباشر مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ما يقرب من شهرين منذ بداية ولايته، ورداً على سؤال حول السبب في ذلك قال "الملف السوري ليس على قائمة أولويات الولايات المتحدة، وأعتقد هذا السؤال يجب أن يوجه لهم. سورية بابها مفتوح للتواصل".
في الوقت نفسه، تجري سورية محادثات مع موسكو بشأن وجودها العسكري في القاعدتين العسكريتين الاستراتيجيتين في البحر المتوسط، قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية. وقال الشرع إن موسكو ودمشق اتفقتا على مراجعة كل الاتفاقات السابقة بين الدولتين، لكن لم يتوفر الوقت الكافي حتى الآن للخوض في التفاصيل. وأضاف "لا نريد أن يكون هناك قطيعة بين سورية وروسيا، ولا نريد أن يكون التواجد الروسي في سورية يسبب خطراً أو تهديداً لأي دولة في العالم، ونريد أن نحافظ على هذه العلاقات الاستراتيجية العميقة"، وأشار الشرع إلى أن العلاقات مع موسكو بالغة الأهمية، وقال "كنا نتحمل القصف ولا نستهدفهم مباشرةً حتى نفسح المجال ما بعد التحرير لأن يكون هناك جلسات وحوار بيننا وبينهم"، ورفض تأكيد ما إذا كان قد طلب من موسكو تسليم الأسد.
(رويترز، العربي الجديد)
