الطلاب السوريون... تعقيدات الإقامة في لبنان تحرمهم التعليم

منذ ٢ شهور ٤٦

أصدرت وزارة التربية اللبنانية، أخيراً، تعميماً يمنع تسجيل الطلاب السوريين غير الحائزين إقامات في المعاهد والمدارس الرسمية والخاصة، ما أثار موجة غضب بين عائلات اللاجئين

يواجه تلاميذ وطلاب سوريون في لبنان، من اللاجئين أو غير اللاجئين، مشاكل عدة في الحصول على إقامات أو حيازة ملفات من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تسمح لهم بالتسجيل والدراسة في مؤسسات التعليم الرسمي والمهني والجامعي، أو حتى معادلة الشهادات السورية في لبنان، وتلك اللبنانية في سورية، أو قبول وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية معادلة شهادات منحتها جامعات خاصة في البلاد.

تظهر أيضاً معضلة احتساب السنوات الدراسية للطلاب السوريين لدى الانتقال إلى بلدهم بعد سقوط نظام الأسد، في ظل رغبة الكثير من العائلات في العودة إلى ديارها. وكان الطلاب في عهد النظام السوري المخلوع يواجهون مشاكل في معادلة الشهادات الجامعية والثانوية والإعدادية في بلدهم، ما خفض معدلات الطلاب الحاصلين على شهادات أجنبية.

تشكو اللاجئة السورية، سناء إبراهيم، المقيمة في مخيم برج البراجنة بالضاحية الجنوبية لبيروت، من حرمان أولادها الأربعة من التعليم، وتقول لـ"العربي الجديد": "لا قدرة لنا على تسجيلهم في مدرسة خاصة، لذا تواصلنا مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مطلع هذا الشهر، من أجل تسهيل تسجيلهم في التعليم الرسمي، لكنها رفضت فتح أي ملف لأولادي، فراجعت وزير التربية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، الذي أكد أنه لا يستطيع مخالفة قرار مجلس الوزراء بشأن شرط  استحواذ كل طالب على إقامة سارية المفعول، أو وجود ملف له لدى مفوضية الأمم المتحدة، علماً أننا لجأنا إلى لبنان عام 2016، والدولة اللبنانية منعت وجود ملفات للاجئين الذين قدموا بعد عام 2015، وتكتفي بمنحهم "شيفرة" التي لا تعترف وزارة التربية بها لتسجيل الطلاب". تتابع: "أيضاً امتنع مدير المدرسة عن تسجيل أولادي على غرار طلاب سوريين آخرين".

ويتحدث اللاجئ السوري، الشيخ أحمد عودة، لـ"العربي الجديد" عن وجود نوعين من التعليم للاجئين السوريين في مدينة طرابلس (شمال)، هما التعليم في مدارس رسمية بدوام بعد الظهر، والتعليم في مدارس شبه خاصة تدعمها دولة الكويت، لكن المدارس الرسمية تشترط وجود ملف من المفوضية أو إقامة قانونية، ما يعرقل عملية التسجيل. وفي بعض المناطق تفرض مدارس خاصة الشروط نفسها.

ويتحدث باسل الخطيب، الطالب السوري اللاجئ إلى لبنان منذ عام 2013، عن أن تخرجه من الجامعة اللبنانية بقي عالقاً على مادة واحدة من دون أن يستطيع التسجيل لسنة دراسية جديدة بسبب انتهاء إقامته. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أستطع الحصول على إقامة طالب لأن الأمن العام اللبناني فرض تقديم إفادة تسجيل ومتابعة من الجامعة، والجامعة لا تمنحنا الإفادة إلا بعد تقديم الإقامة القانونية، ويجعل هذا التناقض الأمر أشبه بلغز. كما لا يمكن أن يصادق طالب سوري شهادة أو إفادة جامعية من جامعة خاصة في وزارة التربية اللبنانية إلا إذا امتلك إقامة صالحة، علماً أن صلاحية هذه الإقامة تنتهي في آخر كل سنة، ويجري استلام الشهادة آخر السنة أيضاً. إلى ذلك لا يمكن للطالب السوري التسجيل في الجامعة اللبنانية إلا بعد معادلة شهادة الثانوية السورية، وكي يعادلها يجب أن يملك إقامة قانونية، ما يضعه ضمن دائرة مغلقة".

محاولات لإيجاد حلول

ويكشف الخطيب أنه أطلق مبادرة فردية لتنظيم صفوف التلاميذ والطلاب السوريين في لبنان، من خلال تجهيز عريضة بشأن المشاكل، قدمها إلى السفارة السورية في لبنان، ووزارة التربية والتعليم العالي في لبنان، ووزارتَي التربية والتعليم العالي في سورية، ويقول: "التقينا بالقائم بالأعمال لدى السفارة السورية في لبنان، ووعدنا بإيجاد حلول. وننتظر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة لفتح قنوات تواصل مع المسؤولين الجدد في سورية، تمهيداً لخلق إطار تعاون يراعي مصلحة الطلاب". 

ويشير إلى أن "الإجراءات المتعلقة بالطلاب السوريين في لبنان أصبحت أكثر تعقيداً منذ عام 2012، حين بدأت الدولة اللبنانية تفرض متطلبات وملفات إضافية، حتى إنها اشترطت وجود التسلسل الدراسي، علماً أن غالبية المدارس في سورية تعرّضت لقصف وتدمير، ولم يكن هناك إمكانية للحصول على هذا التسلسل أو على معادلة وتصديق أي شهادة أو إفادة في ظل سيطرة نظام الأسد". 

ويأسف الخطيب لـ"عدم استلام بعض زملائه شهاداتهم في لبنان، لأن إقاماتهم انتهت قبل يومين فقط من موعد استلام الشهادات، واشتراط بعض الجامعات والمعاهد في لبنان وجود إقامة قانونية للطالب أو للأهل عند التسجيل أو استلام الشهادة، في وقت سُحبت فيه إقامات بعض الطلاب، وجرى ترحيلهم إلى سورية من دون معرفة الأسباب".

مفوضية اللاجئين

يقول متحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان لـ"العربي الجديد": "التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان يدعم تنمية الأفراد والمجتمعات، وعدم تمكن الأطفال اللاجئين من الوصول إلى التعليم، يعرّضهم لخطر العمالة وغيرها. عام 2024 لم يستطع 43% من الطلاب اللاجئين الذين سُجّلوا سابقاً في مدارس رسمية فعل ذلك مجدّداً، بسبب عدم قدرة عائلاتهم على تحمّل تكاليف النقل والمواد التعليمية، وعدم امتلاكهم إقامات قانونية، أو وثائق لفعل ذلك. ولا يزال 47% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و14 سنة، خارج المدارس والتعليم الرسمي. ورغم التغيّرات الأخيرة في سورية، لا يزال 9 من أصل 10 لاجئين سوريين في لبنان، يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ويضطر العديد من الأطفال إلى ترك المدرسة للعمل وإعالة أسرهم".

ويكشف المتحدث نفسه أن "الأمم المتحدة وشركاءها يعملون بشكل وثيق مع وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية، لضمان حصول جميع الأطفال في لبنان، بمن في ذلك اللاجئون، على تعليم. وتعمل وكالات الأمم المتحدة، وبينها يونيسف والمفوضية مع شركاء دوليين وأصحاب المصلحة لمعالجة وتذليل السياسات التي تعوق التحاق الأطفال اللاجئين في لبنان بمؤسسات التعليم".

مساعي "يونيسف"

بدوره يؤكد أحد المسؤولين في "يونيسف" في لبنان لـ"العربي الجديد" أن "المنظمة تعمل لدعم حق تعليم جميع الأطفال، بغض النظر عن وضعهم أو جنسيتهم، وتواصل التنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية والشركاء والجهات المانحة لإيجاد أفضل الحلول، بناءً على الاحتياجات التعليمية للأطفال، وذلك بغض النظر عن هويتهم. كما تنسق "يونيسف" مع مكتبها في سورية والحكومة اللبنانية لضمان مواصلة الأطفال العائدين إلى سورية التعلم والتغلب على التحديات الإدارية والأكاديمية. وهي ستواصل العمل مع وزارة التربية اللبنانية لضمان حصول الأطفال السوريين على شهادات معترف بها رسمياً عند الانتهاء من برامجهم التعليمية".

ويلفت إلى أن "جميع الأطفال المسجّلين في المدارس الرسمية، لبنانيين وغير لبنانيين، يستفيدون من الدعم الذي تقدمه "يونيسف" للتعليم الرسمي في لبنان. ومن بين تدابير هذا الدعم تحويل الأموال بالدولار مباشرة إلى صناديق أكثر من ألف مدرسة رسمية، للمساهمة في تغطية التكاليف الأساسية لعمليات التعليم، خصوصاً وسط غياب التمويل الحكومي لتكاليف تشغيل المدارس الرسمية، وأيضاً لدفع رواتب نحو 14 ألف أستاذ لبناني وموظفين في الكوادر التربوية في الدوامين الصباحي والمسائي، وأيضاً لطبع أكثر من 2.8 مليون كتاب دراسي لتغطية جميع الطلاب المسجلين في المدارس الرسمية من مرحلة الروضة إلى الصفوف الثانوية. كما تشمل تقديمات يونيسف دعم تطوير وزارة التربية اللبنانية السياسة الوطنية للتعليم الدامج للأطفال ذوي الإعاقة، وخطط عمل المدارس. وهي دعمت إعادة تأهيل 110 مدارس رسمية، وتشغيل 272 مدرسة رسمية بالطاقة الشمسية، وتشييد أربع مدارس رسمية جديدة جهّزتها بأحدث أنظمة الطاقة الشمسية، إضافة إلى إطلاق منصة مدرستي الرقمية المجانية للتعلم المدمج والتعلم عن بعد".

قراءة المقال بالكامل