القاضي الفيدرالي جيمس بواسبرغ.. كابوس ترامب

منذ ١ يوم ١٧

لا يوجد قاض فيدرالي أميركي لاقى هجوما وصل إلى حد الإهانة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته وأنصاره في الولايات المتحدة أكثر من رئيس المحكمة الفيدرالية الجزئية لمقاطعة كولومبيا جيمس بواسبرغ الذي وجه أمس في حكم مكتوب أن مسؤولين في إدارة ترامب قد يواجهون اتهامات بازدراء القضاء بعد رفضهم الامتثال لأوامره أكثر من مرة، ومنح إدارة ترامب فرصة حتى 23 إبريل/أيلول الجاري لتحديد هوية من وافق على عمليات الترحيل في تحد لحكمه أو تبرير الحكومة لأفعالها. في المقابل ينظر الليبراليون والديمقراطيون بإعجاب إلى موقف القاضي الذي يطالب فقط بتطبيق القانون كما يقولون. ويسمح القانون الأميركي بانتقاد القضاة وأحكامهم.

ولد بواسبرغ عام 1963 في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، وتخرج بامتياز مع مرتبة الشرف في جامعة ييل وهي واحدة من أعرق جامعات العالم في مجال القانون، ثم حصل على درجة الماجستير في التاريخ الأوروبي الحديث من جامعة أكسفورد العريقة، والدكتوراه في القانون من كلية الحقوق جامعة ييل عام 1990، وخلال دراسته الجامعية زامل بريت كافانو في السكن والذي أصبح حاليا قاضيا بالمحكمة العليا بناء على ترشيح ترامب في ولايته الأولى. وعرف خلال دراسته الجامعية ببراعته في لعب كرة السلة خاصة أن طوله يبلغ 1.98 سم، غير أن إصابة وجراحة في الركبة أنهت أيامه الكروية.

رشح الرئيس الأميركي الجمهوري جورج بوش في عام 2002، بواسبرغ، لمنصب قاض في المحكمة العليا لمقاطعة كولومبيا (أي العاصمة واشنطن)، وشغل منصبه حتى عام 2011، ووقتها رشحه الرئيس باراك أوباما لمنصب قاض فيدرالي في المحكمة الجزئية للمقاطعة وأقره مجلس الشيوخ ثم أصبح رئيسا لها بالإجماع عام 2023، وفي 2014 عينه رئيس القضاة المحافظ جون روبرتس في محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية الأميركية وترأسها من 2020 حتى 2021، وعين عقب ذلك رئيسا لمحكمة ترحيل الإرهابيين الأجانب الأميركية.

تظهر سيرته المهنية، أن هناك حالة توافق كبيرة عليه من بين المحافظين والليبراليين على مدار أكثر من عقدين من الزمان، فمن عينه رئيس جمهوري، ومن رشحه لمنصب قاض فيدرالي بالمحكمة الجزئية رئيس ديمقراطي، ومن عينه بمحكمة مراقبة الاستخبارات الأميركية رئيس المحكمة العليا المحافظ وكذلك في منصب رئيس محكمة ترحيل الإرهابيين الأجانب الذي غادره في يناير/كانون الثاني الماضي. كما أنه بسبب براعته غالبا يتم اختيار مساعديه القانونيين للعمل كمساعدين لقضاة المحكمة العليا الأميركية.

خصومة ترامب مع بواسبرغ منذ عام 2023

لا تعود خصومة ترامب مع القاضي الفيدرالي فقط لقضية تحقيقات يناير/كانون الثاني، فهو رئيس قضاة المحكمة الجزئية الفيدرالية منذ عامين، وهي الفترة التي شهدت تحقيقين فيدراليين مع ترامب حول الوثائق السرية والهجوم على مبنى الكونغرس، قبل وقف التحقيقات بعد فوز الأخير بالرئاسة ووجود قرار من المحكمة العليا. وسبق أن أصدر قرارا يقضي بتكليف نائب الرئيس السابق مايك بنس بالإدلاء بشهادته أمام محكمة محلفين كبرى كجزء من تحقيق خاص في قضية ترامب وأحداث شغب 6 يناير 2021.

القاضي يستخدم حقه الدستوري في قضية ترحيل المهاجرين

في منتصف مارس/آذار الماضي، استخدم ترامب قانون "الأعداء الأجانب" الصادر عام 1798 أو ما يطلق عليه قانون الحرب، لترحيل من ترى إدارته أنهم "أعضاء في عصابة ترين دي أراغوا"، لكن القاضي الفيدرالي بواسبرغ أصدر في اليوم ذاته أمرا تقييديا مؤقتا يوقف عمليات الترحيل في الوقت الذي جادلت فيه إدارة ترامب بأن الطائرات التي كانت تقل هؤلاء الأشخاص كانت بالفعل في طريقها من الولايات المتحدة إلى السلفادور.

لاحقا أصر القاضي الفيدرالي على استخدامه سلطته لمعرفة موعد انطلاق الطائرات ومن الذي كانت لديه السلطة لإيقاف الرحلات ومن الذي أعطى أوامر باستكمال هذه الرحلات. وقابلت إدارة ترامب على مدى أكثر من شهر مطالبه بالمماطله وتجاهل حدود سلطاته، وبالسخرية أحيانا من قبل كبار المسؤولين في الإدارة، والتي لجأت للمحكمة العليا أعلى سلطة قضائية في البلاد في مواجهة قراره، وبالفعل منحت المحكمة إدارة ترامب انتصاراً جزئياً، وذلك بالسماح باستئناف عمليات ترحيل بعض المهاجرين، مستندة إلى قانون "الأعداء الأجانب" الصادر عام 1798. ورغم أن المحكمة لم تحسم قانونية استخدام هذا التشريع بشكل نهائي ضد المهاجرين الذين يُشتبه في انتمائهم إلى عصابات إجرامية فنزويلية، إلا أنها قررت أن الطعن القانوني الذي قدمه المهاجرون أمام المحكمة الجزئية في مقاطعة كولومبيا قُدم في المحكمة الخاطئة، إذ إنهم محتجزون في ولاية تكساس، ما يجعل انعقاد الجلسة هناك غير مناسب.

نفذ القاضي الفيدرالي، أوامر المحكمة العليا، وألغى جلسات تالية لمنع ترحيل مهاجرين طبقا لقانون الحرب، لكنه واصل مطالبة إدارة ترامب بمعرفة من الذي تجاهل قراره بوقف عملية الترحيل، وواصل مسؤولو الإدارة تحديه في تصريحاتهم، غير أنه أصدر أمس حكما بإمكانية اعتبار الحكومة الفيدرالية متهمة بازدراء المحكمة جنائيا لتجاهلها قرارا بوقف عمليات الترحيل، وكتب أن المحكمة "تقرر أن تصرفات الحكومة في ذلك اليوم تجاهل متعمد لأمرها، وهو ما يكفي لاستنتاج وجود سبب محتمل لإدانة الحكومة بتهمة ازدراء المحكمة"، مضيفا أن المحكمة لم تتوصل لهذا الاستنتاج بتسرع وإنما "منحت المدعى عليهم فرصة كافية لتصحيح أفعالهم أو تفسيرها، ولكن لم تكن أي من ردودهم مرضية".

رفض بواسبرغ ادعاء وزارة العدل بأنه تجاوز سلطته بإصداره أمر التقييد، وكتب: "كان هؤلاء الأفراد على متن طائرات متجهة إلى الخارج، بعد أن رحلتهم الحكومة الأميركية قبل أن يتمكنوا من الدفاع عن حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة من خلال الطعن في إمكانية الترحيل أمام محكمة اتحادية، كما يقتضي القانون". وأمر الحكومة الفيدرالية إما بتبرير أفعالها أو تحديد هوية من وافق على عمليات الترحيل في تحد لحكمه، وذلك بحلول 23 إبريل/نيسان، موضحا أنه يمكن إحالة المسؤولين إلى المحاكمة.

ترامب يدعو لعزله ويصفه باليساري المجنون الفاسد

وفي 18 مارس/آذار الماضي، هاجم ترامب في منشور له على منصته "تروث سوشال"، بواسبرغ، ودعا إلى عزله، ووصفه بأنه "يساري متطرف مجنون" بسبب أمره آنذاك بوقف ترحيل مهاجرين إلى السلفادور، وذكر أن من عينه "باراك حسين أوباما للأسف" رغم حقيقة أن من عينه جورج بوش، وقال إن هذا القاضي "مثله مثل العديد من القضاة الفاسدين الذين أجبرت على المثول أمامهم، ويجب عزله. لا نريد مجرمين عنيفين مختلين عقلياً في بلدنا".

في نهاية مارس/آذار الماضي، كُلف بواسبرغ بنظر قضية استخدام مسؤولي إدارة ترامب تطبيق سيغنال للمراسلة لمناقشة خطط العدوان على اليمن.

استدعى هجوم ترامب ردا وبيانا عاما نادرا على غير العادة من رئيس القضاة ورئيس المحكمة العليا جون روبرتس الذي قال آنذاك: "منذ أكثر من قرنين، ثبت أن العزل ليس رداً مناسباً على قرارات القضاة"، مضيفاً أن عملية الاستئناف المعتادة موجودة لهذا الغرض. لاحقا حاول أحد الجمهوريين في مجلس النواب الدعوة لعزل القاضي غير أنها لم تجد طريقا للتصويت عليها رغم دعوة عشرات الأعضاء الجمهوريين لعزله استجابة لطلب الرئيس.

بواسبرغ وفضيحة تطبيق سيغنال

في نهاية مارس/آذار الماضي، كلف بواسبرغ بنظر قضية استخدام مسؤولي إدارة ترامب تطبيق سيغنال للمراسلة لمناقشة خطط العدوان على اليمن، وأمر آنذاك السلطة التنفيذية بحفظ الاتصالات والرسائل التي تمت عبر هذا التطبيق، والذي أضيف إليه صحافي أميركي عن طريق الخطأ، فعلق ترامب من جديد موجها هجومه، ووصفه بأنه "يعاني من متلازمة اضطراب ترامب"، وأنه "متناقض للغاية"، وأنه "يستولي على قضايا ترامب لنفسه"، غير أن موقع "بوليتي فاكت" المتخصص في التحقق من المعلومات، رد بأن ذلك خطأ وأن القضاة لا يختارون قضاياهم بأنفسهم وإنما تسند إليه القضايا عشوائيا من خلال عملية آلية، وأوضح أن قواعد المحكمة تنص على أن كاتب المحكمة بتوجيه من لجنة إدارة القضايا والتقويم المكونة من قضاة، يسند القضايا إلى نحو 15 قاضيا عاملا إضافة لكبار القضاة الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما على الأقل ولديهم 15 عاما في مناصبهم، ويستخدم كاتب المحكمة حسبما شرح بواسبرغ نفسه في إحدى الجلسات مجموعة أوراق لعب إلكترونية لتوزيع القضايا بشكل عادل وعشوائي في فئات مختلفة على مختلف القضاة.

القاضي أصدر سابقا أحكاما توافقت مع آراء ترامب

ورغم الهجوم الشديد عليه ومحاولة إظهاره على أنه منحاز للديمقراطيين ويقف في طريق ترامب، إلا أنه أصدر من قبل أحكاما توافقت مع آراء ترامب، ففي 2016 أمر بالإفراج عن الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بعمل وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون والتي استخدمت فيها خادما خاصا، كما أنه في 2017 قضى بأن المحكمة تفتقر إلى سلطة إصدار أمر إلى مصلحة الضرائب الأميركية للإفراج عن الإقرارات الضريبية للرئيس ترامب آنذاك.

قراءة المقال بالكامل