الليثيوم... المعدن الصديق للبيئة

منذ ٢ شهور ٥٣

الليثيوم هو أخف معدن على الإطلاق، ولأنه أخف من الماء، فهو يطفو على سطحه، ويمتاز الليثيوم بليونة شديدة، إذ يمكن تقطيعه بواسطة سكين المطبخ، وهو عنصر معروف في صناعة البطاريات، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والهواتف الذكية، وبطاريات الطاقة الشمسية وألواحها. 

وزاد الطلب عليه ضمن معركة الإنسان مع تغير المناخ، خاصة من قبل الشركات المصنعة للسيارات التي قطعت وعداً للحد من تأثيرات تغير المناخ بالتوجه إلى صناعة السيارات الكهربائية، والتوقف عن صناعة تلك التي تعمل بالوقود الأحفوري كالمازوت والبنزين. والليثيوم معدن قديم جديد، فقد اكتشف في عام 1817، وبعدها عثر على مياه صحية منشطة بسبب وجود كربونات الليثيوم فيها، فالتفت الأطباء إلى فوائده الطبية، ومن بينها علاج الاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب الهوسي، مع الحرص على الكمية المناسبة للجرعة حتى لا تتحول إلى جرعة سامة.

وكشفت المجلة البريطانية للصحة النفسية في دراسة نشرتها عام 2011، أن ارتفاع مستويات الليثيوم في مياه الشرب يرتبط بشكل وثيق بعلاج الكآبة الانتحارية وخفض نسب الانتحار، وحسب الموقع الطبي (WebMD) فإن الليثيوم يساعد في علاج الصداع والآثار المتعلقة بإدمان الكحول، كما يساعد مرضى السكري، ويحافظ على سلامة الكلى، ويعالج التهاب المفاصل، والأمراض الناتجة عن زيادة إفرازات الغدة الدرقية، إضافة إلى فوائد متنوعة أخرى.

ولا يزال الباحثون يقومون باختبارات للوصول إلى الفوائد الصناعية، خاصة بعد أن تبين أن صابون الليثيوم يتميز بقدرة عالية على التخلص من بقع الزيوت. ومعظمنا لا يعلم باستعمال الليثيوم في صناعة الألعاب النارية لإنتاج الأصوات المتفجرة والألوان، كما يضاف إلى وقود الصواريخ لزيادة السرعة وإطالة المسافة المقطوعة، وكذلك في تبريد المفاعلات النووية.

وحظي هذا المعدن بدراسات عدة في مسيرة التطور البشري، لأنه يلعب أدواراً مختلفة في إضعاف مسببات تغير المناخ، فمن خصائص الليثيوم أنه يمتص الكربون، ويعطي الأوكسجين كالنباتات، وقد ثبت أنه يمكنه تنقية الهواء، والحفاظ عليه نظيفاً وصالحاً للتنفس، وبالتالي حماية الطبيعة من التلوث، ويستعمل "كلوريد الليثيوم" و"بروميد الليثيوم" في الكثير من المركبات البحرية، خاصة الغواصات، لإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون وتنقية الهواء، إذ يقوم الليثيوم بتحويله إلى "كربونات الليثيوم"، بينما مركب "الليثيوم بيروكسيد" يمتص غاز ثاني أكسيد الكربون، ويطلق غاز الأوكسجين.

والمميز في بطاريات الليثيوم أنها لا تطلق غازات دفيئة تعزز تغير المناخ، كما تقدم أداءً أفضل من باقي أنواع البطاريات، إذ تولد ما يقارب 3 فولت لكل خلية، مقارنة مع 2.1 فولت لبطاريات الرصاص، و1.5 لبطاريات الزنك والكربون. 

مع كل ما سبق، هناك مخاطر لاستعمال الليثيوم من دون مراجعة الطبيب أو الاختصاصي الصناعي، إذ يمكن أن يسبب الأذى في حال ملامسة الجلد، أو تنفس غباره، أو أي من مركباته، فهو يؤدي إلى تهيج الأنف والحنجرة، ويتسبب في حروق للجهاز الهضمي، كما أن التعرض المستمر لهذه المركبات يمكن أن يتسبب في تراكم السوائل داخل الرئتين، لذا يجب القيام بإجراءات وقائية خاصة قبل التعامل مع الليثيوم.

ومع زيادة شعبية السيارات الكهربائية، والتوجه نحو الطاقة الخضراء، باتت الدول تتنافس على الليثيوم، والذي يقدر احتياطه العالمي بنحو 13 مليون طن، ونصفها تقريباً في بوليفيا، والبقية في أستراليا وتشيلي والأرجنتين وزيمبابوي وكندا والبرتغال والبرازيل. 

في أميركا الجنوبية، يجري استخراج الفلزات التي تحوي الليثيوم من سلسلة جبال الأنديز، ويستخرج في تشيلي والأرجنتين من المياه المالحة أيضاً، وتجري السعودية تجربة لاستخراج الليثيوم من المياه المالحة، وتقوم الولايات المتحدة الأميركية باستخراجه من البحيرات المالحة في ولاية نيفادا التي أصبحت منتجاً للمواد الخام لبطاريات الليثيوم، وتستعد الولاية لحفر أول منجم كبير لليثيوم، اعتماداً على أبحاث تشير إلى أكبر مستودع لليثيوم في العالم، ما قد يحدث ثورة في مصادر الليثيوم، وبالتبعية في تقنيات الطاقة النظيفة التي ستخلّص العالم من نحو ربع كمية ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030.
(اختصاصي في علم الطيور البريّة)

قراءة المقال بالكامل