المصرفي كارني يقود كندا إلى حرب اقتصادية ضد "المقاول" ترامب

منذ ١ أسبوع ١٨

انتخب الحزب الحاكم في كندا، مارك كارني، زعيما جديدا له ورئيسا للحكومة المقبلة ليحل بذلك محل جاستن ترودو، في وقت تواجه البلاد توترات تاريخية مع الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، إذ يتحتم على رئيس الوزراء المعين إبقاء خطط ترامب التوسعية تحت السيطرة، والاستعداد لحرب اقتصادية شرسة يرها الرئيس الأميركي السبيل الأمثل لإرغام كندا على التخلي عن سيادتها والانضمام إلى الولايات المتحدة لتصيح الولاية الـ51، على حد قوله.

بعد إعلان فوزه خرج كارني، المصرفي السابق والاقتصادي المخضرم، خلال خطاب النصر الذي ألقاه في أوتاوا، يوم الأحد، ليعلن أن بلاده ستبقي على الرسوم الجمركية الانتقامية ضد المنتجات المصنّعة في الولايات المتحدة، طالما استمر ترامب في حربه التجارية.

وقال: "الحكومة الكندية على حق بالرد من خلال رسومها الجمركية الخاصة"، مضيفا: "حكومتي ستبقي الرسوم الجمركية حتى يُظهر لنا الأميركيون الاحترام، ويتعهدوا بالتزامات موثوقة بتجارة حرة وعادلة".

فاز كارني، المحافظ السابق لبنكي كندا وإنكلترا، في المنافسة على قيادة الحزب الليبرالي، وسيتم تنصيبه رئيساً للوزراء في غضون أيام، إذ استطاع تسجيل فوز ساحق، بحصوله على 86% من الأصوات.

يأتي تولي كارني (59 عاماً) المهمة في مرحلة تاريخية فارقة بالنسبة إلى كندا، إذ سيواجه تحديات لا حصر لها. ولا يوجد أي منها أكثر أهمية من تلك التي يفرضها ترامب، الذي فرض رسوماً جمركية على السلع الكندية، وهدد باستخدام "الإكراه الاقتصادي" لضم جارة الولايات المتحدة الشمالية وجعلها الولاية الأميركية رقم 51. لقد أدت تصرفات ترامب إلى تمزيق الرابطة الثنائية بشدة بين البلدين، لدرجة أن المسؤولين وقادة الأعمال والناس العاديين في كندا يقولون إن الضرر قد يكون دائماً.

وفي الأسبوع الماضي، فرض ترامب رسوماً بنسبة 25% على معظم السلع الكندية والمكسيكية، ثم وعد بتأجيلها لمدة شهر على تلك التي تندرج تحت إطار اتفاقية التجارة لأميركا الشمالية، ثم هدد بفرض رسوم جمركية جديدة كبرى على الأخشاب ومنتجات الألبان الكندية. وأشار وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، يوم الأحد الماضي، إلى أنه يتوقع فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألمنيوم في 12 مارس/آذار الجاري.

تعتمد كندا بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة، وقد أثارت الضغوط الاقتصادية التي يمارسها ترامب غضباً وطنياً في الدولة الشمالية، حيث قاطع المستهلكون المنتجات الأميركية، وطالبوا الحكومات بتحويل انتباهها إلى إيجاد شركاء تجاريين جدد.

واستوردت الولايات المتحدة بنحو 418.6 مليار دولار من البضائع من كندا في عام 2023، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء. لذا ردت كندا على ترامب بفرض رسوم انتقامية، حيث أقرت رسوماً بنسبة 25% على سلع بقيمة 30 مليار دولار كندي (20.9 مليار دولار)، وهددت بتوسيع ذلك ليشمل سلعاً إضافية بقيمة 125 مليار دولار كندي من إنتاج الولايات المتحدة، بما في ذلك السيارات والشاحنات والصلب وغيرها من المواد الغذائية. وبينما أرجأ ترامب الرسوم الجمركية الجديدة على العديد من المنتجات، لا يزال هناك تهديد بعودتها في إبريل/نيسان المقبل، إذ هدد بفرض المزيد من الرسوم الجمركية.

وخلال الحملة الانتخابية، قدم كارني المصرفي السابق في بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي نفسه باعتباره شخصاً سياسياً متوازناً يتمتع بخبرة إدارة الأزمات لمواجهة ترامب وإدارة تداعيات الحرب التجارية التي قد تدفع الاقتصاد إلى الركود، مشيرا في ذلك إلى سجلّه في قيادة كندا خلال الأزمة المالية عام 2008، بصفته محافظ بنك كندا، وإدارة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصفته رئيس بنك إنكلترا.

وفي خطاب النصر، قال كارني إن كندا تواجه "أهم أزمة في حياتنا". وحذّر من أن "الأميركيين يريدون بلدنا". وأضاف "لا يمكننا أن نسمح لترامب بالانتصار"، قائلا إن كندا بحاجة إلى "بناء اقتصاد جديد وإقامة علاقات تجارية جديدة".

وتعهد كارني، الذي استقال من منصبه كرئيس لشركة "بروكفيلد" لإدارة الأصول المحدودة وشركة "بلومبيرغ"، للترشح لزعامة الحزب، بإيجاد أسواق جديدة لصادرات كندا، والحد من الحواجز التجارية الداخلية. كما تعهّد بإلغاء خطط زيادة ضريبة مكاسب رأس المال، وإلغاء ضريبة الكربون على المستهلك، واستخدام قوة الميزانية الفيدرالية للاستثمار في مشاريع رئيسية. وقال أيضاً إنه سيقسم الميزانية الفيدرالية إلى قسمين، ميزانية تشغيلية يعد بموازنتها، وميزانية إنفاق رأسمالي يُسمح لها بتخصيص عشرات المليارات من الدولارات للاستثمارات في البنية التحتية المعززة للإنتاجية.

تجاوز كارني منافسيه في سباق الزعامة، خصوصاً وزيرة المالية السابقة كريستيا فريلاند، وزعيمة مجلس النواب السابقة كارينا غولد ورجل الأعمال فرانك بايليس. كانت فريلاند هي التي وجهت الضربة القاتلة إلى مسيرة ترودو السياسية برسالة استقالة لاذعة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأعلن ترودو بعد ثلاثة أسابيع أنه سيغادر منصبه.

في ما قد يكون آخر خطاب سياسي له كرئيس للوزراء، أخبر ترودو حشد الليبراليين المجتمعين في أوتاوا أن يبقوا متأهبين وسط "التحدي الوجودي" الذي تفرضه الولايات المتحدة. وقال ترودو: "لا تخطئوا، هذه لحظة حاسمة للأمة. الديمقراطية ليست أمراً مسلّماً به. والحرية ليست أمراً مسلماً به. حتى كندا ليست أمراً مسلماً به".

تغير المد السياسي عندما تولى ترامب الذي لديه خلفية تاريخية كمستثمر في قطاعي العقارات والمقاولات، منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي واستهدف كندا على الفور تقريباً برسوم جمركية تهدد النموذج الاقتصادي الذي رفع النمو في الدولة لعقود من الزمان.

يراهن أعضاء الحزب الليبرالي على أن كارني، يمكنه إقناع الناخبين بأنه قادر على حماية المصالح الكندية. وقالت باتريشيا جيفلين، عضو الحزب الليبرالي من مدينة وندسور الحدودية في أونتاريو، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أمس الاثنين: "أعتقد أنه رجل اللحظة.. نحن بحاجة إلى شخص يساعدنا في تعزيز اقتصادنا، وبناء قوتنا، ومن الواضح أنه مع عدم اليقين بشأن ما يحدث جنوب الحدود، فأنت بحاجة إلى شخص مثله".

بدوره، قال نيك ماسيانتونيو، عضو الحزب الليبرالي من أوتاوا، إنه يعتقد أن كارني يمكنه "طي صفحة عصر حيث اعتدنا أن نثق في الأميركيين تماماً، وأن يكون زعيماً يمكنه الجلوس عبر الطاولة والتفاوض بالقوة ومنظور دولي ضد دونالد ترامب".

وأعلن رئيس الوزراء السابق ترودو في يناير/كانون الثاني الماضي تنحّيه عن المنصب الذي شغله قرابة عقد من الزمن، في خطوة اتخذها بينما كان يواجه ضغوطا كثيرة، بدءا بتراجع شعبية الحزب وصولا إلى اقتراب موعد الانتخابات العامة المقبلة. ويُتوقع أن يتم التسليم والتسلم بين ترودو وخلفه كارني في غضون أيام مع تأليف الحكومة الجديدة.

ورأت أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العسكرية الملكية في كندا، ستيفاني شوينار، وفق وكالة فرانس برس، أن كارني نجح في استقطاب التأييد بفضل "خبرته الاقتصادية وجديته". وأضافت: "هو ملّم بالأنظمة المالية العالمية ونقاط القوة والضعف للاقتصاد الكندي"، مشيرة إلى أنه نجح أيضا في الابتعاد عن ترودو ومواقفه السياسية.

وإضافة إلى التوترات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، سيكون الزعيم الجديد للحزب الليبرالي أمام مهمة شاقة هي إعادة توحيد صفوفه تحضيرا للانتخابات المقبلة. ويُفترض أن تُجرى الانتخابات في موعد أقصاه أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وتراجعت شعبية الليبراليين بشكل ملحوظ، ويحمّلهم الكنديون المسؤولية عن مشكلات عدة، خصوصا زيادة التضخم وأزمة السكن.

لكن بعدما كان الحزب الليبرالي متأخرا بفارق 20% في نوايا التصويت في يناير/كانون الثاني الماضي، وضعته استطلاعات الرأي في شبه تعادل مع المحافظين. وبحسب استطلاع للرأي نشره معهد "آنغس ريد" الأربعاء الماضي، يعد كارني هو المرشح المفضل لدى الكنديين لمواجهة ترامب، إذ اختاره 43% من المشاركين في الاستطلاع، في مقابل 34% يفضّلون زعيم المحافظين بيار بوالييفر. وبعدما حقق زعيم المحافظين تقدما في الأشهر الماضية، يبدو أن السياق السياسي المستجد أفقده بعض الزخم.

قراءة المقال بالكامل