تعتبر الوساطة لحل النزاعات بالوسائل السلمية والحوار والدبلوماسية الوقائية أولوية في سياسة دولة قطر الخارجية، والتزاما دستوريا لها، حيث تنص المادة السابعة من الدستور الدائم لدولة قطر على أنه "تقوم السياسة الخارجية للدولة على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين، عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام".
وقد التزمت دولة قطر بالعمل وفق مبادئها، وقادت منذ عام 2004 وساطات ناجحة تمكنت عبرها من إنهاء صراعات، والإفراج عن رهائن في مناطق مختلفة من العالم. كما ركزت تلك الوساطات على عدة قضايا، منها وقف إطلاق النار، واستعادة العلاقات الدبلوماسية، وتبادل الأسرى، ودعم الحوارات الوطنية، وإنهاء النزاعات الحدودية، وتعزيز الجهود الإنسانية، والتوصل إلى اتفاقيات سلام في العديد من الصراعات على المستويين الإقليمي والدولي.
وقد اختارت دولة قطر هذا الدور إيمانا منها بأن الوساطة هي الحل الأمثل الذي يؤدي إلى تجنب الصراعات أو تفاقمها وازدياد أعداد ضحاياها وتعاظم تكاليفها البشرية والاقتصادية والتنموية. ومن هنا، نهضت بدور فاعل لتعزيز الوساطة، وذلك بالتنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي، ممثلا في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعض الدول الصديقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد نجحت الوساطة القطرية في وضع نهايات سعيدة لكثير من الأزمات ومشاكل المنطقة في السنوات الماضية، وحفل سجل الوساطات القطرية بنجاحات متعددة في هذا الصدد، سواء على مستوى الصراعات بين دول متنازعة، أو جماعات ومجموعات سياسية أو جماعات مسلحة أو قوى معارضة.
ويعود سبب النجاحات القطرية إلى الإمكانات الدبلوماسية والعلاقات القوية مع الأطراف المختلفة، بالإضافة إلى الأهمية التي توليها قطر لهذا الجانب.
ونجحت الوساطة القطرية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية مصر العربية بالتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار في قطاع غزة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الفلسطينية /حماس/ في يناير الماضي، وتبادل الأسرى والمحتجزين، وقد استمر وقف إطلاق النار مدة شهرين. ورغم استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع، فإن الوساطة لا تزال متواصلة، في إطار التزام دولة قطر بإيجاد حل ينهي معاناة الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة.
وقبل ذلك، وتحديدا في أواخر نوفمبر 2023 تم التوصل إلى اتفاق هدنة إنسانية في قطاع غزة لأربعة أيام قابلة للتمديد، بوساطة دولة قطر بالشراكة مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية. ونص الاتفاق بشكل عام على تبادل 50 من الأسرى من النساء المدنيات والأطفال في قطاع غزة في المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، على أن يتم زيادة أعداد المفرج عنهم في مراحل لاحقة من تطبيق الاتفاق.
وسمحت الهدنة بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية.
كما قامت الدوحة بالعديد من الجهود في التوسط لحل الخلافات عبر العالم بالحوار والدبلوماسية، من السودان إلى اليمن، مرورا بتشاد وجيبوتي وإريتريا وأفغانستان، ومناطق أخرى كان للوساطة القطرية فيها حضور بارز ونجاح كبير.
ومن أبرز النجاحات التي حققتها الوساطة القطرية في السنوات القليلة الماضية، التوصل إلى إبرام اتفاق سلام بين الولايات المتحدة الأمريكية و/طالبان/ في أواخر فبراير 2020، والذي انسحبت بموجبه القوات الأمريكية من أفغانستان، ووضع حدا لحرب استمرت 19 عاما.
وفي 20 ديسمبر 2023 أعلنت دولة قطر، عن نجاح وساطتها بين الولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية فنزويلا البوليفارية لتبادل عدد من السجناء.
وبموجب الوساطة، أطلقت جمهورية فنزويلا سراح 10 سجناء أمريكيين، مقابل إطلاق الولايات المتحدة سراح سجين فنزويلي، بعد عقد عدد من جلسات الوساطة بين الطرفين.
كما نجحت دولة قطر في التوسط في اتفاق تبادل محتجزين بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية في أغسطس 2023. وشمل الاتفاق الإفراج عن 5 إيرانيين كانوا محتجزين في الولايات المتحدة، ورفع الحظر عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة.
وفي 27 مارس الماضي، أشادت وزارة الخارجية الأمريكية بالجهود القطرية في تيسير الإفراج عن المواطنة الأمريكية فاي هول، التي أُطلق سراحها من أفغانستان.
وقالت الوزارة على موقعها الإلكتروني: "يسر الولايات المتحدة الأمريكية أن ترحب بعودة فاي هول، المواطنة الأمريكية التي أُطلق سراحها من أفغانستان نهاية هذا الأسبوع.. نعرب عن خالص امتناننا لحكومة قطر على دعمها للمواطنين الأمريكيين المحتاجين".
وقبل ذلك بأسبوع واحد، وتحديدا يوم 20 مارس 2025 أعلنت دولة قطر أنها يسرت الإفراج عن المواطن الأمريكي جورج جليزمان، الذي كان محتجزا في أفغانستان، حيث وصل إلى الدوحة، قبل مغادرته إلى بلاده لاحقا.
وقد عبر سعادة الدكتور محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي وزير الدولة بوزارة الخارجية، عن تقدير دولة قطر للتعاون المثمر الذي أبدته كل من حكومة تصريف الأعمال الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية، مشددا على أن قطر تسعى دائما إلى تفعيل جهود الوساطة لإيجاد حلول سلمية للصراعات والنزاعات والقضايا الدولية المعقدة، انطلاقا من مبادئ سياستها الخارجية التي تقوم على توطيد ثقافة الحوار كخيار استراتيجي لتعزيز الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
وقد أسهمت الوساطة القطرية في تعزيز العلاقات المتميزة بين الدوحة وواشنطن، وأثنت الولايات المتحدة الأمريكية على دور دولة قطر في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ونشر ثقافة الحوار والدبلوماسية الهادئة.
كما نجحت الوساطة القطرية في لم شمل الأطفال المشتتين بسبب النزاع بين أوكرانيا وروسيا المستمر منذ فبراير 2022.
وفي 18 مارس الماضي، استضافت الدوحة اجتماعا ثلاثيا بين حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وفخامة الرئيس بول كاغامي رئيس جمهورية رواندا، وفخامة الرئيس فيليكس تشيسيكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ورحب قادة الدول بالتقدم المحرز في عمليتي لواندا ونيروبي، وكذلك القمة المشتركة لمجموعة دول شرق إفريقيا ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية التي انعقدت في دار السلام بتنزانيا، في 8 فبراير 2025. وأكد قادة الدول التزام جميع الأطراف بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار كما هو متفق عليه في القمة المذكورة. واتفق قادة الدول على الحاجة لاستمرار المناقشات التي بدأت في الدوحة لبناء أسس متينة من أجل تحقيق السلام المستدام كما هو موضح في عمليتي لواندا ونيروبي، اللتان تم دمجهما.
وأعرب فخامة الرئيس بول كاغامي رئيس جمهورية رواندا، وفخامة الرئيس فيليكس تشيسكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، عن شكرهما لدولة قطر وحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، على كرم الضيافة وعلى تنظيم هذا الاجتماع المثمر، الذي ساهم في بناء الثقة بين الدولتين والالتزام المشترك بمستقبل آمن ومستقر لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة.
وبسبب نزاهة وساطتها وحيادها، أثبتت دولة قطر نفسها شريكا موثوقا به على المستويين الإقليمي والدولي، وبات لها دور فعال في صناعة السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.