تتخذ طوكيو خطوات عسكرية أخيراً، من شأنها أن تؤثر على علاقتها مع بكين في ظل توترات متصاعدة في شرق آسيا والمحيط الهادئ، إذ تدرس اليابان نشر صواريخ بعيدة المدى على جزيرة كيوشو الواقعة في جنوب غرب البلاد بالقرب من بحر الصين الشرقي، والتي يمكن أن تستهدف شواطئ كوريا الشمالية والصين القارية. ونقلت وكالة أنباء كيودو اليابانية، الأسبوع الماضي، عن مصادر حكومية، أنه من المقرر أن يبدأ نشر الصواريخ في مارس/ آذار 2026، مضيفة أن الصواريخ الجديدة التي يبلغ مداها حوالي ألف كيلومتر، وهي نسخة مطورة من صاروخ تايب-12 الياباني المضاد للسفن والموجه أرض - بحر، مصممة لتحصين سلسلة جزر نانسي اليابانية التي تتمتع بأهمية استراتيجية نظراً لقربها من جزيرة تايوان.
في هذا الصدد اعتبرت وسائل إعلام صينية، أن نشر اليابان صواريخ في كيوشو قد يثير انزعاج الصين وكوريا الشمالية، ولكن من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تعطيل التحسن في العلاقات بين طوكيو وبكين. وعزت ذلك إلى أن مدى الصواريخ اليابانية الجديدة سيغطي قواعد الصواريخ الكورية الشمالية وكذلك قواعد الصواريخ الصينية متوسطة المدى والمرافق ذات الصلة على طول الساحل (الصيني)، لكنه لا يستطيع الوصول إلى الصواريخ النووية بعيدة المدى التي تمتلكها الصين في الداخل. من جهتها ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية، أمس الخميس، أن بيونغ يانغ حذّرت من نشر الصواريخ في كيوشو، قائلة إن مثل هذه القدرة الهجومية "ستؤدي إلى تصعيد مستمر للتوتر" في شمال شرق آسيا.
خطوات اليابان العسكرية
أثارت القوة العسكرية المتنامية لبكين قلق طوكيو، ما دفع الأخيرة إلى تحسين قدراتها العسكرية. واعتباراً من عام 2022، خصصت اليابان 43 تريليون ين (287.2 مليار دولار أميركي) لخطة خمسية لتوسيع دفاعها، ما رفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، بعد أن كان يزيد قليلاً عن 1% سابقاً. وتعد التحركات الجديدة التي اتخذتها اليابان جزءاً من الجهود الموضحة في الوثائق الاستراتيجية الثلاث (استراتيجية الأمن القومي - استراتيجية الدفاع الوطنى - برنامج تعزيز الدفاع) التي وضعتها طوكيو في عام 2022 لتحسين قدرات الضربات المضادة. يأتي ذلك باعتبار أن التوازن الحالي في القدرات الدفاعية يميل بشكل كبير لصالح الصين على حساب اليابان، ما يمنح بكين فرصة سانحة لتأمين ميزة عسكرية في المنطقة من خلال الشروع في هجوم محتمل. وبالتالي فإن تعزيز القدرات الصاروخية لليابان من شأنه أن يساعد على تقليص هذه الفجوة، من دون سدها تماماً.
إلا أنه على الرغم من التوترات المستمرة بشأن الأراضي المتنازع عليها وماضي البلدين في زمن الحرب، يبدو أن اليابان والصين تتغلبان على بعض خلافاتهما في الأشهر الأخيرة. يعود ذلك جزئياً إلى غموض سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، إذ كان قد أعرب في وقت سابق عن عدم رضاه عن حالة العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان. كما حث طوكيو على تحمل المزيد من العبء المالي للدفاع عن نفسها. في السياق من المقرر أن يزور وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، طوكيو، للمشاركة في الاجتماع الـ11 لوزراء خارجية الصين واليابان وكوريا الجنوبية، يوم غد السبت. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، في إفادة يومية، أمس الأول الأربعاء، إن بكين تأمل أن تتخذ طوكيو خطوات ملموسة وتزيل الحواجز لتحسين العلاقات الثنائية.
جينغ وي: حالة عدم اليقين بشأن سياسات ترامب دفعت اليابان إلى مراجعة علاقتها بالصين
مخاوف بكين
في هذا الصدد، توقع المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث (في الصين)، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يثير وزير الخارجية الصيني مخاوف بكين بشأن نشر اليابان صواريخ بعيدة المدى بالقرب من الحدود الصينية خلال لقائه بنظيره الياباني، تاكيشي إيوايا، في طوكيو. وقال إن "الاجتماع المرتقب يمثل فرصة لمناقشة هذا الأمر باعتباره تهديداً للأراضي الصينية"، موضحاً أنه "لطالما كانت مثل هذه الأنشطة سبباً في إعاقة تطور العلاقات بين البلدين". لكن جينغ وي استبعد أن يكون هذا الملف حجر عثرة "في ظل دفء العلاقات والتبادلات الدبلوماسية بين طوكيو وبكين خلال الأشهر الأخيرة"، معتبراً أن "حالة عدم اليقين بشأن سياسات ترامب تجاه المنطقة، دفعت اليابان إلى إجراء مراجعة لعلاقتها بالصين في محاولة لمقاربة وموازنة العلاقات الثنائية مع بكين وواشنطن". وباعتقاده أنه من غير المرجح أن تتراجع اليابان عن موقفها في ما يتعلق بنشر المنظومة الصاروخية، كما أن "بكين لن تتشدد إلى الحد الذي يعيق دفع العلاقات قدماً في هذه الظروف الاستثنائية التي تشهدها المنطقة".
جو فانغ: بكين تدرك الفجوة وأزمة الثقة بين طوكيو وواشنطن
في المقابل، رأى الباحث الزميل في جامعة آسيا (تايوان)، جو فانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه ليس من مصلحة الصين أن تبالغ في التعبير عن مخاوفها بشأن نشر الصواريخ اليابانية بالقرب من حدودها، على الأقل في الوقت الراهن. ويبدو، وفق جو فانغ، أن "بكين تدرك الفجوة وأزمة الثقة بين طوكيو وواشنطن، وعلى هذا الأساس بدأت في نسج علاقات ناعمة مع اليابان أخيراً، من خلال تبادل الزيارات والتخفيف من حدة التصريحات العدائية التي سادت بين البلدين لعقود طويلة".
وأضاف أن هناك عوامل أخرى أكثر واقعية، إذ "تنظر الصين إلى الأمر باعتباره جزءاً من جهود اليابان لتعزيز قدراتها الدفاعية بعيداً عن المظلة الأميركية"، كما أنها "تدرك أن هذه الصواريخ لن تستهدف الأراضي الصينية بأي حال نظراً لفارق ميزان القوى بين البلدين لصالح بكين من حيث المعدات العسكرية المتقدمة". هذه الصواريخ أيضاً، بحسب جو فانغ "مخصصة لأغراض محددة مرتبطة بمسألة الدفاع الذاتي ومحاولة تقليص الفجوة مع القوى الكبرى في المنطقة، بما في ذلك كوريا الشمالية".
