انطلاق مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية العاشر

منذ ٥ ساعات ١١

افتُتحت في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، صباح اليوم السبت، الدورة العاشرة من مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية، تحت عنوان "وسائط التواصل الاجتماعي.. جدلية تدفق المعلومات وحرية التعبير والمراقبة والسيطرة"، وتستمر حتّى الثلاثاء المقبل.

وستعرض في أيام المؤتمر الأربعة، 34 ورقة بحثية قبلتها لجنة المؤتمر بعد مسار بدأ باستقبال 534 مقترحاً، وصولاً إلى قبول الأوراق المشاركة عبر التزام معايير علمية صارمة في تحكيمها من بينها إغفال هويات الباحثين والمحكّمين.

هذه الخلاصة التقنية ذكرها رئيس لجنة المؤتمر، محمد حمشيفي، في كلمته الافتتاحية التي استعرض فيها مسارات وأدوار وسائط التواصل الاجتماعي منذ تحوّلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أسابيعها الأولى إلى إبادة، مع دعم غربي غير مسبوق، وإخفاق غربي في التحرك لوقفها، أو حتّى تخفيف المعاناة الإنسانية للضحايا.

وإذا كان العالم وما زال يُعاين الإبادة لحظةً بلحظةً، فإنّ الحديث دائماً هو عن دور وسائط التواصل. ولفت حمشي، في كلمته، إلى مساعدة منصات التواصل الاجتماعي في توثيق جرائم الاحتلال، وفي نشوء حركة تضامن غير مسبوقة، لكنّ هذه الوسائط مثلت أيضاً فضاء لتعزيز سردية الاحتلال عبر الجيوش الإلكترونية، وتواطؤ الشركات المالكة بتقييدها المحتوى المناصر للفلسطينيين، وفرض رقابة رقمية وانحيازٍ في الخورزميات.

وكانت الجلسة الافتتاحية التي أدارها رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، عبد الوهاب أفندي، تضمّ مشاركتَين لكل من أستاذ المشارك في قسم الإعلام في جامعة قطر كمال حميدو، وأستاذ النظريات النقدية في أكاديمية الفنون المصرية حجاج أبو جبر.

واستكشفت ورقة حميدو، وعنوانها "من حقبة البانوبتيك إلى حقبة الريزوم قراءة ميتا تحليلية في مسار دراسات المراقبة واتجاهاتها من 2002 الى 2024"، حقل دراسات المراقبة عبر تحليل الأبحاث المنشورة باللغة الإنكليزية في دورية "المراقبة والمجتمع "Surveillance & society، بين عامي 2022 و2024.

 واستناداً إلى مقاربة كمية وكيفية، تناول الباحث خصائص الأبحاث المنشورة واتجاهاتها بطرح ثلاثة أسئلة بحثية رئيسة تركز على عوامل ظهور دراسات المراقبة، والاتجاهات السائدة فيها، ومدى نقدها، أو شرعنتها لخطاب المراقبة، وباختبار ثلاثِ فرضيات متعلقة بتأثير البعدين الأخلاقي والمعياري في الدراسات، وعلاقة هذه الدراسات بالعوامل السياقية.

وعقب قراءة الورقة، ذهب حميدو إلى شرح ملخص يفيد بالفارق بين البانوبتيك والريزوم في المقاربة المنهجية، فالأول يؤمن بالمراقبة الشاملة من فوق إلى تحت، بمعنى أنّ ثمة "الأخ الأكبر" كما في رواية "1984" الشهيرة لجورج أورويل، يراقب الجميع لأهداف سياسية تتعلق بضمان هيمنة السلطة، أما المقاربة الريزومية فهي وإن كانت تؤمن بالمراقبة إلا أنها تفضل أن تكون منظومتها متوازية جذمورية لا رأسية، والجذمور هو الشكل الذي تنبت فيها بعض الثمار تحت الأرض كالزنجبيل على سبيل المثال، وهي متواصلة متشابكة وأفقية.

أما حجاج أبو جبر فكانت ورقته بعنوان "المنعطف الثقافي في دراسة المراقبة ووسائط التواصل الاجتماعي"، وفيها إحالات عابرة في كتابات الباحث الرائد في دراسات الرقابة ديفيد ليون، على ظهور منعطف ثقافي غربي في دراسات المراقبة بالإشارة إلى بعض الأعمال الأدبية والتلفزيونية والأفلام التي يتبدى فيها دور التكنولوجيات الرقمية في دفع المستخدمين إلى الانكشاف الطوعي.

رجع الباحث إلى حوار جمع عالم الاجتماع زيغمونت باومان وديفيد ليون عام 2013، وفيه أطلق باومان على هذه المراقبة الجديدة عبارة "المراقبة السائلة" وهي مستمدة من مفهومه عن "الحداثة السائلة".

مرّ 12 عاماً على حوار ليون مع باومان، وهذه ليست مجرد فجوة زمنية، بل إنها فجوة بحثية تحتاج إلى استكشاف للمنعطف الثقافي الذي تفاعل مع نظرية "المراقبة السائلة"، ومن هنا حاول حجاج أبو جبر استكشاف هذا المنعطف، وتوسيع نطاقه في صلته بوسائط التواصل الاجتماعي، وتقييم مدى حضوره في حقول متداخلة، وتتبع تشكله في السياق العربي.

وختم أبو جبر بالقول إنّه استعان بتحليل الصور المجازية، ومقاربة بينية تجمع بعض التخصصات وهي مجازات التكنولوجيا الرقمية، والدراسات الأدبية، والدراسات الفيلمية والتلفزيونية، ودراسات الفنون التشكيلية وفلسفة التكنولوجيا. وقال إنّ الأعمال الأدبية تؤكد دائماً على القدرة البشرية في تحدي المراقبة الشاملة فهناك "ساحات بديعة يتحرك فيها بطل رواية 1984، وهو الرجل الضعيف الذي كان يمكنه الهروب من رقابة الكاميرات".

يذكر أن المؤتمر الذي يعقد مرةً كلّ عامين من بين العديد من المؤتمرات البحثية والأكاديمية التي أسسها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، ويختتم دائماً بتوزيع الجائزة العربية لتشجيع البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وسيسبق حفل جوائز الدورة العاشرة ملاحظات ختامية للمفكر العربي عزمي بشارة بعنوان "أبحاث شبكات التواصل الاجتماعي: قضايا وتحديات".

قراءة المقال بالكامل