تحت شعار "للأفكار صوتٌ وصدى"، اختتمت أمس الأحد النسخة الافتتاحية من قمة "بالعربي"؛ وهي المبادرة التي أطلقتها "مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع" بالدوحة، يومي السبت والأحد، بمشاركة أكثر من 500 شخص من المنطقة والعالم حضروا للاستماع إلى عشرين متحدّثاً ومحاضراّ تناولوا محاور شملت الابتكار والعلوم وعلاقتهما باللغة العربية، إلى جانب محاور في الثقافة والفن والاستدامة، بهدف استشراف آفاق جديدة للتواصل الثقافي والفكري بين المجتمعات العربية.
وانطلقت القمة بفقرة موسيقية قدّمها الفنان التونسي لطفي بوشناق، تلتها جلسة بعنوان "الهوية لا تُترجم" ألقاها فداء الدين الخاشي، تناول فيها سرد القصة العربية بوصفها أداة لمواجهة التلاشي الثقافي.
وأكد هشام نورين، المدير التنفيذي للمبادرات والبرامج الاستراتيجية بمؤسسة قطر، أن "بالعربي" تجسد رؤية استراتيجية تؤمن بأن اللغة العربية ليست ماضياً يُحكى، بل مستقبل يُبنى، مشيراً إلى أنّ المؤسسة تسعى للحفاظ على العربية وتعزيز استخدامها في مجالات الحياة كلها، بوصفها ركناً أساسياً في بناء مجتمعات معرفية مزدهرة، قادرة على الإبداع والابتكار مع الحفاظ على هويتها الأصيلة.
من جانبه، اعتبر سعيد إسماعيل، رئيس "معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة" بالإنابة، أن مبادرة "بالعربي" تمثّل محطة فارقة لإحياء اللغة العربية، ليس بوصفها تراثاً لغوياً فقط، بل محرك للإبداع ورافعة للابتكار في عصر التكنولوجيا، مؤكداً أنّ اللغة العربية ليست تراثاً جامداً، بل لغة حيّة قادرة على استيعاب التطورات العلمية والتكنولوجية والتعبير عنها برؤية عربية أصيلة.
وقدمت الباحثة ديانا السندي محاضرة عن رحلتها من العراق إلى وكالة "ناسا" تحت عنوان "الفضاء... بالعربي"، بينما ألقت صانعة المحتوى الأردنية سلام قطناني مداخلة بعنوان "وهم الواقع"، أشارت فيها إلى أن الكون مغامرة مثيرة، ولكن الحقائق العلمية تعيد تشكيل الفهم للواقع.
وضمن الجلسات الاستكشافية، طُرحت منصة "فنار" نموذجَ ذكاء اصطناعي توليدي باللغة العربية طوّر من معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة. وأوضح الباحث محمد الطبّاخ أن المشروع يهدف إلى تعزيز استخدام اللغة العربية والحفاظ عليها في عصر الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن تقنية "تشات جي بي تي" التي ظهرت عام 2022 تميّزت بقدرتها التوليدية وطبيعتها التفاعلية، إلا أنّ هذه النماذج اللغوية تحمل مخاطرة كبيرة تتعلّق بالتحيز، إذ تميل إلى دعم اللغة الإنكليزية على حساب العربية. وأكد الطبّاخ أن مشروع "فنار" يهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية واللهجات المختلفة، وتوفير محتوى عربي عالي الجودة يعزز مكانة اللغة العربية في الفضاء الرقمي.
ناقشت ظهور أساليب جديدة لاستخدام العربية على مواقع التواصل
وشهد اليوم الثاني والأخير من "بالعربي" جلسات استكشافية ناقشت مستوى حضور اللغة العربية في الفضاءات الرقمية، وظهور أساليب جديدة لاستخدام اللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تدفق كلمات دخيلة عليها. وطرح "مركز مناظرات قطر" السؤال الملح: هل أثرت مواقع التواصل الاجتماعي سلباً على استخدام اللغة العربية في التخاطب والمراسلات؟"، وقد تعددت آراء المشاركين حول هذا الموضوع.
وفي جلسة استكشافية بعنوان "ترجمة محتوى "بالعربي": جسر للتواصل العالمي"، أكد المستشار أنور فتح الله أهمية "مشروع الترجمة المفتوح" الذي يهدف إلى ترجمة محتوى قمة "بالعربي" إلى لغات أخرى، لجعل أحاديث "بالعربي" متاحة أمام جمهور عالمي، ودعم التوسع الرقمي للغة العربية.
كما خصصت جلسة لـ"البودكاست العربي"، وأكد المشاركون أنه حقّق انتشاراً واسعاً وأصبح من أبرز أشكال المحتوى الرقمي المفضل لدى العديد من المستمعين. وتطرقت الجلسة للمقارنة بين نوعي البودكاست الحواري والسردي، فقد اعتبر بشر النجار، مقدّم البودكاست عبر منصة "صوت"، أن هذا النوع من المحتوى الرقمي هو تجلٍّ من تجليات "دمقرطة" صناعة المحتوى. بينما رأى محمد الرماش، مقدم بودكاست عبر منصة "أثير"، أن البودكاست فرض نفسه على السوق رغم أنه ليس نتاجاً للصحافة الأكاديمية بشكلها التقليدي، بل إنتاج من صناع المحتوى.
واختتمت القمة بعرض فني للخطاط كريم جباري، الذي مزج بين الخط العربي وفن الأداء، مجسداً شعار القمة: "للأفكار صوت وصدى".
