انتظرت أياماً صدور نفي رسمي لخبر بالغ الخطورة هو البدء بإجراءات بيع بنك القاهرة التابع للدولة المصرية للإمارات بالأمر المباشر وبالمخالفة للأعراف المتبعة، لكن هذا النفي لم يحدث سواء من جانب الحكومة المسؤولة عن عملية بيع أصول الدولة للأجانب، أو من البنك المركزي المسؤول عن الرقابة على القطاع المصرفي وحماية أموال المودعين، أو من الجهات الرقابية المنوطة بها حماية المال العام وفي مقدمتها الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية.
قبل خمسة أيام، تم الإعلان عن حصول بنك الإمارات دبي الوطني، التابع للدولة الإماراتية، على الضوء الأخضر من البنك المركزي المصري لبدء الفحص النافي للجهالة بغرض الاستحواذ على بنك القاهرة، في صفقة قد تزيد قيمتها على مليار دولار، وهو ما يعني فتح الباب أمام البنك الإماراتي لشراء البنك عقب تقديم عرض مالي وفني، خاصة وأنه وفق المصادر، فإن الحكومة المصرية تعمل على قدم وساق من أجل إتمام الصفقة في أقرب وقت ممكن، وإنه من المتوقع إنجازها في غضون 45 يوماً فقط. أي قبل حلول شهر مايو المقبل.
بدء الفحص النافي للجهالة يعني أن البنك الإماراتي يقوم حاليا بتقييم المركز المالي لبنك القاهرة وقوائمه المالية وديونه المشكوك في تحصيلها وأبرز عملائه سواء من المودعين أو المقترضين، والتعرف إلى نقاط القوة والضعف، وذلك خلال تلك الفترة الوجيزة، على أن يقدم عرضا ماليا بعد ذلك لشراء البنك المصري الذي تأسس عام 1925.
لا أعرف، هل الجهات الرقابية المسؤولة في الدولة المصرية على علم بتفاصيل الصفقة المثيرة والتي تخالف القوانين القائمة والأعراف المصرفية؟ وإذا كانت هناك ضرورة قصوى لعملية البيع، لماذا لا تطبق الحكومة تجربة طرح بنك القاهرة للبيع في عام 2008، أو تأخذ في الاعتبار فشل حكومات سابقة ونافذين في الدولة في بيع ثالث أكبر بنك في مصر بالأمر المباشر سواء لبنوك خليجية أو عربية وأجنبية، خاصة وأنه لم يخرج علينا أحد ليؤكد وجود منافسين للبنك الإماراتي على صفقة البيع؟
إذا كانت هناك حاجة ملحة لبيع واحد من أهم البنوك المصرية، فلماذا لا تتم عملية الطرح في مناقصة عالمية تتم من خلالها دعوة البنوك العالمية للتقدم بعروض شراء مالية وفنية؟
وإذا كانت هناك حاجة ملحة لبيع واحد من أهم البنوك المصرية، فلماذا لا تتم عملية الطرح في مناقصة عالمية تتم من خلالها دعوة البنوك العربية والعالمية والمحلية للتقدم بعروض شراء مالية وفنية؟ على أن تقوم لجنة من الجهات الرقابية في الدولة باختيار أفضل عرض سواء من الناحية المالية أو الفنية، وإعلان ذلك على الملّاك الحقيقيين للبنك وهم الشعب المصري، علما بأن هذا السيناريو حدث مرات عدة في مصر سواء مع صفقة بيع بنك الإسكندرية أو بنك القاهرة نفسه، حيث جرت مناقصة بيع البنكين التابعين للدولة تحت سمع وبصر الرأي العام المصري والعالمي، ومتابعة حية من الصحف ووكالات الأنباء الكبرى لجلسة فتح المظاريف، وقد كنت شخصياً حاضراً لتلك الجلسات التي انتهت بقرار اللجنة بيع 80% من أسهم بنك الإسكندرية لمصرف إيطالي مقابل 1.6 مليار دولار، ورفض كل العروص المقدمة لبنك القاهرة، لأن السعر المقدم من كل البنوك العالمية المتنافسة لم يكن مناسباً ويبتعد عن الرقم المستهدف من الدولة.
لا أعرف كيف تجرأت الحكومة على السير في إجراءات بيع واحد من أهم البنوك في مصر بالأمر المباشر، وهو ما يعد إهدارا صارخا للمال العام، وتجاهل القوانين القائمة التي تنص على بيع مثل تلك المؤسسات الحساسة في مناقصة عالمية كما جرى من قبل، ولا أعرف هل المليار دولار المعروضة كما تردد هي قيمة عادلة لبنك القاهرة الذي يمتلك محفظة ودائع تتخطى 350 مليار جنيه، وقروضاً وتسهيلات للعملاء نحو 187.4 مليار جنيه، ولديه أكثر من 360 فرعاً موزعة على محافظات مصر وتاريخ طويل من العمل المصرفي. والأهم أن البنك يمتلك أصول تقارب 450 مليار جنيه، أي ما يزيد عن 9 مليار دولار.
علما بأن الحكومة تلقت في العام 2008 عروضا مالية ضخمة تفوق ضعف هذا الرقم، إذ عرض البنك الأهلي اليوناني شراء أسهم بنك القاهرة كاملا مقابل 2.025 مليار دولار. ويتراجع الرقم إلى 1.36 مليار دولار إذا اشترى الحصة المعروضة وهي 67%. كما قالت الحكومة وقتها إنها تتوقع بيع 67% من أسهم بنك القاهرة مقابل حصيلة نقدية لا تقل عن 1.6 مليار دولار، وهي نفس حصيلة بيع 80% من أسهم بنك الاسكندرية. فهل قيمة الأصول المصرية الثمينة مثل بنك القاهرة تزيد مع مرور كل تلك السنوات الطوال، أم تتراجع للنصف كما يجري التخطيط لعملية البيع حاليا؟
لمَ مُنح البنك الإماراتي فرصة تقييم بنك القاهرة منفرداً تمهيداً لشرائه؟ وهل هناك منافسون؟ وإذا لم يكن هناك سوى العرض الإماراتي، فلمَ لا تتم دعوة البنوك العالمية إلى التقدم بعروض شراء؟أعود وأطرح أسئلة سبق أن طرحت بعضها قبل سنوات عدة، لمَ منح البنك الإماراتي فرصة تقييم بنك القاهرة منفرداً تمهيداً لشرائه؟ وهل هناك منافسون آخرون؟ وإذا لم يكن هناك سوى العرض الإماراتي، فلمَ لا تتم دعوة كل البنوك العالمية المهتمة بالوجود في مصر إلى التقدم بعروض شراء؟ أو أن يتم طرح البنك الحكومي في مزاد علني منعاً للقيل والقال والتشكيك؟
وإذا لم تكن هناك منافسة للبنك الإماراتي، فلماذا لا يتم تأجيل البيع؟ وما الذي تغير في مصر أصلا حتى تعاود الحكومة بيع واحد من أهرامات القطاع المصرفي في البلاد، وتعيد للواجهة صفقة اعترض عليها الرأي العام وأجهزة الدولة في عام 2008 بحجة مساسها بالأمن القومي المصري وأموال المودعين؟
وهل كان موقف وزير الدفاع في ذلك الوقت المشير محمد حسين طنطاوي الرافض بقوة بيع بنك القاهرة أو مزيد من البنوك للأجانب يعبّر عن رأي المؤسسة العسكرية تجاه الخصخصة والنيوليبرالية الجديدة وممارسات حكومة أحمد نظيف الخاصة ببيع أصول الدولة، أم كان موقفاً شخصياً؟ نريد أن نفهم.
وهل "زنقة الحكومة في شوية دولارات" وحاجتها الملحة للنقد الأجنبي وحماسها لبيع مزيد من أصول الدولة لسداد أعباء الديون الخارجية الضخمة مبرر كافٍ للتضحية بواحد من أكبر البنوك المصرية؟
والأهم من ذلك: ألا يكفي بيع مزيد من البنوك المصرية للإمارات التي باتت تمتلك عدة بنوك في مصر منها بنك الإمارات دبي الوطني- مصر، ومصرف أبوظبى الإسلامي، وأبوظبى الأول، وأبوظبى التجاري، والمشرق، وتمتلك البنوك الإماراتية الخمسة شبكة فروع تتخطى 300 فرعا؟ألا تكفي سيطرة الأجانب على أكثر من 35% من وحدات القطاع المصرفي المصري، أم أن البعض يريد أن يرفع النسبة لأكثر من 50%؟ وبعدها نسأل: لماذا تتزايد عمليات تهريب الأموال للخارج؟ ولماذا يحول أصحاب البنوك الأجنبية مليارات الدولارات للخارج سنويا هي ناتج أرباح رأسمالية للبنوك التي يسيطرون عليها في مصر؟