كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن زيارة وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح إلى القاهرة ولقاءه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية بدر عبد العاطي يوم الأحد الماضي، جاءت في إطار تحركات مصرية مكثفة للتعامل مع أزمة متصاعدة على الحدود بين إثيوبيا وإريتريا وسط تصاعد التوترات السياسية والأمنية في إقليم تيغراي الإثيوبي. وأوضحت المصادر أن الزيارة شهدت مباحثات "مكثفة ورفيعة المستوى" بين صالح والمسؤولين المصريين، ركزت على تطورات الوضع على الحدود المشتركة بين إثيوبيا وإريتريا في ظل مؤشرات على إمكان اندلاع مواجهات عسكرية جديدة بين الطرفين، وهو ما قد يشعل مجدداً جبهات إقليمية خامدة منذ اتفاق السلام الموقّع بينهما في 2018.
قلق مصري من أزمة بين إثيوبيا وإريتريا
وبحسب المصادر، فإن القاهرة تنظر بقلق بالغ إلى تدهور الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، لا سيما مع عودة الاشتباكات المسلحة في تيغراي، والخشية من أن تمتد هذه التوترات لتشمل مناطق أخرى، خصوصاً على الحدود مع إريتريا، ما قد يؤثر سلباً على مجمل المشهد في حوض النيل، ويهدد مصالح مصر الحيوية في ملف سد النهضة ومياه النيل.
وفي تطور ميداني لافت، طلبت إدارة إقليم تيغراي من الحكومة المركزية في أديس أبابا التدخل العاجل بعدما سيطرت فصائل مسلحة من "جبهة تحرير شعب تيغراي" على بلدتين رئيسيتين، إثر معارك دامية خلال الأيام الماضية. ويثير هذا التصعيد مخاوف واسعة من عودة أجواء الحرب الأهلية التي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وخلّفت، بحسب تقديرات، أكثر من 600 ألف قتيل وملايين النازحين، قبل أن تتوقف باتفاقية سلام وُقّعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا.
القاهرة تنظر بقلق بالغ إلى تدهور الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، لا سيما مع عودة الاشتباكات المسلحة في تيغراي
وربطت المصادر المصرية ما يجري في تيغراي بتحركات إريترية قرب الحدود، وبتزايد القلق من احتمال تورط أطراف إقليمية ودولية، ما قد يُعيد شبح الصراعات الشاملة إلى القرن الأفريقي، ويؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الجيوسياسية والأمنية في المنطقة الممتدة من منابع النيل إلى البحر الأحمر، حيث تتقاطع مصالح مصر والسودان وعدد من الدول العربية، إلى جانب أطراف دولية كبرى تسعى لمد نفوذها في هذا الممر الاستراتيجي.
ولا يقتصر هذا التقييم على التحليلات الدبلوماسية فقط، بل يجد صداه في الأوساط السياسية الدولية. فقد حذّر بايتون نوبف، نائب المبعوث الأميركي السابق لمنطقة القرن الأفريقي، والمستشار الحالي في معهد السلام الأميركي، من احتمال اندلاع "حرب إثيوبية إريترية جديدة" قد تجرّ المنطقة إلى فوضى شاملة. وفي مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" تحت عنوان "أوقفوا الحرب الإثيوبية الإريترية القادمة قبل أن تبدأ"، دعا نوبف دول الخليج وحلفاءها الغربيين إلى التدخل الدبلوماسي العاجل لـ"وقف صراع وشيك قد يشعل منطقة البحر الأحمر بأكملها".
جهود مصرية لحفظ المصالح
من جانبها، تكثف القاهرة، وفق مصادر "العربي الجديد"، من جهودها الدبلوماسية والاستخبارية للتعامل مع هذا التصعيد، خصوصاً في ظل حالة السيولة الأمنية والسياسية التي تضرب المنطقة، والتخوف من أن يؤثر تفكك الدولة الإثيوبية، أو دخولها في حرب إقليمية جديدة، على توازنات حساسة تمس الأمن القومي المصري، ومصالح دول عربية أخرى تعتمد على استقرار هذا الإقليم الحيوي.
وفي هذا السياق، كشفت المصادر عن تحركات دبلوماسية واستخبارية متزامنة تنفذها القاهرة، بهدف تقييم الوضع الميداني على الأرض، وتنسيق الجهود مع أطراف إقليمية ودولية لمنع انزلاق المنطقة إلى مواجهات مفتوحة. وأكدت المصادر أن الاتصالات المصرية شملت أطرافاً في السودان أيضاً، الذي لا يبدو بعيداً عن خط النار، نظراً لموقعه الجغرافي الحساس وتداخل الأزمات في حدوده الشرقية مع إثيوبيا وإريتريا.
واعتبرت الخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "موضوع الساعة الآن هو خطر اندلاع حرب إثيوبية إريترية وشيكة"، مشيرة إلى أن هناك دعوات متزايدة على المنصات الدولية تحث على "وقف هذه الحرب قبل أن تبدأ"، لما قد تُخلّفه من تداعيات مدمرة على منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي بأكملها. وأضافت: "من الواضح أن الأيام المقبلة ستشهد تحركات مكثفة، ومصر بحكم موقعها ومصالحها ستكون لاعباً رئيسياً في أي جهود لمنع تفجر الأوضاع أكثر في هذه البقعة شديدة الحساسية من العالم".
نجلاء مرعي: الوضع في تيغراي بات يشكل فتيلاً قد يشعل حرباً شاملة بين إثيوبيا وإريتريا
وحذرت من أن "الوضع في تيغراي بات يشكل فتيلاً قد يشعل حرباً شاملة بين إثيوبيا وإريتريا، وربما يتوسع النزاع ليأخذ طابعاً دولياً، نظراً لحساسية البحر الأحمر وأهميته الاستراتيجية للدول الكبرى والإقليمية على حد سواء". وأشارت إلى أن مثل هذا الصراع من شأنه أن يفاقم الحرب الأهلية في السودان، ويقوّض الاستقرار الهش في الإقليم. وأضافت: "هناك عدم ثقة متبادل بين أسمرة وأديس أبابا، وسط اتهامات متبادلة بتقويض اتفاقية بريتوريا التي وُقعت في نوفمبر 2022، وأنهت واحدة من أكثر الحروب دموية في القارة خلال القرن الحالي، وأسفرت عن إنشاء إدارة مؤقتة في إقليم تيغراي". وتابعت: "أسمرة تنظر إلى محاولات إثيوبيا -بوصفها دولة غير ساحلية- للحصول على منفذ بحري عبر أرض الصومال (إقليم صوماليلاند الانفصالي غير المعترف به دولياً)، على أنها تهديد مباشر، بل خطوة تستهدف إعادة فرض الهيمنة الإثيوبية على الموانئ الإريترية في عصب ومصوع، وهو ما تعتبره إريتريا مساساً بسيادتها".
