تصاعد عمران الصومال... فما هي مصادر تمويل البنايات الشاهقة؟

منذ ٥ أيام ٢٢

تشهد عاصمة الصومال، مقديشو، طفرة عقارية وتحولات كبيرة في مشهدها العمراني بعد سنوات من الصراعات وعقود من الحرب وعدم الاستقرار.

في السنوات الأخيرة، بدأت المدينة تستعيد حيويتها مع عودة الاستثمارات والمشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وجذب السكان والمستثمرين.

أحد أبرز مظاهر هذا التحول هو ظهور العمارات والبنايات الشاهقة والمحال التجارية في أفق المدينة، وهو ما يوفر فرص عمل ضخمة للصوماليين العاطلين عن العمل.
هذه العمارات ليست مجرد مبانٍ عالية تزين سماء المدينة، بل هي رمز للتغيير والإصرار على تجاوز الماضي وبناء مستقبل أفضل. خلال العقود الماضية، كانت عاصمة الصومال مقديشو تعاني من تدمير واسع النطاق في البنية التحتية، ما جعل التحديات العمرانية كبيرة ومعقدة، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
تساهم هذه المشاريع العمرانية في خلق بيئة حضرية جديدة لمقديشو، تجمع بين الطابع العصري والاحتياجات المحلية. لم تعد المدينة تعتمد فقط على الأبنية التقليدية ذات الطوابق المنخفضة، بل بدأت ترى المزيد من الأبراج السكنية والتجارية التي توفر مساحات متعددة الاستخدامات. هذه التطورات تعكس الرغبة في تحقيق توازن بين النمو السكاني المتزايد والحاجة إلى بنية تحتية حديثة تلبي احتياجات المجتمع.

ومن الملاحظ أن هذا التطور العمراني لم يقتصر فقط على بناء العمارات الشاهقة في عاصمة الصومال مقديشو، بل شمل أيضاً تطوير الطرق والجسور والمرافق العامة. بات من الممكن الآن رؤية أحياء جديدة تبرز في المدينة، من هذه الأحياء حي "Future State" وهو أحد الأحياء الجديدة التي جرت إضافتها إلى مدينة مقديشو، ويقع في منطقة غرسبالي في ضواحي المدينة.

البنية التحتية في حي "Future State" تعتبر متطورة، حيث يحتوي على جميع الخدمات الأساسية التي يحتاجها السكان. يتضمن الحي مساجد للعبادة، ومستشفيات تقدم الرعاية الصحية للسكان، بالإضافة إلى مدارس لتعليم الأطفال. كما يتوفر في الحي شبكات للمياه والكهرباء، مما يساهم في تحسين جودة الحياة للسكان. الأحياء الجديدة في مقديشو، مصممة بنظام بيع وإيجار لتلبية احتياجات السكان.

تقدم هذه الأحياء خيارات سكنية فاخرة تتنوع بين الفلل والشقق السكنية. على سبيل المثال، يبلغ سعر كل بيت في "Future State" حوالي 78000 دولار، وهو مبلغ يعتبر مرتفعاً مقارنة بمستوى الدخل العام في البلاد. هذه الأحياء أصبحت نقاط جذب للسكان الجدد والمستثمرين الذين يرون في مقديشو فرصة واعدة للاستثمار في سوق عقاري يشهد نمواً مستمراً.

مَن أصحاب المشاريع في الصومال؟

يقول المهندس الصومالي، أحمد كافي، إن "رجال الأعمال المقيمون في مقديشو يشكلون القوة الدافعة وراء العديد من هذه المشروعات العقارية. وبعد أن شهدوا بأنفسهم التحديات والصعوبات التي واجهتها البلاد، قرروا استثمار أموالهم وخبراتهم في إعادة بناء مدينتهم. هذه الاستثمارات لم تقتصر فقط على بناء العمارات الشاهقة، بل شملت أيضاً تطوير البنية التحتية والمرافق العامة مثل الطرق والجسور. رجال الأعمال المحليون يدركون تماماً احتياجات السوق الصومالية، ويعملون على تلبية الطلب المتزايد على السكن والمكاتب التجارية من خلال هذه المشروعات الطموحة". يضيف كافي لـ"العربي الجديد": إلى جانب ذلك، يلعب الصوماليون المغتربون دوراً محورياً في هذه النهضة العمرانية. بعد سنوات من الغياب عن الوطن، قرر العديد منهم العودة بأموالهم واستثماراتهم، مساهمين في تغيير ملامح العاصمة. هذا التزاوج بين استثمارات رجال الأعمال المحليين والمغتربين يعكس رغبة الصوماليين في إعادة بناء وطنهم وتحقيق الازدهار، حسب كافي.

شركات محلية وتركية تساهم في البناء

بدوره، يقول المهندس عبد الله شيخ حسين إن أغلب الشركات التي تساهم في بناء العمارات شركات محلية يمتلكها رجال أعمال صوماليون. ويضيف حسين لـ"العربي الجديد" أن هناك أيضاً شركات أجنبية تساهم في بناء هذه العمارات وأغلبها تركية.
وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت الشركات التركية تلعب دوراً بارزاً في عملية إعادة بناء مقديشو، حيث تساهم بشكل فعال في بناء العمارات الشاهقة والمشروعات العمرانية المختلفة في المدينة، وفق حسين الذي أكد أن العلاقات الوثيقة بين الصومال وتركيا، التي تعززت على مر السنوات، فتحت الباب أمام هذه الشركات للمشاركة في تطوير البنية التحتية، وتحقيق نهضة عمرانية تعيد تشكيل معالم العاصمة.

وطريق مقديشو-افجوي يعد واحداً من أكبر المشاريع التركية في الصومال، وقد لعبت الشركات التركية دوراً رئيسياً في بنائه وتطويره. ويمتد هذا الطريق الحيوي ليربط العاصمة مقديشو بمدينة افجوي في محافظة شبيلي السفلي، ويعد جزءاً من جهود تعزيز البنية التحتية وتحسين شبكات النقل في البلاد.
وأحد أبرز المشروعات التي تعمل عليها الشركات التركية في مقديشو يشمل تطوير مجمعات سكنية وتجارية حديثة، تهدف إلى تلبية احتياجات السوق المحلية المتزايدة.

هذه المشروعات لا تقتصر على إنشاء المباني فقط، بل تشمل أيضاً توفير الخدمات والمرافق المتكاملة التي تساهم في تحسين نوعية الحياة في المدينة.
ويرى مراقبون أن الحكومة تتمتع بالنفوذ في بعض الأحيان لبيع المناطق الاستراتيجية ذات المصلحة العامة لرجال الأعمال. كما تقوم الحكومة ببناء مشاريع تنموية في جميع أنحاء البلاد، مثل بناء الطرق والمستشفيات والجسور وغير ذلك.
وعلى الرغم من بعض الجهود المبذولة لتحسين الإطار القانوني وتسهيل إجراءات الاستثمار، فإن الدور الحكومي في تشجيع المشاريع العقارية ظل ضعيفاً مقارنة بحجم التحديات التي تواجه البلاد، حسب كافي، الذي أشار إلى مشاكل عدة، منها الافتقار إلى التخطيط العمراني، وتدهور الخدمات العامة في بعض المناطق.

قراءة المقال بالكامل