سلط إعلان الكويت، في 21 يناير/كانون الثاني الجاري، عن اكتمال الدراسات الهندسية لحقل الدرة بالتعاون مع السعودية، الضوء مجدداً على مصير الحقل الذي يحتوي كميات كبيرة من النفط والغاز، وإمكانية توقع تغير نوعي بملفه بعد التطورات الاستراتيجية الضاغطة على إيران إثر تراجع دورها في لبنان وتغيير النظام في سورية.
فالحقل، الواقع في المنطقة البحرية المُقسمة بين السعودية والكويت، يمثل نقطة خلاف تاريخية مع إيران التي تطالب بما تعتبره حقاً لها في جزء يمثل 40% منه، وذلك رغم عدم ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث، وتستهدف الخطط المشتركة للبلدين الخليجيين إنتاج مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز و84 ألف برميل من المكثفات، مع تقاسم الإنتاج بالتساوي.
ويعود اكتشاف الحقل إلى ستينيات القرن الماضي، لكن تأخر استغلاله يرجع إلى عدم الأهمية الاستراتيجية للغاز آنذاك مقارنة بالوضع الحالي، خاصة بعد أزمات الطاقة الناتجة عن الحرب الأوكرانية، وتشير التطورات الإقليمية الأخيرة إلى أن إيران تواجه تحديات صعبة تَحد من قدرتها على التصعيد، حسب ما أورد تقدير نشره مجلس العلاقات الخارجية (مؤسسة بحثية أميركية) في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يرجح امتلاك الكويت والسعودية زمام المبادرة في ملف الحقل.
ويرجح التقدير الأميركي تسريع التطوير الفعلي للحقل مع استمرار الجمود الدبلوماسي، خاصة مع عودة سياسة "الضغط الأقصى" الأميركية تجاه إيران تحت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ما يعني ترجيح فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران.
تراجع جيوسياسي
يؤكد الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، أن إعلان الكويت والسعودية إكمال الدراسات الهندسية الخاصة بتطوير حقل الدرة النفطي-الغازي المشترك، يعكس إصرار الرياض والكويت على المضي قدماً في الاستغلال المشترك للحقل، مستندين إلى اتفاقية 2019 التي تُقدر احتياطيات الحقل بنحو 800 مليون برميل نفط و600 مليار قدم مكعبة من الغاز.
ورغم ذلك، فإن هذه الكميات من النفط والغاز من شأنها أن تسهم بشكل محدود في تلبية الطلب المحلي، دون تأثير ملحوظ على الأسواق العالمية، حسب إسماعيل، مشيراً إلى أن المطالب الإيرانية، التي تدعي حقوقاً في 40% من الحقل، تواجه رفضاً كويتياً – سعودياً قائماً على اتفاقية ترسيم حدودية تُضمّن الحقل كاملاً ضمن المنطقة المحايدة بينهما.
ويلفت إسماعيل إلى أن طهران تفتقر إلى سند قانوني دولي لمطالبها، ما دفعها إلى استخدام خطاب تهديدي، كتصريحات مساعد الرئيس الإيراني، محمد دهقان، الذي هدد بالبدء باستغلال النفط والغاز من الحقل حال بدأت الكويت.
ومع ذلك، يستبعد إسماعيل تصعيداً إيرانياً بشأن حقل الدرة في المدى المنظور، نظراً للتراجع الجيوسياسي الإيراني في الملفات الإقليمية، مثل لبنان وسورية، والخوف من ردات فعل أميركية محتملة تحت إدارة ترامب.
وعلى الصعيد القانوني، يُشدد إسماعيل على ضرورة تطبيق المادة 76 من معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار (1982) لترسيم الحدود البحرية، وهو الأمر الذي تُؤجله إيران بينما تُصر الكويت على المضي في التنقيب دون انتظار، مؤكداً أن الموقف السعودي-الكويتي المدعوم دولياً، إلى جانب البيان المشترك للدولتين، الصادر في فبراير/شباط 2023 والذي يؤكد حقوق البلدين الكاملة في الحقل، يضعف المزاعم الإيرانية.
ويخلص إسماعيل إلى أن الخلاف حول حقل الدرة يحمل أبعاداً سياسية تفوق نظيرتها الاقتصادية، إذ تتمتع الدول الثلاث باحتياطيات كافية من النفط والغاز.
حقل الدرة... خطوة استراتيجية
في السياق، يشير عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان بيار الخوري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن إعلان الكويت إكمالها دراسات حقل الدرة المشترك مع السعودية يمثل خطوة استراتيجية تعزز التعاون الثنائي في إدارة الموارد الطبيعية، وتكمن أهميتها في تحقيق منافع اقتصادية مشتركة، عبر زيادة الإنتاجية والقدرة التنافسية لكلا البلدين في السوق العالمية، إلى جانب تعزيز أمن الإمدادات في ظل التقلبات الحالية.
ويبرز الخوري أن التنسيق السعودي الكويتي يترجم رؤية طويلة المدى لتحويل الحقل إلى ركيزة داعمة للاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي، بعيداً عن النزاعات التي تُعيق تنمية الموارد المشتركة، لافتاً إلى البعد الجيوسياسي المتعلق بمطالبات إيران بجزء من الحقل، والتي تعد أحد أبرز التحديات أمام هذا التعاون.
وفي ظل الضغوط الإقليمية المرتبطة بالأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان وسورية، يعتقد الخوري أن طهران ستواجه صعوبة في تصعيد موقفها، خاصة مع وجود دعم دولي محتمل للموقف السعودي-الكويتي، لكنه يلفت في الوقت ذاته إلى احتمال استخدام إيران هذا الملف ورقة تفاوضية.
ويخلص الخوري إلى أن تطوير حقل الدرة لا يقتصر على تعظيم العوائد الاقتصادية فحسب، بل يُسهم أيضاً في تخفيف تداعيات الأزمات الجيوسياسية عبر تأمين إمدادات طاقة مستدامة، وهي خطوة تأتي في توقيتٍ حاسم، مع تنامي الطلب العالمي على الطاقة، ما يعزز مكانة البلدين الخليجيين بوصفهما فاعلين مركزيين في صناعة النفط الدولية.
