لا يعرف على وجه الدقة عدد السجناء الليبيين في الخارج، لكن نشطاء حقوقيين يؤكدون أن الإجراءات الحكومية لاستعادتهم أو مساعدتهم غير كافية، وأنها خاضعة لصراع المكاسب السياسية
تبحث السلطات الليبية إمكانية تفعيل الاتفاقات المشتركة مع عدد من الدول لتبادل السجناء، سعياً لحلحلة ملف السجناء الليبيين في سجون خارج البلاد منذ سنوات. ومؤخراً، ناقشت وزارتا الخارجية والعدل في حكومة الوحدة الوطنية أوضاع السجناء بالخارج، وإمكانية أن يساعد تفعيل الاتفاقات الدولية في استرجاعهم.
ويتفاعل ملف السجناء الليبيين في الخارج منذ منتصف العام الماضي، عقب إجراء رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة اتصالات بالرئيس التونسي قيس سعيد، لبحث أوضاع السجناء والموقوفين والمشتبه بهم، والتعاون القضائي والأمني بين الأجهزة العدلية والأمنية في البلدين.
وفي الفترة ذاتها، ناقش الدبيبة مع مسؤولين صينيين أوضاع سجين ليبي محتجز منذ أربع سنوات، بتهمة إدخال أشخاص إلى الصين بطريقة غير قانونية، وفي مطلع العام الماضي، أجرت الحكومة مباحثات مع السلطات التركية لإعداد بروتوكول بشأن آلية تسليم السجناء بين البلدين.
من جانبها، أطلقت الحكومة المكلفة من مجلس النواب في شرقي ليبيا، حملة دولية للتضامن مع خمسة رياضيين ليبيين معتقلين لدى إيطاليا منذ عام 2015، بعد أن حكم عليهم بالسجن لمدة ثلاثين عاماً، بتهمة محاولتهم الوصول إلى إيطاليا، بطرق غير قانونية، لاستكمال مسارهم الرياضي.
وفي مطلع مارس/ آذار 2024، أعلنت السفارة الليبية في روما، ترحيل سجين ليبي إلى طرابلس، بعد أن أنهى فترة محكوميته في إيطاليا، نافية أن يكون ترحيله جاء بناء على اتفاق ليبي إيطالي لتبادل السجناء. ولا يعرف عدد السجناء الليبيين في الخارج، باستثناء الشبان الخمسة في إيطاليا والسجين في الصين، ولم تكشف السلطات عن أعدادهم لارتباط الملف بقضايا سياسية.
ويؤكد الناشط الحقوقي الليبي رمزي المقرحي، وجود شخصيات ليبية قيد الاحتجاز في الخارج لأسباب سياسية، ومن بينها هانيبعل نجل العقيد الراحل معمر القذافي، والمحتجز في لبنان، وتتواصل وزارة العدل الليبية مع الجانب اللبناني بشأنه، وكذلك أبو عجيلة المريمي، والذي نقل قبل سنتين من طرابلس إلى الولايات المتحدة الأميركية، على خلفية اتهامه بالمشاركة في حادث إسقاط طائرة أميركية في سنة 1988، إضافة إلى شخصيات أخرى متورطة في جرائم إرهابية، وجرى نقلهم الى أكثر من سجن في خارج البلاد.
ويوضح المقرحي لـ"العربي الجديد"، أن "السلطتين في طرابلس وفي بنغازي، لا تملكان القدرة على فتح ملف السجناء بالخارج، أو ممارسة ضغوط على الدول التي تحتجزهم لإرجاعهم إلى ليبيا"، مستنداً إلى واقعة إعلان السفارة الليبية في روما إطلاق سراح سجين ليبي في إبريل/نيسان من العام الماضي. ويضيف: "السفارة والحكومة في طرابلس حاولتا توظيف الواقعة لإيهام الرأي العام بأن السجين أطلق سراحه ضمن اتفاق لتبادل سجناء، بينما أهالي السجين يؤكدون أنه قضى محكوميته، ثم أطلق سراحه دون أي تدخل حكومي".
ويلفت إلى أن "الصراع يجعل ملف السجناء رهن المتاجرة لتحصيل مكاسب سياسية، لكن أطراف الصراع هي من تعرقل إنجازه، فمذكرات التفاهم التي تعلن حكومة الوحدة الوطنية توقيعها مع العديد من الدول هي خطوة أولى في الطريق الذي لن ينتهي إلا بتوقيع اتفاقات، بينما يظل مجلس النواب المسؤول عن توقيع هذه الاتفاقيات، وهو لن يفعل ذلك، لأنه يرى أن الحكومة منتهية الولاية، كما أن الدول لن تتعامل مع حكومة مجلس النواب لأنها لا تعترف بها".
يتابع المقرحي: "شكلت السلطات الليبية ثلاث لجان حكومية سابقة لمتابعة أوضاع السجناء بالخارج، أقدمها في سنة 2009، وأحدثها في سنة 2022، ووزارة الخارجية لديها مسؤولون مكلفون بهذا الشأن، لكن جميع هذه اللجان لم تنهِ معاناة السجناء، ولا يعقل أن الأمر متعلق بعدم وعيها بالإجراءات اللازمة، وباعتقادي أن لديها رؤية قاصرة تتبنى إنهاء هذا الملف في الخارج من دون النظر إلى إمكانية تكليف محامين للدفاع عن السجناء أمام محاكم تلك الدول، وهي خطوة تقوم بها العديد من الدول، وتؤتي في الأغلب نتائج جيدة".
ويرى أن "النشطاء الحقوقيين ليس لديهم الدراية الكاملة بالتهم التي يواجهها المواطنون الليبيون في الخارج، وحيثيات العدالة، لكن بعضهم وقعوا في كمائن ومكائد، ويمكن تخليصهم منها، بينما النظرة العامة لدى المسؤولين أن كل السجناء متورطون في جرائم، وحساسية هذا الملف وارتباطه بالسياسة وملفات الإرهاب تجعل أغلب المسؤولين يتهربون من التعامل معه".
