مُنِحَ أول وسام يناله قارئ للقرآن الكريم في "عيد العلم" سنة 1965م، وأُخْتِرَ قارئ القصر الملكي، ولُقِبَ أيضًا بشيخ المقرئين، ثم كان أول مقرئ مصري معاصر يقرأ في ساحات المسجد الأقصى الأسير بعد الاحتلال الصهيوني له، إنه الشيخ مصطفى إسماعيل.
يُعد الشيخ مصطفى نموذج فريد في عالم التلاوة، له نمطه الخاص من حيث عذوبة الصوت المتأثر بمعاني الآيات، تمتع الشيخ مصطفى إسماعيل بمنزلة كبيرة لدى قطاع واسع من المسلمين في بقاع شتى، حيث لا يزال القارئ الأثير عندهم إلى الآن، حتى بعد مضي ما يقرب من أربعة عقود على وفاته.
وسنستعرض خلال السطور الآتية المحطات التي مر بها الشيخ مصطفى، والتي جعلت منه نموذجا حيا عايش القرآن الكريم وعاش به وله، وتخلق بأخلاقه.
عزيزي القارئ، وُلِدَ الشيخ مصطفى محمد المرسي إسماعيل في قرية ميت غزال التابعة لمركز السنطة محافظة الغربية في السابع عشر من شهر يونيو لسنة 1905م، ويُذكر أنها ليلة القدر. اتصف الشيخ بصفات كريمة، فكان إنسانًا بسيطًا، وعلى خلق كريم، عف اللسان، يحافظ على كرامته، ويطلعنا الشيخ عن سبب ذلك قائلًا: "أول ما يجب أن يحافظ عليه قارئ القرآن الكريم كرامته، أي كرامته الشخصية المستمدة من حمله لكتاب الله". نضيف إلى ذلك أنه رحمة الله كان شديد التواضع مع البسطاء وعشاق صوته من جميع الطبقات والأجناس.
وكان الشيخ مولع بالقراءة، ففي بيته كتب الأحاديث والسيرة النبوية، وكانت لديه مكتبة كبيرة تحوي الكثير من كتب علوم القرآن الكريم، والأحاديث وأسفار التاريخ، وكتب اللغة. وكان يقضي وقت فراغه في القراءة والاطلاع على الصحف والمجلات، فإذا وجد فراغًا واسعًا قضى في قراءتها أربع ساعات أو أكثر في اليوم، وأيضًا كان محبًا للشعر حافظًا له. كما حفظ القرآن الكريم كاملًا وعمره لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. كما تعلم التجويد والقراءات السبع للقرآن الكريم، فيقول الشيخ: "حفظت القرآن الكريم على الشيخ عبدالرحمن أبو العينين، وبعد الكتاب حفظت القراءات السبع على الشيخ محمود أبو حشيش، وجَوْدته على الشيخ إدريس فاخر". وماذا عن مشواره كقارئ للقرآن الكريم؟
يقول الشيخ مصطفى إسماعيل أن بداية احترافه للقراءة كان في سنة 1925م، وكانت بدايته الشهرة من خلال قراءته في منطقة "الداوودية" بالقاهرة، وقد حضر عدد من كبار الشيوخ والملحنين، وبعد أسبوع من هذا اللقاء استدعى الشيخ لجنازة أحد الكبراء بالقاهرة مرة ثانية، لكنه فوجئ هذه المرة بحضور جميع شيوخ القراء في مصر، حيث سارت الركبان بأخبار الليلة الأولى؛ فكان هذا التأثير على هذه الكيفية، وأعقب ذلك مباشرة اشتراكه، في "رابطة القراء"، وقد أقامت حفلة كبيرة بمناسبة المولد النبوي الشريف بمسجد الحسين، في حضور الإذاعة وجمع غفير من الناس كان الموعد مع الشيخ ليفتتح القراءة في تلك الليلة، فكانت بمثابة فتح جديد ووثبة عالية يصل بها إلى درجة أفضل، حيث تعاقد مع الديوان الملكي للقراءة في ذكرى الملك فؤاد، وكان ملك إيران حاضرًا تلك الليلة، وأعجب به إعجابًا شديدًا، فطلب منه أن يحضر إليه في مكان ضيافته برأس التين ليقرأ له، فكانت هذه الخطوة بمثابة انطلاقته إلى العالمية.
