"طريق التنمية" عند منعطف بغداد ودمشق

منذ ٦ ساعات ١٥

 

وسط تزايد المنافسة الإقليمية على مشاريع النقل والتجارة، يبرز مشروع طريق التنمية بوصفه جزءا من المبادرات الاستراتيجية التي تسعى لتعزيز الربط بين الخليج وأوروبا، حيث يراهن العراق وتركيا على هذا المشروع ليكون ممراً تجارياً حيوياً يسهم في تسريع تدفق البضائع وتخفيض تكاليف الشحن، من موانئ البصرة على الخليج العربي جنوبي العراق وصولاً إلى الأراضي التركية في طريق بري يمتد لمئات الكيلومترات.

ومع ذلك، يواجه المشروع تحديات كبيرة، من بينها التنافس مع مسارات بديلة قد تكون أكثر استقراراً أو تمتلك بنية تحتية أكثر تطوراً، مثل الممر الذي يربط السعودية والأردن بسورية، والذي يمكن أن يشكل تهديداً لجاذبية المسار العراقي.

وفي ظل المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، برزت مقترحات جديدة لإدخال سورية ضمن مسار مشروع طريق التنمية، ما قد يؤثر على موقع العراق محوراً رئيسياً لهذا الطريق، فالتحولات السياسية في سورية، إلى جانب الاستثمارات الخليجية المحتملة لإعادة إعمارها، قد تعزز دورها ممراً تجارياً بديلاً.

العام الماضي وقّع العراق وتركيا اتفاقية مشروع طريق التنمية، والذي يضم خطوط سكك حديدية وطرقاً سريعة تربط بين ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي بالبصرة، مع الحدود العراقية التركية، بطول 1200 كيلومتر، وبتكلفة مالية تقدر بـ 17 مليار دولار ويُتوقع أن يدر نحو 4 مليارات دولار سنوياً ضمن المرحلة الأولى له، عدا عن تشغيل عشرات آلاف الأيدي العاملة.

وتتركز فكرة مشروع طريق التنمية، على اختصار مسافة النقل بين آسيا وأوروبا عن طريق الأراضي التركية، وتبدأ شبكة النقل من ميناء الفاو في مدينة البصرة العراقية (جنوباً) مروراً بمحافظتي كربلاء وبغداد، وصولاً إلى محافظة نينوى (شمالاً)، ثم إلى الأراضي التركية وصولاً إلى ميناء مرسين كما يتفرع داخل تركيا باتجاه الدول الأوروبية المجاورة عبر النقل البري.

بحث ربط سورية بالمشروع

في تصريح سابق له عبر وسائل الاعلام، أكد وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أن بلاده تبحث في إمكانية ربط سورية بالمشروع، مشيراً إلى الفوائد التي قد يجنيها المشروع من تقليص زمن الشحن وتعزيز موقع تركيا مركزاً تجارياً عالمياً.
من جانب آخر، اعتبر وزير النقل العراقي، رزاق محيبس، أن الدور التركي أساسي كدور العراق، وهناك مذكرة تفاهم وقعت بين الجانبين لأنهما الدولتان صاحبتا الامتياز، العراق صاحب الأرض وهو امتياز له، وتركيا صاحبة البوابة للدخول لأوروبا وهو امتياز لها، وبالتالي سيكون لهما دور أساسي.
وشدد محيبس، في تصريح صحافي، على أن التحديات موجودة لكن لا تصل إلى حد إيقاف المشروع، لأنها قابلة للحلول وفي مقدمتها التحدي المالي، أما التحديات المتبقية كلها فبسيطة وتتعلق بأمور داخلية، موضحاً أن المشروع لا يتعرض لمعارضة دولية بل يحظى باهتمام جميع الدول.

إمكانية تحول الطريق

قال رئيس تحالف الاقتصاد العراقي، عدي العلوي، إن المشروع العراقي يواجه تحديات أبرزها جاذبية الطريق البديل (السعودية - الأردن - سورية)، المدعوم ببنية تحتية متطورة، حيث تمتلك السعودية موانئ حديثة وشبكة سكك حديدية.
وأشار العلوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن خط الحجاز السككي في الأردن، والذي يمكن ربطه بسهولة مع سورية، فضلاً عن الاستقرار في السعودية والأردن يقلل من مخاطر التأمين على البضائع مقارنة بالعراق.
وأضاف أن السعودية قد تدفع لتعزيز طريقها بديلاً استراتيجياً عن الممرات التي تسيطر عليها إيران أو تركيا، مما قد يُضعف المشروع العراقي، خاصة مع استمرار تحدياته الداخلية كعدم الاستقرار السياسي وهجمات المليشيات.
وأوضح أن المسار العراقي أقصر بنحو 500-700 كلم مقارنةً بالطريق عبر الأردن ثم سورية، مما يخفض تكاليف الشحن والوقت، كما أن ميناء الفاو العراقي قد يكون أكثر جذباً للسفن الكبيرة بفضل موقعه الاستراتيجي.
وأكد العلوي أن أنقرة تولي اهتماماً كبيراً بالمشروع، حيث ترتبط بمذكرات تفاهم مع بغداد، كما أن العراق بدأ بتنفيذ المشروع قبل استقرار سورية، مما قد يجعله خياراً واقعياً رغم المنافسة.
واعتبر أن تراجع أهمية المشروع العراقي ليس أمراً حتمياً، بل يعتمد على سرعة تنفيذه، في حين أن الطريق البديل يحتاج إلى استثمارات ضخمة تصل إلى 50 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية السورية، إضافة إلى اتفاقيات سياسية معقدة بين السعودية وإيران وتركيا والسلطة السورية الجديدة.

الطرق السورية مهيئة

قال الباحث الاقتصادي السوري، نعيم اللومان، إن قطر والإمارات ورغم كونهما جزءاً من المشروع، إلا أنّهما ما تزالان تتعاملان معه بحذر، ولذلك بسبب عدم قدرة الحكومة العراقية على تأمين تمويل المشروع في أراضيها، فضلاً عن هشاشة الوضع في مناطق عدة أمنياً وحتى سياسياً، بالإضافة للتخوّف من التأثير الإيراني لعرقلة المشروع باستعمال نفوذها في العراق.
وأفاد لـ"العربي الجديد" بأن أنقرة تسعى إلى ضم دمشق لطريق التنمية لتقليل المخاطر داخل الأراضي العراقية، وبالتالي سيخفف التكلفة والوقت عنها، كما سيبدد التحديات فيما إذا كان سيمرّ من إقليم كردستان العراق.
وأوضح أنه فيما يتعلّق بتراجع أهمّية مشروع طريق التنمية بالنسبة العراق فيما إذا تم تفعيل الخط المنطلق من الموانئ السعودية، وصولاً إلى الأردن ومن ثم إلى سورية ومنها إلى تركيا فإنَّ هذا التخوّف طبيعي، لأن تفعيله سيؤثّر حتماً على باقي المخططات، وتبقى حينها الميزة التنافسية للعراق في السكك الحديدية المزمع إنشاؤها.
وأكد اللومان أن سورية مهيّئة بخطّين تجارين، الأول خط M4 الذي يربط العراق بحلب، وكذلك خط M5 الذي يربط الأردن بحلب وإدلب، الواقعتين على الحدود السورية التركية.

الكفة العراقية راجحة

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي أحمد عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن نقل البضائع عبر العراق يستغرق حوالي 5-7 أيام، بينما عبر الأراضي السورية قد يستغرق 6-8 أيام، ما يجعل الخيارين متقاربين زمنياً.

وأشار إلى أن الاستقرار الأمني والقدرة على تأمين الطرق تلعب دوراً حاسماً في تفضيل أحد المسارين على الآخر، حيث ما زالت بعض المناطق في العراق تعاني من تحديات أمنية، في حين أن البنية التحتية في سورية بحاجة إلى استثمارات ضخمة لتكون منافسة حقيقية.
وأضاف أن هناك مقترحاً لوضع مسار ثانٍ عبر سورية يمرّ من فيشخابور شمالاً، مما يتيح الاستفادة من موانئ البحر المتوسط، حيث ينطلق الطريق من ميناء الفاو مروراً ببغداد إلى دير الزور وحلب، ثم يدخل الأراضي التركية عبر غازي عنتاب وهاتاي، ليرتبط بالموانئ التركية على البحر المتوسط، مما يفتح مجالاً إضافياً لحركة التجارة بين الخليج وأوروبا.
وأوضح أن هذا المسار قد يكون أكثر جاذبية في حال توفير الاستثمارات اللازمة لإعادة تأهيله، لكنه يواجه تحديات سياسية مرتبطة بالوضع في سورية وعلاقاتها مع الدول الفاعلة في المنطقة.
وبين عبد الله أن الرسوم الجمركية المفروضة في العراق أقل من النسب المفروضة لدى دول الجوار ومنها سورية، حيث يعتمد العراق رسوماً تتراوح بين 5-10% على السلع، في حين قد تفرض سورية رسوماً تصل إلى 10-15%، ما قد يؤثر على تكاليف النقل.
وختم عبد الله بأن العراق يمتلك ميزة أخرى تتعلق بمرونة الإجراءات الجمركية نسبياً مقارنة بسورية، التي قد تعاني من تعقيدات بيروقراطية في تخليص البضائع، وهو ما قد يشكل عاملاً إضافياً في تحديد المسار الأكثر كفاءة لشحن البضائع بين الخليج وأوروبا.

قراءة المقال بالكامل